أين تذهب أموال الحوالات الخارجية؟ … حصة المركزي زادت بعد قراراته الأخيرة … خبراء اقتصاد لسينسيريا: الاستفادة القصوى بدعم الخزينة لتمويل المستوردات

علي محمود سليمان

على مدى سنوات الحرب التي طال امدها في سورية كان للحوالات المالية التي ترد من الدول الخارجية الأثر الكبير والهام في دعم العائلات السورية لموجهة الأثار السلبية على الوضع المعيشي والاقتصادي، وكما يقال فإن “بحصة تسند جرة” فإن الحوالات كانت السند للكثير من السوريين وما تزال.
ومع تضارب الأرقام حول قيم وأحجام الحوالات ومصادرها فإن القرارات الأخيرة التي صدرت عن مصرف سورية المركزي كان لها مفعول واضح في إظهار أهمية الحوالات الخارجية للاقتصاد السوري ككل وليس فقط لدورها في إعانة عائلات المغتربين على تحمل تكاليف المعيشة المرتفعة.

ما هو حجم الحوالات؟

لا أحد خارج مصرف سورية مركزي لديه الرقم الصحيح لحجم الحوالات الواردة يومياً إلى سورية، وفق الأستاذ في كلية الاقتصاد بدمشق الدكتور عدنان سليمان، مشيراً إلى أن كل ما يتداول عن أرقام الحوالات هي مجرد تقديرات وتتراوح ما بين 7 إلى 10 ملايين دولار يومياً، حيث يتوقع أن يرتفع الرقم خلال شهر رمضان، حيث يكون لدينا وسطياً 250 مليون دولار شهرياً، أي بحصيلة ما بين 2.5 إلى 3 مليار دولار سنوياً.

الخبير الاقتصادي والمالي الدكتور علي محمد أكد بالمثل بأنه لا يوجد جهة رسمية أو إحصائية تتبنى رقم دقيق للحوالات الخارجية الواردة إلى سورية وكل ما يتم الحديث عنه هو مجرد تخمين من قبل بعض المختصين بالشأن النقدي والاقتصادي حول احجام الحوالات المالية التي ترد إلى الداخل السوري، ربما بعضها يستند إلى احصائيات كانت قديمة من جهة موثوقة رسمية أو إحصائية وهنا الحديث عن فترة قبل عام 2010.
محمد أوضح في حديثه لصحيفة سينسيريا بأنه قد يستند البعض في تقديره للحوالات إلى أعداد السوريين في الخارج وما يمكنهم تحويله من أموال، وعليه فإن الرقم المتداول يتراوح ما بين 5 إلى 7 مليون دولار يومياً، وهذا رقم وسطي، في حين قد تشهد بعض الأيام حوالات بقيمة لا تزيد عن مليون دولار، وفي بعض الأيام الأخرى يمكن أن تصل إلى 10 مليون دولار.

وهو ما يتوقع أن يرد إلى الداخل السوري خلال شهر رمضان حيث تزداد الحوالات لتصل لحوالي 10 مليون دولار يومياً، باعتبار أن الكثير من السوريين يحولون لأهلهم للمساعدة بمصاريف هذا الشهر أو لتقديم الأضاحي وللقيام بالواجبات الدينية، وهناك أيام يمكن أن يصل الرقم إلى 12 أو 13 مليون دولار وهذه أيام محدودة في العام وتتصادف دائماً مع أعياد دينية سواء مسيحية أو إسلامية كعيد الفطر والأضحى أو الميلاد والفصح ورأس السنة.

حصة المركزي من الحوالات

وحول حصة مصرف سورية المركزي من الحوالات الخارجية فأوضح الدكتور عدنان سليمان بحديثه لصحيفة سينسيريا بأن الرقم الدقيق لا يمكن حصره ولكن هي مجرد تقديرات لحصة كل من المركزي وشركات الحوالات الرسمية وحصة السوق الموازي، ولكن يمكن القول أن معظم الحوالات حالياً تذهب إلى مكاتب أو شركات الصرافة، وبالتالي تذهب بالنهاية إلى المركزي، أما السوق الموازية فحصته ضئيلة جداً حالياً لأنها تتناسب مع الفرق ما بين سعري الصرف الرسمي والموازي، فكلما تضاءل الفرق أو وصل لحوالي 5٪ تذهب معظم الحوالات لشركات الصرافة الرسمية.
أما إذا وصل الفرق إلى 10٪ فما فوق، فالأكيد أن تذهب نسبة كبيرة إلى السوق الموازية، لكن عند فرق 250 ليرة أو 500 ليرة لا أحد يتحمل مخاطر التصريف في السوق الموازية، لذلك فإن خطوة المصرف المركزي بتحريك سعر صرف الحوالات لمقاربته للسوق الموازية يومياً هي صحيحة وضرورية، رغم أنها تأخرت أكثر من عشر سنوات.

بدوره رأى الخبير المالي الدكتور علي محمد بأنه لا يمكن تحديد حصة السوق الرسمية من الحوالات، باعتبار إذا أخذنا حجم هذه الحوالات قبل صدور القرارات الأخيرة في شهر شباط الماضي والخاصة بوضع سعر الصرف للحوالات والصرافة وإمكانية التصريف عبر شركات الصرافة، فما قبل هذه القرارات كانت الحصة الأكبر تذهب للسوق الموازي، باعتبار أنه لا يمكن لها أن تصل للسوق الرسمية والمؤسسات الرسمية المرخصة.
أما بعد صدور هذه القرارات بات من الواضح أن حصة السوق الرسمية تزداد عن السوق الموازية، حيث أن الكثيرين يعتبرون بأن التحويل عبر القنوات الرسمية أكثر أماناً لهم بغض النظر عن فارق السعر الذي أصبح نوعا ما قليل وهو لا يتجاوز 200 إلى 300 ليرة عن السوق الموازية.
كما أن السوق الموازية ليست أمنة وهناك مخاوف من فقدان الحوالة أو دفع أجور مرتفعة، ولا يوجد أي ضوابط فيها، وأسلوب استلام الحوالة فيه الكثير من المخاطر من ناحية عدم إمكانية قبض العملات بالسوق الموازي نظراً لوجود مراسيم تحرم التعامل بغير الليرة السورية وكانت تتم الحوالات تحت ستار الظلام.

مصادر الحوالات الخارجية

الدكتور في كلية الاقتصاد عدنان سليمان قال: اعتقد دول الخليج تأتي بالمرتبة الأولى تليها الدول الأوروبية، وذلك بحكم التأثيرات السلبية لانتشار فيروس كورونا ثم الحرب الروسية الأوكرانية على أوروبا لجهة التضخم الأمر الذي يؤثر نسبيا على المداخيل الشهرية للمقيمين في الخارج وبالتالي تقليص حجم التحويلات.

فيما أشار محمد إلى أنه يمكن تتبع مصادر الحوالات من خلال معرفة انتشار الجاليات السورية في العالم ومن خلال الدول التي تتواجد فيها العمالة السورية النشطة في الخارج، وبناء عليه تصنيف دول الخليج بأن لها النصيب الأكبر من الحوالات ما قبل 2010 وحتى الآن، ولكن مع ازدياد في حصة الدول الأوروبية وألمانيا كمثال زاد حجم الحوالات الواردة منها مع تواجد كبير للسوريين فيها وبالمثل لباقي الدول في أوروبا.

أين تذهب الحوالات؟

الدكتور عدنان سليمان يرى بأن أكثر من 90٪ من الحوالات هي فردية أي عائلية وتتراوح بين 100 إلى 300 يورو وفي كل الأحوال أقل من ألف يورو، وبالتالي هي للاستهلاك اليومي وليست للادخار، وربما يتيح التجميد المؤقت للعقوبات الغربية ولقانون قيصر إمكانية زيادة الحوالات المالية بشكل نسبي ولكنها تظل أقل من 5 آلاف دولار وهي محدودة ومؤقتة ولكنها تحدث فرقاً
يوافقه الرأي الخبير المالي الدكتور علي محمد حيث أن تدني مؤشرات التنمية والنمو الاقتصادي وازدياد معدلات الفقر جعلت نسبة هامة من الحوالات تذهب لعائلات المغتربين، لمساعدتهم في مواجهة الغلاء المعيشي لاسيما بأن مستوى الأسعار في تصاعد دائم مع انخفاض القدرة الشرائية
وأضاف محمد بأن هناك تقديرات بتوجه نسبة من الحوالات للاستثمار في الشق العقاري، بالرغم من كل ما يقال عن الركود بالسوق العقاري، ولكن بالنظر للحوالات خلال 12 عام مضت، فإن هناك قسم منها كان يذهب لشراء العقارات وخاصة في الفترة التي كانت العقارات رخيصة نسبياً، وكان المغترب قادر على الشراء.
وبالرغم من ارتفاع أسعار العقارات وانخفاض سعر صرف الليرة السورية بشكل كبير إلا أن ارتفاع أسعار العقارات لم يوازي انخفاض الليرة السورية، وبالتالي كان المغترب يستفيد من فارق سعر الصرف لشراء العقارات رغم ارتفاع أسعارها.

أما التوجه للاستثمارات فهو بنسبة ضئيلة لأن الواقع السوري لا يشجع على إقامة الاستثمارات نتيجة ظروف الحرب ولغاية اليوم وبعد عدة سنوات على الهدوء الأمني ما يزال بعض التجار وأصحاب الأموال يحجمون عن الاستثمار فما بالنا مع المغترب السوري.

الاستفادة من الحوالات

وحول إمكانية الاستفادة من أموال الحوالات لتحسين الواقع الاقتصادي تحدث الدكتور سليمان بأن الاستفادة الأساسية تكمن في زيادة حجم الاحتياطي النقدي من العملات الصعبة لدى المصرف المركزي، وهي حصيلة مهمة جداً ليتم تمويل المستوردات الضرورية، حتى أن قائمة ما يموله المركزي من السلع قد توسعت بعد صدور قرارات توحيد سعر الصرف للحوالات.
أما التأثير الثاني المفروض حدوثه فهو أن تحريك سعر الحوالات أو تحريره يجب أن يؤدي إلى استقرار سعر الصرف في السوق الموازية، لكن المشكلة بأن سعر الصرف لليوم لا يزال يتحرك صعوداً وذلك بسبب أن الليرة لا تزال تخضع لتقييم رسمي بأكثر من قيمتها، وبسبب التغيرات الكبيرة على النمو والناتج المحلي بعد الزلزال، بالإضافة إلى أن الانهيار المالي لليرة اللبنانية انعكس سلباً، وهذه كلها عوامل لا تدفع لاستقرار سعر صرف الليرة السورية.

من جانبه أشار الدكتور علي محمد في حديثه لصحيفة سينسيريا إلى أن خطة مصرف سورية المركزي هي استقطاب المزيد من الحوالات إلى الداخل السوري وهذا الاستقطاب قد يساعد في الحفاظ على هذه الحصيلة وبالتالي القيام بتمويل المستورات، وهنا نتكلم عن حصيلة قد تصل إلى 2.5 مليار دولار سنوياً، وهو مبلغ لا بأس به وقادر أن يغطي نسبة تصل ما بين 60 إلى 70 % من مستوردات سورية من السلع التي تقدر بحوالي 4 مليار يورو، وقد تكون هذه الاستفادة القصوى في حال تم استقطاب كافة الحوالات المقدرة.

Exit mobile version