اقتصاد و فوبيا

كتاب شُكر!

علي محمود سليمان

على مدى أكثر من عشر سنوات حاولت جاهداً ألا أتغيب عن أي فعالية أكاديمية اقتصادية. ويمكنني القول أني تواجدت في العشرات من المحاضرات والندوات وحلقات النقاش وورشات العمل التي تُعنى بالشأن الاقتصادي بالمجمل. وتضمنت طروحات في كافة المجالات كالصناعة والتجارة والزراعة والسياحة والقطاع المالي والضريبي إلى أن يطول التعداد.

المفارقة الأولى

والتي دائماً ما كانت تستوقفني بأني لم أشاهد ولو لمرة واحدة (مرة واحدة) تواجد لمسؤول حكومي (من الصف الأول) إن جاز التعبير كالوزراء والمدراء ومعاوني المدراء، اللهم إن شاهدت أحدهم فإنه من مسؤولي الدرجة الثانية وما بعد. مع ملاحظة أن هذا التصنيف لمجرد توضيح الصورة وليس توصيفاً وظيفياً بحسب التنمية الإدارية.

وغالباً ما يتواجد مسؤول الدرجة الثانية بصفة شخصية وليست وظيفية، قد يكون أحد المحاضرين صديقاً أو قريباً له. أو ربما تواجد للاستفادة مما سيطرح ضمن المحاضرة.في تقديم مقترحات للجهات التي يعمل لديها، وإن صح هذا فلا ضير منه. فعلى الأقل قد يأخذ أحدهم بما طرح من أفكار.

وهنا تأتي المفارقة الثانية

حين حدثني منذ عدة أيام أحد المعنيين بتنظيم المحاضرات الاقتصادية بأنهم وعلى مدى سنوات طويلة من تنظيمهم للنقاشات، كانوا يوجهون الدعوات بشكل روتيني ودائم لكل جهة حكومية سيتم مناقشة ورقة بحث من ضمن مجال عملها.ولكن لم يأتِ أحد، ومع ذلك كانوا يرسلون مضمون الدراسة أو ورقة البحث وما تتضمنه من مقترحات وأفكار لذات الجهة أو لأكثر من جهة حكومية، ولم يبادرهم أحد بطلب النقاش فيما طرح. وما حصلوا عليه طيلة هذه السنوات لم يتجاوز كتاب شُكر!

المفارقة الثالثة

التي لاحظتها خلال حضوري المتواتر ضمن حلقات النقاش، بأن العديد من الحلول قد عرضت لمشاكل معيشية وخدمية واقتصادية نعاني منها، ولكن هذه الحلول لم يأخذ بها أحد. مع العلم بأن بعض من طرح هذه الحلول كان محاضراً سابقاً وأصبح مديراً أو وزيراً. ولكن حتى مقترحاته التي نادى بها سابقاً لم يعمل بها؟ّ!.

وعلى سبيل المثال تم طرح فكرة تحديد برامج زمنية لتصدير المحاصيل الزراعية، كأن يتم وضع جدول زمني لتصدير البطاطا على مدى ثلاث سنوات. وبهذه الحالة سيعرف الفلاح بأن محصوله سيصدّر على مدى ثلاث سنوات وبالتالي سيزرع وهو مطمئن بأنه سيجني ثمار تعبه. إلا أن ما حدث ومازال يتكرر، بأن الفلاح يزرع دون أن يعلم إن كان سيصدّر أم لا، وإن تم التصدير فالكميات غير معلومة ولا المواعيد ولا يوجد ما يدل على خطوات واضحة للتصدير. ما أوصلنا لأن نصدر ونحن نعاني من نقص في مادة ما أو نستورد والمحصول على الأبواب. ومثال البصل الأخير يشرح نفسه بنفسه.

المفارقة الرابعة

كانت حين حدثني أحد دكاترة الاقتصاد بأن الجهات الحكومية تصاب بالمغص إن شاهدت أكاديمي ينظر عليها علناً في الحلول الممكنة لمشاكلنا، وكأن الأكاديمي عدو لها. ولكنهم يطلبون منه تقديم مقترحاته وأبحاثه لهم بشكل مباشر وسري. لربما هم خجلين من الاعتراف بعدم قدرتهم على إيجاد الحل بمقدار براعتهم في خلق المشكلة.

المفارقة الخامسة

بأن بعض من حضرت نقاشاتهم كانوا مسؤولين سابقين، وبعد أن تقاعدوا بدأوا بتقديم النصيحة والمشورة للجهات التي أداروها سابقاً (كأنهم مجلس الحكماء) ولكن عند سؤالي لأحدهم لماذا لم تنفذ ما تطرحه من أفكار عندما كنت على الكرسي؟. امتعض وتلون وبربر كلمات لم أسمعها ولكن أغلب الظن أنه شتمني.

المفارقة السادسة والأخيرة

هي كوننا بلد يمتلك آلاف المفكرين والباحثين والأكاديميين في كافة المجالات الاقتصادية وهم محاضرون لهم حضورهم المشهود له في المنابر العربية والدولية. إلا أننا لا نمتلك مركز دراسات وأبحاث اقتصادية واحد على كامل الجغرافية السورية.
وعندما قام بعض الباحثين بإقامة مركز أبحاث لم يستمروا بسبب العجز المالي وضعف التمويل، إلا أننا قادرين وبسهولة على تمويل أي حملة دعائية لمطرب أو لمسلسل أو حتى لعضو بمجلس الشعب أو مجلس بلدية، مع الاحترام لما يقدمه المذكورين كمثال. إلا أن إقامة مركز أبحاث اقتصادي واحد يؤخذ برأيه فعلاً ليس بالمعجزة، وإلا سنبقى ندور في حلقة مفرغة من اللقاءات الفكرية العبثية.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى