مصارف ومالمميز

المصارف الخاصة دورها غائب أم مغيب في ملف القروض؟

شهدا لسينسيريا: مخاطر التسليف والتضخم والسياسة النقدية الانكماشية من أهم العوائق فضلية: دورها تنموي تمويلي خدمي هام والأهم هي السيولة النقدية المتاحة للإقراض

علي محمود سليمان

يعد القطاع المصرفي الخاص في سورية من القطاعات الهامة كونه يشمل على 14 مصرفاً خاصّاً منها 3 مصارف إسلامية، وقد أُسست المصارف الخاصة بموجب القانون رقم 28 لعام 2001، والمصارف الإسلامية بموجب المرسوم التشريعي رقم 35 لعام 2005، وجميعها شركات مساهمة مغفلة عامة؛ أي مُدرجة في سوق دمشق للأوراق المالية DSE.

وبالرغم من أهمية هذا القطاع واتساعه إلا أن دوره وأثره المالي لم ينعكس بما يتناسب وحجمه، ولذلك يتجدد السؤال الدائم عن دور مصارف القطاع الخاص في تنشيط الحركة المالية وخاصة في مجال التوسع بمنح القروض الاستثمارية والتشغيلية للقطاع الإنتاجي سواء كان صناعي أو تجاري أو سياحي أو شخصي.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هل دور المصارف الخاصة غائب أم مغيب في ملف القروض؟!

الخبير المصرفي عامر شهدا بيّن في حديثه لصحيفة سينسيريا بأن المصارف الخاصة والعامة تخضع لسياسات نقدية يضعها مصرف سورية المركزي وبالتالي لا يمكنها أن تعمل من خارج هذه السياسات كونها تحت الرقابة، كما أن المصارف الخاصة متقيدة بخصوص مخاطر التسليف، حيث تعد مخاطر التسليف في سورية عالية جداً نتيجة الأوضاع الاقتصادية.

ومن ناحية أخرى فإن التضخم يتسبب بمخاطر إضافية لعمليات التسليف وهذه المخاطر تؤدي لخسائر إن كان للمصرف أو للمودعين والمستفيد في هذه الحالة هو المقترض، فيما تحرص المصارف الخاصة للحفاظ على ودائع زبائنها وبالتالي تحافظ على أرباحها كون هناك مساهمين ولهم الحق المطالبة بأرباحهم.

موضحاً بأن هذه الأسباب هي التي تعيق توسع المصارف الخاصة بمنح القروض، بالإضافة إلى أن رأس المال العامل في المصارف الخاصة هو أقل من المصارف العامة ولذلك التوسع بالإقراض يمكن ملاحظته عند المصارف العامة أكثر من المصارف الخاصة، وهو عائد لرأس المال العامل الذي يظهر نوع من تقصير المصارف الخاصة ولكنه ليس تقصير وإنما مرتبط بالإمكانيات والمخاطر.

السياسية الانكماشية

وأضاف شهدا حول عوائق التوسع بمنح القروض بأن المتعارف عليه كلما ارتفعت الودائع كلما زادت إمكانية الإقراض، وقرار المصرف المركزي اليوم باحتباس السيولة حجم من الودائع في المصارف وهذا التحجيم أدى إلى تراجع في عمليات الإقراض.

بالإضافة إلى جزء من رأس المال بالمصارف الخاصة موظف بأسواق خارجية، له موارده التي تعتبر مهمة لهذه المصارف لأنها تدعم أرباحها وبالتالي تسد من نفقاتها لأنه لا يمكن الاعتماد على الأسواق السورية لتغطية نفقات المصارف الخاصة وهي أكبر بكثير من نفقات المصارف العامة.
ويضيف شهدا بأن السياسة النقدية الانكماشية من أهم العوائق وبالتالي ضعف الإيداعات، حيث أن زيادة الايداع ترتبط بالفوائد، والفوائد شبه ثابتة في سورية مع العلم بأن تثبيت الفوائد هو خطأ بالعمل المصرفي حيث يجب أن توائم مع نسب التضخم للحفاظ على حقوق المودعين.

وبحسب رأي الخبير المصرفي عامر شهدا فإن المعالجات تأتي من مصرف سورية المركزي وهو المسؤول الأول والأخير، حيث أن الوضع الاقتصادي بحاجة لدعم الانتاج ويجب على المصارف أن تقوم بعملية دعم الإنتاج من خلال إقراض المنتجين وتسهيل الإقراض للإنتاج، حيث أن دعم الإنتاج هو النواة الأساسية لتثبيت سعر الصرف وتخفيض نسبة التضخم ورفع القوة الشرائية لليرة السورية.

انكماش النشاط المصرفي

وفي ذات السياق قدم الخبير الاقتصادي الدكتور عابد فضلية شرحاً عن نشاط القطاع المصرفي سورية، موضحاً بأن هذا القطاع بشقيه العام والخاص كان نشطاً في السابق، خلال الفترة من العام 2006 وحتى 2010، إلا أن هذا النشاط انخفض بحذر خلال السنوات الأولى من الحرب، لينكمش ويتجمد هذا النشاط في السنوات الأخيرة منها حتى عام ٢٠١٩، بعدها سنحت الظروف المالية للمصارف بتحريك أموالها وتدوير عجلة نشاطها.

إلا أن اشتداد حملات الحصار والعقوبات على الجبهة الاقتصادية وبالتالي بطء دوران عجلة النهوض الاقتصادي آنذاك، وبعض التجاوزات والمبالغات في التسليفات الضخمة غير المبررة التي قامت بها بعض المصارف الخاصة دفعت الحكومة والجهات ذات الصلة إلى استصدار قرار أوقفت فيه الإقراض إيقافا تاماً لدى جميع المصارف العاملة لعدة أشهر، وقد أثر ذلك على حجوم أرباح هذه المصارف من جهة، وأدى إلى تجميد وتقليص التعامل مع المصارف التي رفضت تلك الفترة استقبال الودائع.

التشريعات النقدية

ومما زاد الطين بلة كما يقال هي التشريعات النقدية المقيدة التي فرضها مصرف سورية المركزي من خلال تحديد سقوف منخفضة للمبالغ المسموح سحبها يومياً من المصارف والتي يمكن نقلها مباشرة من محافظة إلى أخرى، وتلك التي يمكن تحويلها عبر شركات الحوالات الداخلية بالليرة السورية.

أضف إلى ذلك زيادة التشدد بالرقابة على الإقراض من حيث حجمه وطبيعة الغرض الاستثماري من الحصول عليه، وعلى الرغم من أن أهداف المصرف المركزي من كل ذلك هي لغاية لجم السيولة السائبة أو الفائضة في السوق منعاً للمضاربة على القطع الأجنبي، إلا أن مثل هذه القيود (وإضافة إلى تسارع نسب ارتفاع التضخم) تسببت في إضعاف المصلحة في وضع الودائع النقدية لدى المصارف، وبجدوى التعامل مع القطاع المصرفي والمالي عموماً
الأمر الذي أدى إلى إضعاف قدرة سيولة المصارف الخاصة على الإقراض من جهة، وإلى بطء النشاط الاستثماري وقلة الطلب على القروض من جهة أخرى، بحسب فضلية.

 

السيولة النقدية المتاحة للإقراض

وحول الكتلة النقدية الموجودة لدى المصارف الخاصة ودورها في الإقراض، أوضح فضلية بأنه لا أحد من خارج المؤسسات المصرفية والرقابية الحكومية يعلم بالضبط حجم الكتلة النقدية لدى المصارف، وحتى أن التقديرات والإحصاءات والتصريحات الرسمية وغير الرسمية غير متطابقة، لذلك فإن حجم السيولة الذي يمكن اعتماده كرقم رسمي هو لدى المصرف المركزي، وكذلك الأمر بالنسبة لرأسمال المصارف.

وبكل الأحوال فإن المؤشر الأهم لقوة المصرف هو حجم السيولة النقدية المتاحة لديه للإقراض، مع الإشارة إلى أن هناك ضوابط رسمية رقابية (لغاية تحقيق عامل الأمان) لا تسمح بأن لا يقل حجم السيولة القابلة للإقراض التي يجب أن يحتفظ بها المصرف عن ٢٠% على سبيل المثال من إجمالي حجمها الكلي المتاح لديه.

أما رأسمال المصارف فإن حجمه المطلق ليس ذو أهمية بمقدار أهمية حجم السيولة القابلة للإقراض، فقد يكون رأسمال أحد المصارف ٥ مليار ليرة سورية، إلا أن قدرته على الإقراض قد تتجاوز ٣٠ مليار، وهذا يتعلق بدوره بحجم الودائع الموجودة لدى المصرف، لا سيما منها متوسطة وطويلة الأجل.

واعتبر فضلية أن للمصارف في العموم دور أساسي يتمثل بمنح القروض لتسهيل وتمويل الأنشطة الاستهلاكية والخدمية والإنتاجية والاستثمارية، من السيولة التي يحوزها (كنسبة من رأسماله) زائد مبالغ مما لديه من إيداعات بمختلف أنواعها، وأرباح المصرف هي مجموع ما يحصل عليه من خدماته المصرفية وبشكل أساسي من الفرق بين نسبة الفوائد التي يدفعها للمودعين لديه ونسبة الفوائد التي يحصلها من الإقراض والأنشطة التسليفية.

الدور التمويلي الخدمي

أما منعكسات دور المصارف الخاصة في الإقراض فهي وفق رأي فضلية في الدور التمويلي التنموي الخدماتي الهام الذي تحققه القروض التي يمنحها لعملائه، لذلك فإن الدور الرقابي الذي يلعبه المصرف المركزي والجهات الرسمية الأخرى يتركز بالأساس في وضع تشريعات وشروط الإقراض للمصارف، التي تحقق الأهداف الوطنية الاقتصادية والاجتماعية والتنمية الكلية والجزئية.

وذلك من خلال رفع أو خفض نسب الفائدة المدينة أو حتى إلغاؤها بحسب نوع الأنشطة المستهدف دعمها وتشجيعها أو لجمها، فتكون الفوائد على قروض الأنشطة المطلوب تشجيعها منخفضة والعكس بالعكس، أما عند إعفاء بعض أنواع القروض من الفوائد إعفاءً تاماً، فيقوم المركزي بتسديد أعباء هذه القروض والفوائد للمصرف المقرض، ضمن إطار الضوابط التي تضعها وتقرها الحكومة.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى