مصارف ومال

الكتلة الورقية النقدية لليرة زادت 4 تريليون مع تراجع في أدواتها

خبير يشرح واقع الليرة السورية ويقترح الحلول

ابراهيم مخلص الجهني

تسارع هبوط الليرة السورية بقدر كبير لتتجاوز للمرة الأولى عتبة 14 ألف ليرة سورية منذ شهر آب الماضي، الأمر الذي رفع معدلات التضخم لنسب كبيرة لم تشهدها من قبل.
حيث تراجع سعر صرف الليرة السورية من 3700 ليرة إلى ما يقارب ال 14500 ليرة سورية بالسوق السوداء، ومن هنا جاءت أهمية الندوة الاقتصادية التي ألقاها الأستاذ الجامعي الدكتور رازي محي الدين في جمعية العلوم الاقتصادية الثلاثاء الفائت وتتناول فيها واقع الليرة السورية ووظائفها ودورها الاقتصادي، متناولاً أهم السياسات النقدية والمصرفية التي صدرت مؤخراً وكانت سبباً في الوصول للواقع الاقتصادي الحالي.

تراجع في أدوات الليرة

 

حيث بيّن الدكتور أنه نتيجة الحرب التي شهدتها سورية والعقوبات الاقتصادية وعدم قدرة أغلب الحكومات على إيجاد حلول تناسب احتياجات المجتمع السوري الاقتصادية، مع عدم وضوح الاستراتيجية النقدية أدى ذلك إلى تراجع مكانة الليرة السورية.

مبيناً أن الليرة السورية لم تعد تقوم بأغلب وظائف النقد المطلوبة منها، ودورها كأداة قياس قد تراجع لأن أغلب عمليات التسعير حالياً بسورية تتم حسب صرف الدولار بالسوق السوداء وبشكل شبه فوري.
وفي بعض الأحيان بشكل مسبق بمعنى أن التجار يتحوطون مسبقاً لتراجع الليرة ويقومون بتسعير السلع على دولار أعلى من السوق السوداء مثال بسعر 16000 أو 20000 حسب كل سلعة مستفيدين من غياب التنافس في السوق السورية نتيجة ضعف الإنتاج وتراجع الاستثمار وتقييد الاستيراد.

دور التبادل والادخار

إما حول دور الليرة كوسيلة تبادل فإنها ماتزال الأداة الرئيسة بالتداول في المناطق الحكومة السورية، وأما في المناطق الواقع خارج سيطرة الدولة مثل القامشلي وإدلب وبعض المناطق الأخرى فإن الليرة السورية للأسف خرجت تقريبا من التداول، ويعود سبب استمرار الليرة بوظيفتها كأداة تداول جزئيا للقوانين السورية المتشددة بحبس وسجن كل من يتداول بغير الليرة، وهذا يعطي مؤشر خطير جدا وهو أن الليرة السورية نتيجة لضعف السياسة النقدية خسرت غالب وظائفها وأن الوظيفة التي مازالت تقوم بها جزئيا هي بسبب العقوبات المتشددة، والذي من الممكن أن يكون ذلك قد أدى في كثير من الأحيان دور عكسي بعدم الثقة بالليرة السورية وساهم بهروب كثير من الأموال خارج القطر.

إما بالنسبة لدورها كوسيلة للادخار فأنه رغم ارتفاع العوائد على الليرة السورية التي وصلت بين 10 إلى 15% إلا أنها ما زالت أقل بكثير من معدلات التضخم التي تعادل قرابة 300% لعام 2023 و 100% لعام 2022 وأكثر من 30% سنوياً في السنوات السابقة.
الأمر الذي أدى لتراجع دور الليرة السورية كوظيفة ادخار، وأن الجهات الحالية التي تدخر بالليرة السورية هي الجهات العامة والبعض من القطاع الخاص، وأن احتفاظ مثل هذه المؤسسات بأموالها بالليرة السورية ضمن النظام المصرفي ساهم بأمرين اثنين.
الأول تآكل رؤوس أموال هذه المؤسسات الحقيقية، والثاني قدرة المصارف على خلق النقود وتوليد نقود إضافية ساهم بإضعاف الليرة السورية بسبب التوسع الكبير بعمليات الإقراض وزيادة عرض النقود.

الليرة كأداة تمويل

 

وإما عن دور الليرة كأداة تمويل فقد أشار الأستاذ الجامعي إلى أن تقييد عمليات تمويل رأس المال العامل وشبه توقف عمليات الاستثمار الحقيقي نتيجة تراجع القوة الشرائية الحاد، مع بقاء معدل الفائدة الحقيقي سالب على القروض ظهر في سورية (في اقتصاد الظل) استثمار جديد هو المضاربة على الليرة السورية بالاقتراض المصرفي.
حيث يعتبر حالياً في السوق السورية أهم استثمار رابح هو الاقتراض بالليرة السورية وقلبه إلى دولار، وهذه الأداة للأسف لم يتم ربطها بالاقتصاد المنظم وبالتالي هذا الربح يتم دفع الضرائب عليه بل تم استخدامها بشكل عشوائي لدعم اقتصاد الظل، حيث تبلغ الفوائد على القروض حالياً قرابة 15% والتضخم قرابة 300% وبالتالي كل قرض يحقق ربح أكثر من 200% سنوياً.
وهذا الأمر خطير جداً عندما تصبح مصلحة اقتصاد الظل هو انهيار الليرة السورية لكي يحقق أرباح مضاربة، منوهاً إلى أن مصلحة الاقتصاد النظامي دائما وأبدا استقرار الليرة السورية لسببين، الأول إن ادخاراته بالليرة، والثاني أن أي انهيار سيدفع ثمنه بسبب التضخم وتراجع القوة الشرائية، وأما اقتصاد الظل القائم على التهريب والاقتراض والفساد والمحسوبية والرشاوي فقد استفاد بشكل كبير في السنوات الماضية.

الكتلة الورقية النقدية

 

وقد أوضح الخبير أن حجم عجز الموازنة التقديري السنوي لعام 2023 بلغ قرابة 4,8 تريليون ليرة سورية دون التطرق لعجز الموازنة الشهري قصير الأجل، كما بلغ حجم الديون المحلية من خلال التمويل بإصدار سندات الخزينة قرابة 354 مليار ليرة سورية بمعدلات فائدة قرابة 10% مع ملاحظة تراجع نسب الاكتتاب بشكل كبير رغم وجود فوائض نقدية كبيرة في المصارف السورية، لكن انخفاض معدلات الفائدة أفقد المصرف المركزي إمكانية الاستفادة من هذه الأداة بشكل فعال.

وأضاف الدكتور أن قيمة الزيادة في عرض النقود جاءت بسبب إلزام المصرف المركزي على الإيداع بالمصارف، ومن خلال تحليل بيانات ثلاث بنوك إسلامية في سورية نجد أن حجم التمويلات زاد بعام 2023 قرابة تريليون ليرة سورية، وهي مرتبطة بشكل أساسي نتيجة زيادة التأمينات النقدية لديها والحسابات الجارية من الاقتصاد الحكومي والشركات المساهمة والمشتركة.
مبيناً أن زيادة الكتلة الورقية النقدية 4 تريليون ليرة سيؤدي إلى زيادة مماثلة أخرى بالحسابات البنكية وتصبح الزيادة النقدية قرابة 8 تريليون ليرة، وهذا يتوافق أيضاً مع الزيادة الكبيرة في الحسابات الجارية والودائع حيث زادت بعام 2023 بثلاث بنوك سورية فقط أكثر من 3 تريليون ليرة سورية.

مقترحات

 

وقدم الدكتور رازي محي الدين في نهاية حديثة العديد من المقترحات لتحسين السياسة النقدية والمصرفية في البلاد مطالباً بإلغاء منصة تمويل الاستيراد واستبدالها بأدوات اقتصادية فعالة مثل رفع رسوم الاستيراد.
حيث أن سعر الدولار الجمركي حالياً أقل من سعر الصرف بالسوق السوداء علما أنه من المنطق رفع رسوم الاستيراد لتخفيض المستوردات، مع ربط المستوردات بالتصدير والسماح لبيع دولار التصدير، أو توفر حساب دولار للمستورد خارج سورية، ولمن يرغب بالدخول للمنصة أن يدخل بحيث لا تكون المنصة إلزامية، وتحرير دولار التصدير من أي قيود بحيث يحق للمصدر أن يبيع دولار التصدير إلى مستورد أخر وعدم إلزام المصدر بتحويل نصف صادراته إلى الليرة السورية، حيث أدى ذلك لارتفاع تكاليف التصدير.

وأكد على ضرورة رفع الفوائد على سندات الخزينة من أجل ضمان الاكتتاب عليها وزيادة الاعتماد على السندات لتمويل العجز من أجل سحب السيولة من القطاع المصرفي، وإلغاء كافة القيود التي أدت لتقييد دوران الليرة السورية من تأمينات نقدية وسحوبات وغيرها من الأدوات الإدارية غير الاقتصادية واستبدالها برفع أسعار الفوائد على الودائع، أو إصدار أنواع أخرى من الشهادات الاإيداعية القابلة للتداول أو إصدار وديعة ليرة دولار وغيرها من الأدوات التي تعيد الثقة لليرة السورية.

مبيناً أن المشكلة التمويلية في سورية ليست نقص الدولار بل فقدان الثقة بالجهاز المصرفي وبالليرة السورية، وبالتالي إلغاء القيود واستبدالها بفتح وديعة دولار بفائدة تشبه فائدة ودائع الدولار العالمية قرابة ٦%.

واختتم الدكتور رازي محي الدين حديثة بالتأكيد على ضرورة إيجاد معاملة عادلة للاقتصاد، إما بإعفائه من قيمة الأرباح الوهمية نتيجة تراجع الليرة، وإعطاءه فوائد عالية على الودائع أو تسهيل عمليات التمويل له.

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى