صمت الفاشلين والعاجزين

علي محمود سليمان

تعددت أشكال ومعاني الصمت في بحور اللغة، وتنوعت رموزه ودلالاته. ويمكننا القول بأن أسلافنا لم يتركوا مجال في مناحي الحياة إلا واعطوا للصمت فيه قيمة ومعنى.

فقال الحكماء من الإصغاء تأتي الحكمة، و من الكلام تأتي الندامة. وإذا تم العقل نقص الكلام.

كما أُعطي للصمت قيمة ووزن فقالوا إذا كان الكلام من فضة، فالسكوت من ذهب.
وللصمت احترامه أيضاً فمن كَثُر كلامه قلّ احترامه، ولم يغفل الطب عن أهمية الصمت فقالوا الكلام كالدواء؛ إن أقللت منه نفع، وإن أكثرت منه قتل.
والعشاق لمسوا الرومانسية في الصمت، فأبدع نزار قباني بالتعبير عنه، بقوله /فإذا وقفت أمام حسنك صامتا فالصمت في حرم الجمال جمال/.
كما أن للصمت وقاره، فقيل في كثرة الصمت تكون الهيبة. وهناك صمت الرضى فقيل السكوت علامة الرضى، وصمت الشجعان والصمت الانتخابي.
هذا بعض مما كان عليه حال أسلافنا مع الصمت. أما جيلنا الحالي فتجربته مع الصمت تحمل الكثير من الشعور بالمرارة والخذلان.

وأحدث أخبار الصمت

في بلدنا ما ضج به عالم الفيسبوك يوم أمس عن استيقاظ مجلس الشعب من سباته ودعوته لأعضائه لعقد جلسة استثنائية لدراسة ومناقشة الواقع الاقتصادي والمعيشي وسعر صرف الليرة السورية.

وهنا هبّت الجموع الغفيرة للسؤال البديهي عن سبب صمت أعضاء مجلس الشعب عن سوء أوضاعنا المعيشية طيلة السنين الماضية؟. ولماذا الآن بعد أن وصل قرابة ٩٥% من الشعب إلى خط الفقر المدقع إن لم نكن تحت الخط بكثير.

وهنا يمكن لصمت مجلس الشعب أن يسمى بصمت العاجزين، فلا حول لهم ولا قوة إلا بالتنديد والشعارات. وإن تنادوا لجلسة استثنائية، فلن يصل الحال بأفضل المتفائلين أن تتفتق جلستهم عن فعل حقيقي. إن لم تكن مجرد مسرحية استعراضية للتباري فيما بينهم بالخطب الرنانة. اللهم إلا إن فاجؤنا بفعل لا سابق له وإنّ غداً لناظره بقريب.

أما الصمت الأشد إزعاجاً وإهانة للشعب السوري فهو صمت الفاشلين، وهنا تتبوأ حكومتنا العتيدة المركز الأول دون أدنى منافسة. فهم وإن أكثروا من اجتماعاتهم وجولاتهم إلا أنها لم تغنِ ولم تثمر إلا عن جوع وفاقة تزداد يومياً في جنبات شعبنا.

وبالرغم من شدة القيظ والغيظ مما فعلته حكوماتنا بنا، إلا أن جماهيرنا (الغفورة) قادرة على التغاضي والتناسي عند أي خطوة صدق وثقة واحدة تقوم بها الحكومة باتجاههم.
أما هذا التعامي والتجاهل لآلامنا وأوضاعنا فلن ينتج عنه إلا المزيد والمزيد من الغضب. ولربما هنا نجد تصنيف جديد للصمت وهو صمت الغاضبين.

Exit mobile version