المستهلك يشتهي ولا يشتري.. والخضار والفواكه أصبحا كالمصاغ الذهبي!!
سينسيريا ـ وسيم وليد إبراهيم
لاشك أن معظم السلع في أسواقنا باتت غير مناسبة لذوق المستهلك.. ليس من حيث المذاق أو الشكل بل من حيث الدخل.. ولا شك أيضا أن معظم السلع الغذائية باتت تقشفية بالدرجة الأولى، فمعظم المستهلكين انخفضت قدرتهم الشرائية إلى أكثر من النصف، وبات دائرة الاستهلاك لمعظم المواد تضيق شيئا فشيئا حتى بات المستهلك يشعر بالاختناق من غلاء الأسعار وفحشها.
وبدأ المستهلك لمواجهة هذا الواقع الصعب بوضع خطط حتى يستطيع أن “ينفد بريش راتبه المتآكل” أو دخله حتى نهاية الشهر، ولكي لا يعرض نفسه لـ”ذل الدين” بعد أن باع ما كان يدخره.
للحديث شجون يطول.. ولكن هل يعقل أن يصبح بائع الخضار كبائع المصاغ الذهبية؟.. نعم فكل شيء ممكن في أسواقنا..فعندما تذهب إلى بائع المصاغ فإنك لن تستطيع إلا شراء بضع غرامات فقط من الذهب.. وكذلك الأمر أصبح عند بائع الخضار والفواكه والتي أصبحت أسعارها تستهلك أكثر من نصف دخل المواطن، حيث شهدت أسعارها ارتفاعا ملحوظا وخاصة الفواكه التي أصبحت وفق الكثير من المستهلكين من المواد صعبة المنال.
“سينسيريا” حاولت الوقوف على الأسباب الحقيقية لارتفاع أسعار الخضار والفواكه، وبالطبع تعتبر الخضار والفواكه سلعا لا يمكن الاستغناء عنها كونها تعتبر موادا اساسية لأي أسرة، فجميع وجبات المواطنين تتعلق بالخضار، أما الفواكه فقد اكتفى المواطن “بوضع لايك” عليها والتعبير عن إعجابه بها ومشاهدتها عن بعد دون الجرأة على شرائها، كونها تتخطى قدراته المالية.
الخضار نار.. والفواكه للمشاهدة فقط..
وفي رصد لأسعار الخضار في أسواق ريف دمشق على سبيل المثال فقد بلغ سعر كيلو الخيار البلاستيكي إلى 155 ليرة، ووصل سعر كيلو البطاطا 165 ليرة، وبلغ سعر كيلو الليمون الأخضر إلى 125 ليرة مع الإشارة إلى أن سورية تعتبر مصدرة لهذه المادة ويوجد فائض كبير منها وإنتاجها يعتبر قياسي ولكن لا نعلم أسباب ارتفاع أسعارها في السوق المحلية، والبامية 550 ليرة، كما بلغ سعر كيلو البندورة 170 ليرة، والبصل الأحمر للمونة 135 ليرة وبلغ سعر الزهرة ما بين 210 ليرات، وبلغ سعر كيلو الكوسا نحو 235 ليرة.
وبحسبة بسيطة يمكن القول بأن أي وجبة غذائية تحتاج إلى خضار تكلف الأسرة ما لا يقل عن ألف ليرة، وأصبح صحن السلطة يكلف الأسرة نحو 300 ليرة كسعر للخضار فقط دون بقية المواد الغذائية الأخرى.
بالطبع الحديث عن الفواكه يختلف كثيرا عن الخضار كون الفواكه تعتبر أسعارها محلقة جدا، وأصبحت من الكماليات فلا يوجد أي نوع من الفواكه سعره أقل من 100 ليرة، بل تبدأ أسعار الفواكه من 200 ليرة وما أعلى.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن اسعار الخضار والفواكه تختلف من بائع إلى بائع ومن سوق إلى سوق أخر لأسباب سنأتي على ذكرها.
غرف الزراعة: أسعار الخضار منخفضة السعر مقابل التضخم
رئيس اتحاد غرف الزراعة السورية محمد الكشتو بين في تصريحه لـ”سينسيريا”، أن أسعار الخضار تعتبر رخيصة في حال مقارنتها بالتضخم، في حين تعتبر مرتفعة كثيرا مقارنة بدخل المستهلك.
ولفت إلى أنه في حال تقسيم سعر كيلو البندورة 150 ليرة على 7 وهو تضخم سعر الصرف، فإن سعرها سيكون 20 ليرة للكيلو وهو سعر يعتبر أرخص من قبل الأزمة، أما في حين قياس مبلغ 150 ليرة على دخل المستهلك فإن هذا الرقم يشكل عبئا ماديا كبيرا عليه.
ولفت الكشتو إلى أن الخضار المحمية مرتفعة الثمن ولا يمكن خفض أسعارها كون المنتج سيتعرض للخسارة في حين أن الخضار الشتوية فإن أسعارها مقبولة مقارنة مع الخضار المحمية، مشيرا إلى أن معظم المزارعين يتعرضون لخسائر كبيرة رغم ارتفاع سعر الخضار وذلك بسبب التكاليف العالية للإنتاج والنقل وغيرها من الأمور.
ونوه إلى أنه في حال تم دعم المزارع أو المنتج فإن ذلك سيؤدي بطبيعة الحال إلى دعم بقية الأطراف كالمستهلك.
وأكد أن الدخل لم يتم تحريكه بما يوازي التضخم لذا فإن معظم أسعار المواد الغذائية والخضار تعتبر مرتفعة مقابل الدخل.
وأشار إلى أن مؤسسات التدخل الإيجابي تقوم بطرح الخضار بأسعار معينة ولكن المستهلك لم يلمس الفارق بين سعر مؤسسات التدخل الإيجابي وأسعار السوق، مضيفا “وهنا نصل إلى نتيجة هي أن المستهلك والمنتج يقبعون تحت خانة الخسارة، مؤكدا أن اقتصاد الحرب يفرض التقشف وهذا ما حدث بالمستهلك.
ما هي أسباب ارتفاع أسعار الخضار؟
بائع جملة للخضار والفاكهة أوضح لـ”سينسيريا” أن سبب ارتفاع أسعار الخضار والفواكه يعود لقلة الإنتاج، لافتا إلى أن العديد من المحافظات خرجت عن دائرة الإنتاج نتيجة الأزمة التي تمر على سورية، حيث خرجت محافظة درعا وإدلب وحمص وبعض مناطق ريف دمشق عن إنتاج الخضار والفاكهة مثل البطاطا والبندورة وغيرها من البقوليات والخضروات، عدا عن خروج مناطق مشهورة بإنتاج الفواكه مثل مناطق القلمون وإدلب وحمص، في حين بقيت مناطق الساحل والسويداء في دائرة الإنتاج وهي لا تكفي لتغطية كافة حاجات سورية من الخضار والفواكه، فالعنب مثلا كان يأتي من السويداء، ولكن لا يكفي حاجة السوق.
ولفت إلى أن هناك العديد من العوامل ساهمت أيضا في رفع أسعار الخضار والفواكه وعدم انخفاضها أبدا، فمثلا أجرة النقل أصبحت تكلف الكثير بالنسبة للبائع المفرق والجملة، حيث يتم إضافة ما لا يقل عن 8 ليرات على كل كيلو يتم نقله وذلك حسب بعد منطقة الإنتاج عن السوق المركزي أو الجملة، ومن ثم يتم إضافة نفس المبلغ بالإضافة إلى مبالغ أخرى كأجرة نقل البضائع من سوق الجملة إلى بائع المفرق، عدا عن ارتفاع أسعار المازوت الذي يباع حاليا بـ200 ليرة لليتر في السوق السوداء كحد أدنى، مشيرا إلى أن هذه الأسباب أدت إلى اختلاف وتباين الأسعار بين بائع واخر وسوق وأخر كون التكاليف تختلف كثيرا وخاصة بما يتعلق بالنقل.
أسباب اختلاف الأسعار بين بائعي المفرق..
ولفت إلى أن بائعي الخضار والفواكه يختلفون في وضع هوامش الربح، فمثلا هناك من يضع 10 ليرات كربح على كل كيلو خضار وهناك من يضع أكثر من ذلك، أما الفواكه فهناك من يضع 20 ليرة كربح على كل كيلو فواكه وهناك من يضع 30 وتصل إلى 60 ليرة للبعض الأخر، لافتا إلى أن سبب اختلاف هوامش الربح بين البائعين وخاصة المفرق يعود وفق الطلب، كون زيادة الطلب لا تعرض البائع إلى خسائر التلف، وخاصة مع ارتفاع درجات الحرارة حيث يتعرض البائع إلى تلف الكثير من المواد مما يعرضه لخسائر فادحة، وهنا يلعب الطلب دورا في تصريف المادة، فكلما زاد الطلب قلت هوامش الربح لدى بائع المفرق كونه يصرف بضائعه بسرعة ولا يتعرض لخسائر التلف والعكس صحيح، حيث يضيف خسائرة على أسعار المواد الأخرى لكي يعوض الخسائر مما يؤدي إلى رفع سعره عن غيره من البائعين.
بائع خضار: الأسرة تحتاج إلى ثلاثة رواتب لتغطية متطلبات معيشتها.
وأشار إلى أن مهنة بائعي الخضار والفواكه أصبحت منتشرة كثيرة وخاصة في ظل الأزمة التي تمر على سورية كونها أصبحت ملجأ للكثير من العاطلين عن العمل، وذلك لتغطية نفقات معيشتهم، حيث أنتشر بائعي الخضار والفواكه على الأرصفة وفي الطرقات وضمن السيارات الجوالة أيضا.
وأكد على أن الفواكه لا يمكن أن تنخفض أسعارها ابدا في ظل الظروف الحالية بل أصبحت مستقرة عند مستوى مرتفع، مما أدى إلى ضعف الطلب عليها، حيث لا يشتري الفواكه إلا كل مقتدر، أما ذوي الدخل المحدود فلا يشترون إلا غرامات قليلة من الفواكه لارتفاع أسعارها، حتى أصبح هناك بيع بالتفاحة والدراقة بمفردها.
وأشار إلى أن المستهلك وخاصة ذوي الدخل المحدود يحتاج إلى ثلاثة رواتب من الرواتب الحالية لكي يستطيع تغطية متطلبات معيشته من الخضار والفواكه، وخاصة في فترة المناسبات كالأعياد.
خبير: القطاع الزراعي يواجه صعوبات كثيرة..
خبير في الشؤون الزراعية فضل عدم ذكر اسمه لفت لـ”سينسيريا” إلى أن أسعار الخضار والفواكه تأثرت بالعديد من العوامل أهمها رفع أسعار المازوت الذي أثر على تكلفة الري، كما أدى إلى رفع أسعار النقل بشكل كبير وبأضعاف مضاعفة حيث يباع ليتر المازوت حاليا بـ250 ليرة، ويخشى في حال رفع سعره النظامي أن يرتفع سعره في السوق السوداء إلى أكثر من ذلك أيضا، كما أدت الأزمة الحالية إلى خروج العديد من المناطق النوعية والمشهورة بالإنتاجية العالية للفاكهة والخضار عن الإنتاج مثل إدلب كما أدت الأزمة إلى تحول المزارعين إلى زراعات لا تحتاج إلى متابعة وعناية أو إلى تكاليف كثيرة من أسمدة وري ومبيدات وغيرها من الأمور، كزراعة البقوليات.
ولفت إلى أن القطاع الزراعي حاليا يواجه صعوبات كثيرة، وخاصة ارتفاع أسعار الأسمدة وقلة الأمطار، مما يضع الحكومة امام تحدي حقيقي لمواجهة هذه المشكلات وغيرها، حيث أن الأسواق للأسف أصبحت تعتمد على استيراد الفاكهة وبعض أنواع الخضار مثل البندورة والبطاطا التي لم تنخفض سعرها رغم الاستيراد ووصل سعرها قبل فترة وجيزة إلى حدود قياسية 260 ليرة للكيلو، ولا ننسى أن عامل التسويق يلعب دورا كبيرا في رفع الأسعار وخفضها، حيث أن صعوبة تسويق المنتجات بين مناطق الإنتاج وأسواق الاستهلاك أدى إلى رفع الاسعار في مناطق الاستهلاك وانخفاضها في مناطق الإنتاج، وهذا سببه صعوبات النقل بين المحافظات وارتفاع تكاليفه وعدم وجود منظومة تسويق خاصة أو عامة.
وأكد على أن أسعار الخضار والفاكهة تتأرجح وفق العرض والطلب في الأسواق، فكلما زاد العرض انخفضت الأسعار والعكس صحيح، مشيرا إلى أن الضبوط التموينية التي يتم تنظيمها في أسواق الخضار والفواكه وخاصة في أسواق المفرق تعتبر غير دقيقة كونها تعتمد على المنافسة، إلا أن الرقابة يجب أن تكون في الأسواق المركزية كسوق الهال وغيرها من أسواق الجملة، حيث أن المزايادت في بيع الخضار والفواكه تحدث على قدم وساق في أسواق الجملة وبعيدا عن قوانين العرض والطلب، كما أن أسواق الجملة هي الأساس في رفع الأسعار، وفي حال تم ضبطها فقد يتم خفض أسعار الخضار والفاكهة في أسواق المفرق وبنسب جيدة.