تحت الشبهة

أطفال “على صفيح ساخن”.. عمالة الأطفال تتفشى في دمشق وريفها.. من المسؤول عن الحد من انتشارها؟

تشهد ظاهرة عمالة الأطفال تفاقماً في ظل الوضع المعيشي المتردي. إذ لا يخلو معمل من طفل تم توظيفه لمهمة تناسب بنيته الجسدية أو لا تناسبها، كما لم تعد تخلو الحاويات من أطفال بداخلها أو بجانبها يبحثون عن قوت يومهم بين مهملات سكان الحي، فعلهم يجدون كرتوناً أو بلاستيكاً يبيعونه من أجل مساعدة عائلاتهم.

مدينةً وريفاً تتفشى هذه الظاهرة، وفي محاولة للوقوف على بعض تفاصيل العمل بهذه “المهنة”، حظينا بمجموعة من الأطفال المنتشرين في منطقة صحنايا بريف دمشق، الذين تحدثوا عن بعض تفاصيل عملهم ونبشهم للقمامة لتجميع ما يصادفونه من مواد يمكن بيعها.

الطفل “عمار” لا يتجاوز عمره الـ 6 سنوات ويتخذ من أطراف الحاويات في صحنايا مكاناً للبحث عن البلاستيك والكرتون. يقول إنه يعمل “نبّاش” لصالح مركز لبيع الكرتون (نباش) لكنه لا يعلم أين المركز ولا لأي جهة يتبع. إذ يحمل حمولة القمامة التي تغطي جسده النحيل، ويسلمها لأحد الأشخاص المتعاملين مع المركز.

جمع البلاستيك

الأمر نفسه أكده الطفل “سامي” الذي يعمل منذ الصباح ويجمع البلاستيك والكرتون ويسلمها لعمه دون مقابل مادي، ويضيف أن والده أخرج إخوته من المدرسة للعمل بجمع القمامة، بذريعة إنقاذ العائلة من حبل الفقر والواقع المعيشي.

ومن خلال الحديث مع عدد من هؤلاء الأطفال المتجمعين حول حاويات القمامة تم التأكد من أنهم لم يسجلوا بالمدارس، بل بدؤوا بخوض معركة الحياة القاسية بجمع البلاستيك والكرتون، لأخذ مبلغ 5000 في اليوم، الذي يعتبر حلماً لكل منهم وكأنه حصل على كنز.

صاحبة أحد المحلات في المنطقة، تحدثت عن عمل هؤلاء الأطفال بحكم عملها ومشاهداتها، مبينة أنه يتم توزيع الأطفال من الساعة السابعة صباحاً حيث يستلم كل 5 أطفال تقريباً حاوية قمامة ويقومون بتنظيفها والجلوس بها حتى الساعة السابعة مساءً.

وشاطرتها الرأي صديقتها التي تضيف على كلامها بأن هؤلاء الأطفال يتعرضون للعنف بسبب ومن دون سبب، وتضيف كمثال على ذلك: “رأيت ذات مرة رجلاً يضرب طفلاً من النباشين بقوة مستنكراً مظهره وهو يشم الشعلة، ووبخه بشدة طالباً منه ألا يشم الشعلة مرة ثانية”.

من المسؤول عن ردع هذه الظاهرة؟

ذكر عضو في مجلس بلدية صحنايا أنه ليس لهم علاقة بهؤلاء الأطفال وإنما مسؤولية المجلس ومهامه تخص عمال النظافة الذين معهم سيارات وعربات.

الشؤون الاجتماعية: مهمتنا المتسولين فقط!

أفادت مديرة الخدمات في مديرية الشؤون الاجتماعية والعمل بريف دمشق وفاء أبو حمرة بأن مهمة مكتب المتسولين في المديرية هي جمع المتسولين ووضعهم في معهد التسول (دار التسول) في منطقة الكسوة، لتأهيلهم وتعليمهم مهنة جيدة يستفيدون منها في حياتهم، أما الأطفال المتجولين والنباشين حول حاويات القمامة لا علاقة لمديرية الشؤون بهم فهم يتخذون التنظيف مهنة وهم غير مسؤولين عنهم.

وزارة الشؤون الاجتماعية: ليس لنا علاقة

وفيما يخص وضع الأطفال وإعادة تأهيلهم، تواصل مع وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل التي أوضحت أن مديرية النظافة بالمحافظة هي المسؤولة عنهم وعن مصادرة كل ما يعملون به وليس للوزارة أي علاقة بإعادة تأهيلهم لأنهم يخضعون للمادة 49 ولهم عقوبات تخص نبش القمامة فهؤلاء يعملون من قبل مشغلين يوجهونهم كما يريدون.

من المسؤول عن ردع ظاهرة عمالة الأطفال؟

وهنا أكد المشرف العام على مجمع الخدمات في محافظة دمشق مدير النظافة المهندس عماد العلي أن عمالة الأطفال ممنوعة ولا يوجد أي قانون يسمح بها وخاصة بالنسبة للفئة التي تقوم بجمع “البلاستيك” أو “نبش الحاويات” بالإضافة إلى الأضرار الصحية التي تتشكل لديهم.

وأضاف: “بالنسبة للذين يقومون بهذه الأعمال نقوم بالتواصل مع إدارة مكافحة الاتجار بالأشخاص (وزارة الداخلية) وبالتعاون معها نعرف المصدر الأساسي الذي يشغلهم (المشغل) وهذا الأخير يخضع لعقوبات؛ وهؤلاء الأطفال تتكفل بإعادة تأهيلهم وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل”.

وأكد مجدداً على أن موضوع النبش غير مسموح سواء للصغار أو الكبار لما له من آثار على البيئة بالدرجة الأولى وعلى صحة العاملين به بالدرجة الثانية وذلك لأن هذا العمل بالذات يزيد من الأعباء الإضافية على عمل عمال النظافة أثناء عملية نبش الحاويات فتتناثر القمامة بجانب الحاويات وتنتشر الروائح بسبب نبش الأكياس المغلقة.

وعن الإجراءات المتخذة من قبل المحافظة يقول العلي: “نحن كمحافظة نقوم بحملات لمكافحة ظاهرة النبش ومصادرة الأدوات الخاصة بهذه العملية سواء الأدوات – السيارات- العربات- الدراجات الهوائية- والآليات التي تعمل بثلاث دواليب، يتم حجزهم بالتعاون مع قيادة الشرطة؛ والحملات مستمرة وخاصة على مراكز تجميع هذه الخردوات الموجودة في كل أنحاء المدينة ويتم ختم (المستودعات) أو مكان تجميع هذه الفضلات من بلاستيك وكرتون على اعتبار عدم وجود تراخيص بذلك ويتم معالجتهم بشكل قانوني”.

قانون حماية الأطفال لا يسمح بعملهم:

بدوره رأى المحامي المختص بالشؤون الاجتماعية رامي الخير خلال حديثه أن “وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل معنية بضبط ظاهرة عمالة الأطفال بالاشتراك مع عدة جهات حكومية خاصة بعد صدور قانون حماية الطفل الذي وفقاً له لا يجوز أن يعمل الطفل ما لم يتم الـ 15 من عمره، وهذا القانون لم يطبق إلى الآن” لافتاً إلى أن الوضع الاقتصادي والظروف المعيشية للأهل حالت دون تطبيق هذا القانون حالياً إضافة إلى ضعف الرقابة من قبل السلطة التنفيذية على هذه الظاهرة.

وتابع أن إدارة مكافحة الاتجار بالأشخاص تقوم بعمل جيد لضبط عمالة الأطفال ولكن هذه الظاهرة المنتشرة بشكل كثيف تحتاج إلى تعاون حكومي واجتماعي ومع المنظمات والجمعيات الأهلية، مبيناً أنه من المفترض أن يكون لدى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل مراكز لاستقبال الأطفال وكبار السن ممن أوضاعهم حرجة لتقديم كافة أشكال الرعاية لهم.

ونوه إلى أن الظروف الاقتصادية أجبرت الأهل على إرسال أطفالهم للعمل فعلى سبيل المثال “الراتب الشهري لشخص واحد موظف يكفي لشراء فروج ونصف وهو وجبة طعام واحدة لأسرة ويبقى بقية الشهر دون طعام” متمنياً أن يكون هناك تعاطي لمكافحة هذه الظاهرة بشكل صارم وأن يكون هناك صندوق مالي للأطفال ممن أوضاعهم حرجة لرعايتهم وتعليمهم.

رأي التربية بعمالة الأطفال:

نوّه مصدر في تربية ريف دمشق إلى أن قانون التعليم الإلزامي في سوريا يجبر هؤلاء الأطفال على الالتحاق بالمدارس، وعدم التحاقهم يعتبر مخالفة من قبل ذويهم.

وينوّه موقع إلى أن الهدف من نشر هذا التقرير هو الوقوف على المشكلة ودعم هؤلاء الأطفال واختيار مكان أنسب لهم ليلحقوا بغيرهم من الأطفال لا أن يتم تشميع مكان عملهم وحرمانهم مصدر رزقهم دون وجود بديل يعيلهم.

اثر برس

اظهر المزيد