اقتصاد و فوبيا

أبو نواف ومقياس البيضة

علي محمود سليمان

منذ فترة قريبة كنت بزيارة لإحدى القرى وبمحض الصدفة حضرتُ نقاشاً دار بين تاجر وزبون عندما دخلت إلى دكان أبو نواف وهو رجل قارب الثمانين كما حدثني لاحقاً. وكان الجدال حامي الوطيس عندما وجه الزبون اتهامه لأبو نواف بأنه يتلاعب بالأسعار كل لحظة بحسب بورصة صرف الدولار. إلا أن جواب أبو نواف كان كافياً ليسكت الزبون الذي تحول حاله من الغضب إلى الضحك حين سمعه يقول (لا يا عمو أنا ما دخلني بسعر الصرف وتسعيرتي ع حسب البيضة وبس)!!

أبو نواف يعتمد في سياسته التجارية، على مراقبة تغيرات سعر البيضة فإن ارتفع يرفع أسعاره وإن انخفض سعر البيض يخفض أسعاره، (حالة نادرة لتاجر يخفّض الأسعار). معتبراً أن البيض هو السلعة الأكثر تحديداً لمتغيرات التسعير والتكاليف ولحجم التضخم.

يقول أبو نواف أنه كان يبيع البيضة بـ 2.5 ليرة سورية عام 2011، واليوم سعرها 1200 ليرة سورية. أي أن سعر البيضة تضاعف 480 مرة خلال 12 سنة، وهو حجم التضخم الحقيقي لجميع السلع وفق رأيه ولا يعترف بغيره!

ورغم أنّ المكتب المركزي للإحصاء ووزارة الاقتصاد قد أعلنوا سابقاً عن معدلات التضخم. إلا أن أرقامهم تعد خجولة ولطيفة جداً أمام دراسة أبو نواف. وفي حين أن حجم التضخم هو الشغل الشاغل لجميع المحللين والخبراء وباختلاف ما طرحوه.

إلا أن الجميع متفق بأن حجم التضخم في سورية بات كارثياً ووصل لحدود تجاوز فيها كل ما كان متوقعاً، وآثاره السلبية فاقت إمكانيات المواجهة لدى المواطن سواء بدخل محدود أو مفتوح فلا فرق. كون التضخم يأكل الأخضر واليابس في بلادنا، والجميع ضحايا غول التضخم.

وبما أن حديث الساعة عن ترقب زيادة للرواتب والأجور، وقد كثرت الإشاعات حول نسبتها، فهناك من بالغ في أحلامه وتصورها أن تصل لـ 300%. والبعض حافظ على واقعيته بأنها لن تزيد عن 35% كما العادة في أغلب الزيادات السابقة. فيما ذهب بعض المختصون للقول بأن الراتب يجب أن يصل لأكثر من 1.5 مليون ليرة سورية ليتناسب وحجم التضخم. وإن كنت أرى بأن الزيادة إن حدثت لن تزيد عن 50%، إلا أن هذا ليس السؤال المهم.

المهم والأهم

أن نسأل إلى متى سنبقى نلهث خلف التضخم، وإلى متى يبقى الجمود بإيجاد الحلول الجدية هو سيد الموقف بالتعامل مع آثاره المدمرة على اقتصادنا.مع العلم بأن جميع قوانين ونظريات العالم تؤكد بأننا مهما زدنا في سرعتنا فلن نلحق بالتضخم. وإن حالفنا الحظ قد نلامس غباره.

بالأمس زادت الرواتب واليوم تزيد وغداً نسأل متى الزيادة، ولكن إلى متى سنبقى على هذه الحال؟. وإلى متى نغذي التضخم بزيادة الرواتب والأجور. في حين لم نشهد أيّ إجراء فعال وحقيقي من جميع الجهات المسؤولة عن الأسعار لكبح جنونها؟.

فكما هو معروف حتى للجاهل بعلم الاقتصاد أن تخفيض الأسعار وضبطها هو الإجراء الأول والأنجح للوقوف بوجه غول التضخم. وإن لم نكن قادرين على تخفيضها فعلى الأقل أن نثبتها ولو لشهر واحد على الأقل. حيث بات حلماً لدى السوري ألا يستيقظ على أسعار جديدة.

وطالما نحن على هذه الحال فإن مقياس البيضة سيصبح قانوناً ولربما نشكر أبو نواف لأنه يقبل أن يخفض أسعاره إن انخفض سعر البيض. على عكس ما نعلمه عن غالبية تجارنا السبّاقين للرفع دائماً.

اظهر المزيد