اقتصاد و فوبيامميز

من حول تعليمنا من رسالة إلى سلعة؟!

علي محمود سليمان

بدأ العام الدراسي في سورية كعادته بالتخبط والفوضى. بدون أي مؤشرات أن المسؤولين عن أجيالنا قد تعلموا من أخطاء الماضي. وبأن هناك نية للإصلاح وتحسين وضع مدارسنا لتكون البيت الثاني كما علمونا في صغرنا.

مضى أسبوع على انطلاق العام الدراسي وما تزال المدارس غير مستعدة. فالصفوف غير مهيأة لاستقبال الطلاب، حيث هناك نقص في المقاعد مع اهتراء غالبية المتوفر منها. وليس هناك خطة واضحة لتسجيل الطلاب وتوزيعهم. فيما لا يزال العديد من الأهالي يبحثون عن مدرسة يمكن أن تستقبل أبناءهم.

كما أن العديد من المدارس تعاني نقص المدرسين الاختصاصيين. والموجود منهم يعاني من التشتت لكثرة المدارس التي تطالب به. ومنهم من فُرض عليه حصص إضافية فوق النصاب المخصص له، لتغطية الشواغر المتزايدة.

وفي مدارس أخرى انفك عدد من المعلمين المستجدين (العقود والمكلفين) بعد مضي أسبوع فقط على بدء دوامهم. وذلك بعد أن تبيّن لهم أن حجم العمل المطلوب لا يعادل ما سيحصلون عليه من عائد مادي. ومنهم من تقدم بطلبات نقل أو ندب لوزارات أخرى بدلاً من وزارة التربية “الفقيرة”.

البعض الآخر فضّل العودة للمنزل والاكتفاء بالدروس الخصوصية المربحة والمريحة دون عذاب الصراع على توقيت الحصص في المدارس. والجدال طيلة اليوم لإسكات 40 أو 50 طالب في شعبة واحدة، والاستعاضة عنهم بطالبين أو أكثر قليلاً في ساعة دراسية واحدة يحُصل منها الأستاذ أضعاف مضاعفة عما يجنيه في شهر واحد من التدريس في المدارس الحكومية.

حيث بات لدينا بورصة لأسعار ساعات الدروس الخصوصية تتماشى مع المتغيرات المعيشية والمكانية. فقد نجد أن مدرس لمادة الرياضيات يمكن أن تصل تسعيرة ساعته إلى مائة ألف ليرة سورية في دمشق. ومثيله يتقاضى نصف أو ربع المبلغ في محافظة أخرى.

دبر راسك

هذا هو الحال ولم نتحدث بعد عن بعض المدرسين الذين يروجون لأنفسهم في حصصهم. حيث أصبحت المدراس الحكومية منصة إعلانية للترويج لمنتجهم في الدروس الخصوصية، ونقول البعض وليس الكل.

فيما لا تزال تسعيرة الساعة الدرسية ٦٠٠ ليرة سورية فقط للمدرس المكلف بالساعات. وهذا بالذات أصبح عملة نادرة كونه لا يوجد من يرضى على نفسه أن تحسب ساعة عمله بهذه القيمة. إلا ما ندر وهم في الغالب إما طلاب جامعيين أو حاصلين على شهادة التعليم الثانوي فقط. ويريدون تحصيل الخبرة قبل المال ولذلك يرضون بالقليل.

وكما هو الحال في كل عام فإن المدارس تشتكي ضعف الميزانية لتوفير اللوازم المدرسية. وعدم وجود غرف صفية كافية لاستيعاب الأعداد الكبيرة من الطلاب التي تفرض عليها، وغيرها الكثير من الشكاوي، ومنها شح كميات المازوت المخصصة للمدارس. حتى أن بعض المدارس في الأعوام الماضية كانت تشغل المدفأة في الصف خلال حصة واحدة من أصل ست حصص. لإطالة عمر الكميات المخصصة لها.

أما بالنسبة للكتب المدرسية فهي كالعادة مهترئة وتالفة ولا بديل للطالب عنها. وعند أي سؤال للجهات المسؤولة دائماً ما يكون الجواب واحد وهو (دبر راسك).

كل ما ذكر ليس وليد اليوم ولا الأمس، بل هو وضع يمتد لسنوات مضت ومدارسنا الحكومية من سيء لأسوأ. ولا يوجد أي بوادر لتحسين الأحوال.

وبالعكس باتت مدارسنا الحكومية حصراً لأبناء الفقراء غير القادرين على تسديد أقساط المدارس الخاصة المتزايدة بشراهة تشبه النباتات الطفيلية.

وعليه يبقى السؤال يدور سعياً لجواب عمن حوّل تعليمنا من رسالة إلى سلعة تباع وتشترى؟.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى