اقتصاد و فوبيا

إلى متى تسيطر الورقة الخضراء على العالم؟

 

علي محمود سليمان

تعددت التقارير والأبحاث من مراكز الدراسات الاقتصادية العالمية التي طرحت سؤالاً عن مدى استمرار هيمنة الدولار الأميركي على الاقتصاد العالمي؟ وأخذ هذا السؤال بالاتجاه التصاعدي منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية.

وذلك بعد أن بدأت العملة الأميركية تفقد سطوتها، حيث أن العقوبات الاقتصادية الغربية على روسيا أثارت المخاوف في الأسواق العالمية، وذلك بعد قرار تجميد احتياطات النقد الأجنبي للبنك المركزي الروسي المقومة بالدولار في عام 2022، بعد نشوب الحروب الروسية الأوكرانية، ما جعل العديد من دول العالم تفكر في تخفيض تجارتها بالدولار خوفاً من أن تفقد جزءاً من احتياطها النقدي الأجنبي في حال اتخذت سياسية لا ترضي واشنطن.

وبالعودة إلى العام 2018

سنجد أن بداية الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأميركية والصين كانت الشرارة الأولى، لتأتي الحرب الروسية الأوكرانية وما نتج عنها، لتشكلا بداية انطلاق حركات عالمية للتخلص من “دولرة العالم”.

وما تقوم به دول البريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) من إجراءات لإنشاء عملتها الخاصة، مع التحرك للتخلص من الدولار في التعاملات التجارية البينية، وذهاب الصين لتطوير نظام تسوية إلكتروني خاص بمصارفها ليحل بديلاً عن نظام سويفت، إلا مؤشرات واضحة لاتجاه العالم لنزع السيطرة من ذراع الدولار الأميركي.

وهناك المزيد من المؤشرات العالمية مثل توجه السعودية لبيع النفط للصين بعملتها “اليوان” بدلاً من الدولار، كما أن إعلان 19 دولة عن رغبتها بالانضمام لمجموعة البريكس يؤخذ كمؤشر هام وقوي، ومنها إيران والجزائر واندونيسيا ومصر والسعودية.
وقد انضمت مصر وبنغلاديش والإمارات إلى عضوية بنك التنمية الجديد، الذي أسسته دول البريكس، وهي خطوة أولى للانضمام للمجموعة.

وبلغة الأرقام فإن حصة الدولار من الاحتياطات العالمية كانت 67% في عام 2001، لتنخفض تدريجياً إلى 47% في عام 2022، لنكون أمام تحول عالمي واضح المؤشرات والاتجاهات لنزع سطوة الدولار عالمياً.

وهنا يصبح السؤال ضرورياً

حول إمكانية مواكبة سورية للتحركات العالمية والتي أصبحت معلنة ولا يمكن تجاهلها؟
ولكن ما الذي يجب القيام به كخطوات تمهيدية للوصول إلى مرحلة الحد من التعامل بالدولار في التعاملات التجارية، مع العلم بأن الاقتصاد السوري يعاني كثيراً منذ العام 2011 لتتفاقم المعاناة بكارثة زلزال شباط الماضي.

إلا أنه اقتصاد غني بالثروات المادية والبشرية، فمن المعروف أن اليد العاملة السورية تمتاز بالمهارة والحرفية، فيما يوفر التنوع الجغرافي البيئي في سورية إمكانيات ضخمة للزراعة إن قمنا بالاستغلال الأمثل لها، كونها المحرك الرئيسي للاقتصاد والمغذي الأول للصناعة السورية.
كما أن الثروات الباطنية لدينا غنية جداً وقد كشف مؤخراً عن امتلاكنا لـ 21 خام من الثروات المعدنية، التي يمكن الاستفادة منها في إقامة صناعات حديثة لها بالإضافة للتصدير منها.

ولكن امتلاكنا للثروات والإمكانات غير كافي لجذب الاستثمارات، خاصة في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية تجاه سورية مؤخراً، حيث بات من الضروري توظيف كافة الجهود لتطوير قطاعي الزراعة والصناعة، وتقديم كل التسهيلات الممكنة للنهوض بهما، لكي نكون قادرين على جذب الاستثمارات ونحن نقف على أرض صلبة.

هذه التحضيرات

للنهوض بالاقتصاد السوري إن نجحت ستمكننا من الانفتاح الاقتصادي على الدول الصديقة للحد من هيمنة الدولار على الاحتياطي النقدي وفي تعاملات التبادل التجاري لدينا، من خلال تنويع سلة العملات التي نتعامل معها، وتقليص دور اليورو والدولار، وذلك بعقد شراكات استراتيجية تجارية نقدية مع الدول التي تتحرك لنزع سطوة الدولار مثل مجموعة بريكس ومنظمة شنغهاي، ولكن بعد التأسيس لنهضة الاقتصاد السوري والبدء من الآن أفضل من البدء متأخرين.

مع ضرورة الإشارة إلا أن أفضل المتفائلين بانتهاء عصر الدولار لا يتوقع أن يحدث هذا الأمر خلال سنوات قليلة وإنما قد يحتاج ما بين 20 إلى 50 عاماً، كون دول العالم حتى الآن لم تتفق على عملة بديلة، كما حدث عندما انتقل العالم من الجنيه الإسترليني نحو الدولار بعد الحرب العالمية الثانية، ولكن من الواضح أن الحركة التي بدأت لا رجعة فيها، وعلى الاقتصاد السوري إلا ينتظر كثيراً للاستفادة من التحولات العالمية.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى