ما بعد القمة العربية … ما المطلوب لتأهيل بيئة الاستثمار؟ … حرفوش لسينسيريا: تحديث منظومة التشريعات ومستوى الدخل والسياسة النقدية

دانا برجاس
ما بعد القمة العربية /32/ ليس كما قبلها، بالنسبة للسوريين وخاصة لناحية الآمال المعلقة على تحسين الوضع الاقتصادي والمعيشي ولكن هذه الآمال لا تكفي لوحدها وتحتاج لجهود تبذل وحراك حقيقي داخلي لتحسين إمكانية استثمار الفرص المتاحة القادمة.
وإن ما تشهده العلاقات السورية الإقليمية من تطور إيجابي بعد عقد من الصراع الذي انتهى بانتصار دمشق بحسب الدكتور المحاضر بجامعة البعث إياد حرفوش، لا بد أن يتبعه توجه اقتصادي باعتبار أن السياسة ترجمة حرفية لمفهوم المصالح التي لا تتحقق إلا على أرضية اقتصادية قوية تعكس رغبة الأطراف في تنمية علاقاتها الدولية.
بيئة جاذبة
وفي حديثه لصحيفة سينسيريا بيّن حرفوش بأنه يمكن استشراف الدور الاقتصادي الإقليمي الذي من المتوقع أن تلعبه دمشق بحكم جغرافيتها المميزة، خاصةً بعد انعقاد قمة جدة العربية، التي عكست رغبة المحيط العربي الإقليمي بعودة الاعتراف بدور دمشق التاريخي، مؤكداً بأنه لا بد من تحديد المطلوب وعلى أعلى سرعة ممكنة من أجل خلق بيئة جاذبة للاستثمار وللحراك الاقتصادي العربي في سورية، وهذا يتطلب إصلاحاً جذرياً وعملاً دؤوباً لتحقيق ذلك، ولعل أول هذه المتطلبات تحقيق مستوى نسبي من الأمن والأمان لما يشكله هذا العامل من أهمية قصوى في تبديد مخاوف الاستثمارات التي تتسم بالخوف بطبيعتها.
أما المطلب الثاني الذي يجب العمل عليه والذي بات ملحاً من أجل الإبقاء على الحياة في الدورة الاقتصادية للاقتصاد السوري، بحسب حرفوش هو تحسين مستوى دخل الأفراد، فلا يمكن الحديث عن بيئة استثمارية جاذبة في ظل تآكل القدرة الشرائية للمواطن السوري الذي يشكل العنصر الفعال في قياس مستوى الطلب على السلع الذي يشجع على الاستثمار، ويمكن تحقيق ذلك من خلال إيجاد آليات سريعة لاقتصاد اجتماعي يرتكز على تحسين مستوى الأجور من جهة وتخفيض مستوى الأسعار من جهة أخرى.
الشراكات الاقتصادية الإقليمية
أما العنصر الهام الآخر هو وضع سياسة نقدية ترتكز على استقرار في سوق القطع لفترات طويلة، فلا يمكن الحديث عن جذب الاستثمارات في ظل الوتيرة المتسارعة لتذبذب سوق القطع وسعر صرف الليرة، وما سبق لا بد أن يشكل البنية التحتية لأي سياسة اقتصادية تهدف لجذب الاستثمارات.
وبيّن حرفوش أن سورية تتمتع بمجالات شتى ترغب الدول العربية والصديقة الاستثمار بها، لعل أهمها قطاع الصناعة الزراعية والغذائية، فسورية بلد زراعي متنوع في الوقت الذي يشكل محيطه العربي سوق كبيرة بحاجة لهذه المنتجات، وهي قادرة على المنافسة فيه نظراً لانخفاض تكاليف الإنتاج الزراعي التي يجب على القطاع الحكومي دعمها بأي خطة اقتصادية.
وبالإضافة إلى قطاعي السياحة والتعليم حيث يجب التركيز على تسريع وتيرة التعافي في قطاع السياحة الذي يتميز بتنوعه بين السياحة الطبيعية والثقافية والترفيهية، وهنا نحن أحوج إلى اتفاقات تعاون إقليمي مع الجوار السوري لجعل كامل الإقليم منطقة سياحية واحدة ومتنوعة، وهذا يتطلب اتفاقات ثنائية أو جماعية مع قطاعات السياحة المجاورة.
كما يجب تحديث منظومة سمات الدخول السياحية بحيث تقدم تسهيلات من شأنها أن تشجع السياح القادمين إلى الدول المجاورة لزيارة سورية، أو تشجيع السياح بالقدوم إلى سورية والانتقال منها إلى دول الجوار سياحياً عبر التسهيلات المقدمة.
ونوه حرفوش إلى أن الجامعات السورية تشكل مراكز استقطاب وجذب للطلبة العرب وهي بدورها تحتاج إلى المزيد من الاهتمام وتطوير مخابرها ومخرجاتها التعليمية لبلوغ ذلك الهدف، وهنا لا بد من التفكير من خارج الصندوق من خلال العمل على تحقيق شراكات اقتصادية إقليمية تعزز صيغ العمل الاقتصادي المشترك.
هل نحن جاهزون؟
وعن جاهزيتنا لهذه العلاقات الاقتصادية؟ قال حرفوش في حديثه لسينسيريا: نحن بلا شك نعاني من جهوزية البلد لهذا الدفق من العلاقات الاقتصادية الإقليمية، فقبل أي شيء لا بد من تحديث منظومة التشريعات، واستبعاد كل ما هو منفّر وطارد للاستثمارات، كما نحتاج إلى ترميم سريع لجميع مفاصل البنى التحتية التي لا بد أن تشكل التربة الخصبة لازدهار وتعافي الاستثمارات الاقتصادية، خاصة وأن موقع سورية الجغرافي يرشحها لتكون طريق الترانزيت الأول في الإقليم المشرقي.
مضيفاً أننا بحاجة إلى إعادة تأهيل كامل الطرقات البرية الدولية والسياحية التي تشكل شرايين العمل الاقتصادي، وكذلك إعادة بناء وتحديث وسائل النقل السياحي وشركات نقل البضائع، وتحديث المطارات وخدمات النقل الجوي وربطها مع دول الجوار الإقليمي، والعمل سريعاً على تحديث منظومة العمل المصرفي والدفع الالكتروني وربطها مع مثيلاتها في دول المنطقة.
كما يجب إيجاد آليات ثنائية أو إقليمية للتبادل التجاري من شأنها التخفيف من الضغوط الغربية والأمريكية على هذه الدول من خلال العقوبات الاقتصادية، وهنا يمكن الاستفادة من تجارب بعض الدول كالصين وإيران وروسيا، وقد يشكل عدم القدرة الاقتصادية نتيجة ضعف الامكانات تحدياً رئيسيا يحول دون تحقيق ذلك، وهنا يمكن الاعتماد على أنظمة الاستثمار التأجيري أو التأجير التمويلي، أو نظام الاستثمار بعقود BOT مرحلياً لحين توفر الامكانات الاقتصادية.
وختم حرفوش حديثه بأن التحدي الأهم للعمل الحكومي والوطني قبل بداية تدفق الاستثمارات الأجنبية، هو إمكانية تدعيم أسس الصناعات الوطنية من خلال منحها الدعم وتقديم التسهيلات والمحفزات للعمل الاقتصادي، بحيث تكون قادرة على المنافسة، لأنها العمود الفقري لأي اقتصاد وطني.