اقتصاد و فوبيامميز

سكروا الحنفية

علي محمود سليمان

لأكثر من شهر وأنا اتكاسل وأتقاعس عن إصلاح حنفية (تنقط) في المنزل، يوماً بحجة المشاغل ويوماً آخر بحجة أن الحنفيات الموجودة في السوق كلها سيئة وغالية الثمن، والأصلي والجيد منها أصبح نادراً، وقبل أن أبدلها كون إصلاحها بات غير ممكن، قررت أن أخوض تجربة معها وأحسب حجم الهدر اليومي نتيجة هذا (التنقيط).

وضعت إناء فارغ بسعة لتر وانتظرت حتى امتلأ من (التنقيط)، فكانت النتيجة أن تعبئة اللتر استغرقت حوالي الساعة، وبحسبة بسيطة فإن مقدار الهدر يقارب 24 لتر ماء يومياً، أي بحجم 720 لتر ماء شهرياً، أي أن النقطة وراء النقطة ستدخلني شريحة استهلاك أعلى، ما يرفع قيمة فاتورة المياه، وأنا أتكاسل بمقولة (هي نقطة ما بتأثر).

وكون الشيء بالشيء يذكر، فقد شدني تصريح سابق لعضو لجنة الموازنة في مجلس الشعب محمد زهير تيناوي، حيث قال وأقتبس “لابد من وضع خطة قاسية لمعالجة منافذ الهدر والفساد في كل المؤسسات والوزارات لأن الحد من الهدر ومكافحة الفساد أصبحا ضرورة ولو انعكست مبالغ الهدر والفساد على الموازنة لاستطعنا تحقيق وفراً وليس عجزاً”.

تصريح تيناوي جاء بعد الإعلان عن مشروع الموازنة العامة للدولة للعام القادم 2024، والتي حددت بـ 35500 مليار ليرة سورية موزعة على 26500 مليار ليرة للإنفاق الجاري و9000 مليار للإنفاق الاستثماري.

وكي لا ندخل في متاهة الأرقام، فضلت التركيز على ملاحظة عضو لجنة الموازنة حول أثر مبالغ الهدر على الموازنة، وللتوضيح فإن موازنة العام الحالي تضاعفت عن موازنة العام الماضي بقرابة 115%، وهنا يبدو جلياً أثر التضخم، ومن المعروف بأن التضخم ينتج بجزء هام منه عن سوء الإدارة، والتي ينتج عنها أيضاً الهدر وأثره الكارثي على الاقتصاد، فما بالنا ونحن نعاني من كافة مشاكل الاقتصاد.

وهنا نورد مثال بسيط

 

فمنذ قرابة العامين قامت محافظة دمشق بأعمال إصلاح لحفر موجودة على أوتستراد العدوي، وبعد أن أصبح الطريق مريحاً ومعافى، قامت مديرية كهرباء دمشق بإعادة حفر الأوتستراد لمد خطوط كهربائية ومن ثم قامت بالردم وتسوية الزفت، ولكن النتيجة أن الحفر عادت للطريق.

ما ذكر كمثال هو مقياس هام للهدر الناتج عن سوء الإدارة ، فبدلاً من التنسيق بين الجهتين لتوفير التكاليف والمواد، قامت كل جهة بالعمل لوحدها والنتيجة هدر بالمواد وإنفاق مضاعف لتكاليف أعمال الحفر والردم، وبالمحصلة لم يتم إصلاح الطريق وعاد أسوأ مما كان.

وفي بلدنا أينما توجهت ستجد مظاهر الهدر جلية، ولعل أبرزها وأشدها خطراً، هي مظاهر الهدر في الطاقة والمياه والغذاء والوقت، وعليه فإن بحث الحكومة عن مطارح مالية لتأمين المبالغ المتضخمة في الموازنة، يجب أن يوجه لتجفيف منابع الهدر وما ينتج عنه من دوائر فساد مالي وإداري، وهذا الإجراء كفيل لوحده بالتخفيف من العجز المتراكم في ميزانية بلدنا إن لم يحقق وفراً .

أما إن كانت الحكومة ستبقى على نفس النهج بتأمين الواردات للخزينة من جيب المواطن بزيادة الأعباء الضريبية عليه، فإنها تذهب بنا إلى المجهول، وسيصبح الإصلاح صعباً إن لم يكن محالاً كما هو حال الحنفية التي تهدر المياه ويتوجب إبدالها لعدم إمكانية إصلاحها.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى