ابن بطوطة تحدث عن المسؤولية الاجتماعية في دمشق قبل 700 عام وحالياً تعاني في مواجهة التهرب الضريبي والتهريب
خضور لسينسيريا: على الحكومة معالجة السبب الحقيقي لعجز الموازنة في جانب الإيرادات...الحلاق لسينسيريا: ضرورة نشر ثقافة العدوى واستثمار دور رجال الأعمال
علي محمود سليمان
العودة للتاريخ دائما ما تكون مفيدة كما تحدث الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق الدكتور رسلان خضور. في مقدمة الورقة العلمية التي قدمها يوم أمس على مدرج كلية الاقتصاد. خلال ورشة العمل التي أقيمت تحت عنوان “على طريق المسؤولية الاجتماعية المعاصرة للدولة”.
حيث ذكر أنه عاد بالتاريخ لما قبل 700 عام فوجد أن ابن بطوطة زار دمشق عام 1326م. فماذا وجد ابن بطوطة لدى زيارته دمشق؟.
ويجيب خضور بأن ابن بطوطة وجد منظومة خدمات اجتماعية متكاملة. تقوم بها ما يسمى بالدولة في ذلك العصر. وتمول من الأوقاف، التي تمثل أحد أهم موارد خزينة الدولة آنذاك.
مستوى المسؤولية
واقتبس عن ابن بطوطة قوله “الأوقاف في دمشق لا تحصر أنواعها ومصاريفها لكثرتها. منها أوقاف على العاجزين عن الحج. ومنها أوقاف على تجهيز البنات إلى أزواجهن اللواتي لا قدرة لأهاليهن تجهيزهن. ومنها أوقاف لفكاك الأسرى، ومنها أوقاف لأبناء السبيل يعطون منها يأكلون ويلبسون. ومنها أوقاف على تعديل الطريق ورصفها. لأن أزقة دمشق لكل واحد منها رصيفان في جنبيه يمر عليهما المترجلون. ويمر الركبان بين ذلك، ومنها أوقاف لسوى ذلك مثل وقف الأواني”.
موضحاً بأن هذا ما كان عليه مستوى المسؤولية الاجتماعية لمى يسمى بالدولة قبل 700 سنة هنا في دمشق. وعليه توجه خضور في ورقته برسالتين إلى الحكومة والقطاع الخاص.
الرسالة الأولى
إلى الحكومة مع فائق الاحترام والتقدير، وحرصاً على سلامة الفريق الحكومي. وحرصاً على الحكومة، وحرصاً على الدولة السورية. فإنه من الأنسب أن تقوم الحكومة بمعالجة السبب الحقيقي لعجز الموازنة ليس في جانب النفقات، بتخفيض الانفاق الاجتماعي، بل في جانب الإيرادات. لأن الانفاق الاجتماعي منذ سنوات في تناقص وهو منخفض. والمشكلة ليست مشكلة موارد فقط، فالموارد موجودة، ولا نتحدث هنا عن قيم مطلقة للموارد. بل عن نسبة وتناسب.
والأنسب عدم التخلي عن بعض من مسؤوليات الحكومة الاجتماعية قبل استكمال منظومة الخدمات وشبكات الأمان الاجتماعي. التي تشارك فيها كل مؤسسات الدولة الرسمية وغير الرسمية، بما في ذلك تنظيم وضبط آليات قيام قطاع الأعمال الخاص بمسؤولياته الاجتماعية. ويمكن الاقتداء بالتجارب الناضجة للحكومات الرأسمالية الصديقة وغير الصديقة بخصوص مسؤولياتها الاجتماعية تجاه مواطنيها.
الرسالة الثانية
إلى قطاع الأعمال، وخاصة الأخوة الرأسماليين، ومن بعد الاحترام والتقدير، فإنه حرصاً على سلامتكم وعلى سلامة أعمالكم ومشاريعكم وعلى أرباحكم المستقبلية. فإن طريقكم السليم والصحيح هو الاقتداء بزملائكم الرأسمالين في البلدان الرأسمالية بخصوص الالتزام بالمسؤولية الاجتماعية. بما في ذلك دفع الضرائب المستحقة، كي تستطيع الحكومة الاستمرار في تقديم خدماتها الاجتماعية للمجتمع. وخدمات البنية التحتية كي تستمروا أنتم ومشاريعكم وأرباحكم.
وعليه يجب التوضيح كي لا يساء الفهم – الحديث لخضور- فقد تكون المجاملات في العلاقات الاجتماعية والشخصية شيء محبب. ربما يرفع المعنويات وإنتاجية العمل، ولكن المجاملات في الشأن العام وفي المصلحة العامة وفي الشأن الوطني والمصلحة الوطنية. فهي في حدها الأدنى تسمى تملق، وفي حدودها الوسطى تسمى نفاق. وفي حدها الأعلى تسمى خيانة عظمى.
أسباب عجز الموازنة
الدكتور رسلان خضور أشار إلى أن أحد أهم الأسباب والدوافع الكامنة وراء المطالبة بتخلي مؤسسات الدولة الرسمية عن بعض مسؤولياتها الاجتماعية هو تزايد العجز في الموازنة العامة للدولة، بسبب تزايد النفقات الاجتماعية للحكومة.
ولكن الواقع يقول أن سبب تزايد عجز الموازنة يكمن السبب في جانب الإيرادات. (عمليا الانفاق الاجتماعي في تراجع وليس في تزايد ومنذ سنوات طويلة.
وبالعودة إلى موازنة العام 2022 فقد كانت نسبة الانفاق الاجتماعي 41.2%. وفي موازنة العام 2023 انخفضت النسبة إلى 30%. بينما في موازنة العامة القادم 2024 انخفضت إلى 17.5.
منوهاً إلى أن ما ينسب لأسباب تراجع الإيرادات العامة للدولة خلال السنوات الماضية من الحرب والحصار والعقوبات واحتلال حقول النفط والغاز. ودمار بعض المؤسسات الإنتاجية وغير ذلك يعد صحيحاً.
إلا أن تراجع الإيرادات والعامة تزايد عجز الموازنة كان سببه الأساسي التهرب الضريبي والتهريب وأشكال الفساد الأخرى. والموارد المهدورة والضائعة لأملاك الدولة بعقود فساد. وليس بسبب تزايد الانفاق الاجتماعي لمؤسسات الدولة الرسمية، وهذا كان قبل الحرب وتزايد اثنائها.
العبء الضريبي
كما أن أحد أهم أسباب ذلك التدني هو تراجع العبء الضريبي، أي نسبة الإيرادات الضريبية إلى الناتج المحلي الإجمالي، خلال السنوات الماضية. فهذا العبء لدينا لا يتجاوز 15- 17%. بينما في الدول العربية المجاورة يصل إلى 25%، والوسطي للبلدان الأوروبية 43 %. فيما الوسطي العالمي 28,2%.
فيما يبلغ وسطي حصة الرواتب والأجور من إجمالي الدخل القومي في الدول الرأسمالية المتقدمة ما بين 36% و50% (وصلت في سنوات سابقة إلى 60%)، بينما يبلغ وسطي حصة الرواتب والأجور من الناتج المحلي في سورية خلال العقود الماضية ما بين 25% و28%. وفي زمن الحرب لم يصل إلى 20%. وهذه نسب متدنية أدت تراكمياً إلى تفاقم حدة التفاوت في التوزيع. علماً أنه بحدود 65% من قوة العمل لدينا تعمل بأجر، والنسبة المتبقية تعمل لحسابها الخاص.
دور القطاع الخاص
منوهاً إلى أنه خلال العقود الماضية بدأ قطاع الأعمال الخاص لدينا، في كثير من المجالات والنشاطات الاقتصادية، يحل بشكل تدريجي محل قطاع الأعمال العام، الذي تقلص دوره في العقود الماضية. حيث كانت حصة الخاص لا تتجاوز 30 % من الناتج المحلي لتتجاوز 70% في بداية العقد الثالث من الألفية الثالثة.
وقبل العام 2011، أي، قبل بداية الحرب، ساهم القطاع الخاص بحدود 65 – و70% من الناتج المحلي الإجمالي. في حين أن نسبة مساهمته في الضرائب 30% من إجمالي الإيرادات الضريبية. فيما تجاوزت مساهمة قطاع الأعمال الخاص في الناتج المحلي خلال السنوات الماضية 75%. بينما مساهمته الاجتماعية لا تزال غير متناسبة مع حجم أعماله
حيث يعمل في قطاع الاعمال الخاص بحدود 70.9% من إجمالي العاملين. في حين أن نسبة تسجيل العاملين في التأمينات الاجتماعية تتراوح بين 30 و50 % من إجمالي عدد العاملين في قطاع الاعمال الخاص. ويتحمل العاملون معظم تكاليف التأمين الصحي.
السلع والخدمات
معتبراً أنه ما دام قطاع الأعمال الخاص قد حل محل قطاع الأعمال العام المملوك للدولة الرسمية في مجال النشاط الاقتصادي. أي في عمليات إنتاج وتبادل وتوزيع السلع والخدمات. فهو من أصبح يحصل على معظم الفائض الاقتصادي، وهو المتحكم بالدخول والثروات. فمن الطبيعي والمنطقي، بل يجب أن أي يأخذ الحزمة متكاملة وليس فقط الأرباح والفائض الاقتصادي. وأن يحل محل قطاع الأعمال العام ومؤسسات الدولة الرسمية في مجال المسؤوليات الاجتماعية المرافقة للنشاط الاقتصادي.
بما يتناسب مع حجمه ووزنه ومساهمته في الاقتصاد الوطني، وتحديدا في مجال (دفع الضرائب دون تهرب، تسجيل العاملين في التأمينات الاجتماعية. والتأمين الصحي، والالتزام بمعايير الصحة والسلامة المهنية، المسؤولية تجاه البيئة كمرفق اجتماعي يستخدمه ويستنزفه قطاع الأعمال لتحقيق أرباحه متجاهلاً التكاليف الاجتماعية)
استثمار دور رجال الأعمال
بدوره بيّن عضو غرفة تجارة دمشق محمد الحلاق بحديثه لصحيفة سينسيريا أن دور قطاع الأعمال بالنسبة للمسؤولية الاجتماعية هام جداُ، ويفترض أن تكون الحكومة هي الراعي للعديد من النشاطات الاجتماعية وأن تؤمن الحاضنة لهذه المشاريع. حيث أن المسؤولية الاجتماعية عدا عن كونها ثقافة فإنها مبادرات مجتمعية لتأمين احتياجات المجتمع بشرط أن تكون مبادرات مستدامة. وكمثال نذكر عندما قام تجار دمشق بجر مياه عين الفيجة إلى دمشق. وكان مشروعاً وطنياً ذو امتياز عالي ومستدام.
لافتاً إلى أننا بحاجة لنشر عدوى ثقافة المسؤولية الاجتماعية، فعندما يقوم أحدهم بعمل مجتمعي هام يجب تسليط الضوء عليه وتحفيز باقي الجهات للقيام بعمل مثله. وهنا يأتي دور الحكومة لتأمين الفرص والمواقع والبنية التحتية، سواء لبناء مشافي أو دور رعاية المسنين وغيرها من المشاريع. التي يمكن أن تؤمن دخلها من ذاتها وبنفس الوقت تقدم خدمات اجتماعية.
مضيفاً بأن هناك دور هام لرجال الأعمال يفترض أن يتم استثماره بشكل أفضل. فحتى الآن لم نستفيد من دور رجال الأعمال بالشكل الجيد، حيث يجب الاستفادة من أفكارهم وطروحاتهم سواء في المحاضرات الجامعية أو اللقاءات مع الجهات الحكومية. حيث يمكن إغناء الفكر الاقتصادي بالمواقف والخبرات المتراكمة لديهم. وليس فقط بالنقاشات العلمية.