اخبار البلدمميز

البيئة التشريعية الاقتصادية في سورية ومشاكل عنق الزجاجة

عاصي لسينسيريا: الواقع الاقتصادي يعاني من مشاكل ناجمة عن قرارات حكومية وليست قوانين... فضلية: العمل والحراك الاقتصادي لا يمكن أن تعطله مشكلة واحدة معينة

دانا برجاس

تلعب القوانين الاقتصادية دوراً وثيقاً في تقرير الوضع الاقتصادي لأي بلد، ولكن في سورية، فإن الاقتصاد الوطني يعاني حالة الانكماش وارتفاع معدلات التضخم في ظل غياب لرؤية اقتصادية تعمل كمظلة للقوانين والقرارات الاقتصادية الصادرة عن الحكومة، بحسب وزيرة الاقتصاد السابقة لمياء عاصي.

عاصي وفي حديثها لصحيفة سينسيريا حول القوانين الاقتصادية التي تحتاج إلى تعديل قالت إن هناك حاجة ماسة لإلغاء بعض القوانين أو اجراء تعديلات جذرية عليها، في محاولة للتخفيف من حالة الفوضى في الأسواق.
موضحة بأن أهم المشكلات الجوهرية المعيقة لتطور ونمو الاقتصاد الوطني تتلخص بتراجع حجم الإنتاج بكل أنواعه الصناعي والزراعي نتيجة الصعوبات التي تكتنف العمليات الإنتاجية والتجارية، وانخفاض الإيرادات العامة كنتيجة حتمية لانكماش الاقتصاد الوطني.

بالإضافة إلى تذبذب سعر الصرف الذي تضاعف عدة مرات في السنة الأخيرة على سبيل المثال وأدى إلى ارتفاع كبير في أسعار السلع والخدمات كافة وفي تكاليف الإنتاج وفي ارتفاع نسبة الفقراء بين السكان.

البيئة التشريعية الاقتصادية

 

عاصي بيّنت أن الوضع الاقتصادي الصعب في سورية يشير بوضوح إلى خلل في البيئة التشريعية الاقتصادية، وتبعاً لذلك فإن عدد من القوانين تحتاج لإعادة النظر والمراجعة في ضوء تأثيراتها على السوق من جهة وملائمتها للظروف الاقتصادية الحالية من جهة أخرى، سواء نتج عن ذلك تعديل أو إلغاء أو إضافة قوانين جديدة، ويجب أن تعمل هذه التعديلات في إطار تشجيع وتسهيل العمليات الإنتاجية والتجارية.

ومثال على ذلك القانون رقم /8/ لعام 2021، الذي يهدف لحماية المستهلك وفيه كثير من المواد الجيدة والضرورية، ولكن في الوقع أن بعض مواد القانون استخدمت كأداة للترهيب والابتزاز في الأسواق.

كذلك الأمر بالنسبة للقوانين التي صدرت بهدف حماية الليرة السورية وتجريم التعامل بغير الليرة السورية، ولكن العقوبات الواردة في القانون رقم /3/ لعام 2020 المعدل للمرسوم رقم /54/ لعام 2013، رغم شدتها وصرامتها لم تستطع التخفيف من التأثير السلبي للمضاربين والسوق السوداء على مجمل العمليات الاقتصادية.

عنق الزجاجة

وفي نفس السياق رأى الخبير الاقتصادي الدكتور عابد فضلية أن العمل والحراك الاقتصادي لا يمكن أن تعطله مشكلة واحدة معينة، سواء كانت تشريعية أم تنظيمية أم مؤسسية أم فنية أم إنتاجية أم تمويلية أم تسويقية، بل ربما تبطئ من أدائه لفترة محددة تبدأ بعدها ضغوط ومشاكل (عنق الزجاجة) في مجمل الاقتصاد بحسب تعبيره، التي من المفترض أن ينتبه إليها أولي الأمر ويقومون دونما إبطاء باتخاذ ما يلزم لرفعها أو تضييقها أو إزالتها.

فضلية في حديثه لصحيفة سينسيريا قال بأنه في حال لم ينتبه أولي الأمر إلى طبيعة وحجم ونوع هذه الضغوط والمشاكل أو أنهم في حال انتبهوا لها (ولسبب ما) لم يقوموا بما هو لازم للخروج منها، فهنا يقع الضرر الاقتصادي والاجتماعي ويتحول الأمر من مشكلة موضوعية تشريعية أو تنظيمية أو مؤسسية أو فنية وضعية ملموسة ومباشرة إلى مشكلة وضعية ذاتية عميقة غير محددة المعالم وغير محددة الإضرار، والمتمثلة في طبيعة وكفاءة ومستوى فعالية ودينامية ومرونة أو بيروقراطية ومستوى نزاهة وجدية عمل وأداء القائمين على إدارة الاقتصاد بحسب فضلية.

دوامة التضخم

 

وزيرة الاقتصاد السابقة لمياء عاصي تابعت حديثها بأن الواقع الاقتصادي الحالي بما يعانيه من دوران في دوامة التضخم وشح السلع والموارد العامة، يعاني من مشاكل ناجمة عن قرارات حكومية “ليست قوانين” مثل قرارات رفع أسعار السلع المنتجة أو المقدمة حكوميا مثل المشتقات النفطية أو السلع الأساسية في البناء (الإسمنت والحديد)، مما يرفع بدوره معدل التضخم ويؤثر على مجمل العمليات الاقتصادية.

كما أن هناك قرار من مجلس الوزراء يقضي بعدم منح تراخيص للمنشآت الصناعية إلا بالمدن الصناعية في محاولة لتنظيم العمل الصناعي وهذا من شأنه الإضرار بالعملية الإنتاجية الصناعية مباشرة في ظل أزمات النقل وغلاء المحروقات، في حين أن الظروف الاستثنائية الحالية تستدعي إعطاء التسهيلات للعمليات الإنتاجية كأولوية وضرورة لازمة للخروج من عنق الزجاجة الاقتصادي الذي ينعكس مباشرة على المستوى المعيشي للمواطنين.

وأضافت عاصي بأن الوثيقة التي صدرت عن مجلس الوزراء رقم 2579/1 بتاريخ 23/2/2023، والتي تلزم المنتجين والمستوردين بعدد من الأحكام والشروط الصعبة التحقيق وبالتالي فإنها تعرقل العملية التجارية والصناعية، الأمر الذي يرفع منسوب الاحتكار ويزيد تشوهات السوق.

فيما بيّن فضلية أن هناك العديد من العوامل والأسباب التي تعوق نمو الاقتصاد، والتي تقتضي تحليلها تحت عنوانين من المسببات والعوامل الداخلية والخارجية، وتتمثل المسببات الخارجية بدعم الإرهاب المسلح من جهة وبالحصار والعقوبات من جهة أخرى، ومحاولات التضييق المالي والمعيشي المفتعل على الجبهة الاقتصادية من جهة ثالثة.

العوامل الداخلية

 

متابعاً حديثه عن المسببات والعوامل الداخلية والتي أساس بنيتها التحتية حرب شرسة واشتباكات مسلحة وفي بعض محيطها بقع جغرافية يتواجد فيها مجموعات إرهابية مسلحة أما بنيتها الفوقية فتتمثل بالسلطات التشريعية والقضائية والإدارية التنفيذية الحكومية.

أما بالنسبة للمسببات والعوامل الداخلية السلبية التي تعد من معوقات النمو الاقتصادي وجهود تحسين مستوى المعيشة فهي إما أسباب موضوعية قسرية فرضتها، ظروف الواقع والتي تم ذكرها أعلاه أو أسباب ذاتية موضوعية وغير مبررة وتتعلق بمستوى جدية ونشاط وجهود ومبادرات ومرونة عمل مختلف وكافة الجهات والإدارات، وخاصة منها الحكومية العامة الوزارية منها والمؤسسية ذات الطبيعة التشريعية الاقتصادية البحثية العلمية والتعليمية والتطويرية الرقابية والفتية والتنفيذية.

دعه يعمل … دعه يمر

 

وبالعودة إلى وزيرة الاقتصاد السابقة والتي ختمت حديثها بأن الاقتصار على تطبيق الشروط المتعلقة بالسلامة والجودة بالنسبة للسلع والخدمات ضروري جداً، أما القواعد التنظيمية والأحكام المتعلقة بها يمكن أن تكون مؤجلة لأنها لا تستقيم مع الظروف الاستثنائية الخانقة التي تمر بها سورية، وإن مراجعة البيئة التشريعية كاملة بما فيها من القوانين والقرارات الحكومية يجب أن تتم ضمن هدف أساسي هو زيادة الإنتاج المحلي بكل أنواعه واعتماد عبارة “دعه يعمل …دعه يمر”.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى