أرقام سورية

التنبؤ عن طريق حركة الكواكب شعوذة علمية … باحث جيولوجي لسنسيريا: الهزات الارتدادية تستمر بين الشهر والسنة … سورية في حزمة تحوي 10% من الطاقة الزلزالية

ابراهيم مخلص الجهني

أثارت التنبؤات المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي بحدوث زلزال جدلاً كبيراً في الأوساط العلمية فالبعض قال إن هذه التوقعات لا تستند إلى أدلة علمية والبعض الأخر أخذ موقف دفاع عن هذه التنبؤات.

وللحديث عن الموضوع بشكل أوسع تواصلت صحيفة سنسيريا مع الباحث الأكاديمي الدكتور محمد رقية حيث أكد أن بعض الباحثين يتحدثون عن تأثير الجاذبية الكوكبية كقوى تجاذب الشمس والقمر في المساهمة في حدوث الزلازل ويقولون بأن القوى المؤثرة للزلازل من الناحية الفلكية يكون مصدرها كواكب الزهرة والمشتري والمريخ وزحل وهذه الكواكب لها دورات تتلاقى فيها مع الأرض وهو ما يطلق عليه الاقتران بالنسبة للكواكب الداخلية مثل عطارد والزهرة أو الاستقبال بالنسبة للكواكب الخارجية مثل المريخ والمشتري وزحل ويقولون بأنه عند الاقتران والاستقبالات الكوكبية النظرية تحدث زلازل قوية في أيام اختفاء القمر وعندما يكون بدراً.

شعوذة علمية

مشيراً إلى أن هذا الأمر غير صحيح لأن التأثير الجاذبي لهذه الكواكب ضعيف جداً ولا يؤثر على الجزء الصخري من الأرض، وأقوى جاذبية هي جاذبية القمر والشمس والتي تؤدي إلى ظواهر المد والجزر في البحار والمحيطات كما أن هذا التأثير يكون على مستوى الكرة الأرضية ككل وليس في منطقة محددة فيها، كما أن الاقتران يكون ظاهري بالنسبة للمراقب على الأرض، أي انه غير حقيقي في الواقع، لذلك كل ما قاله فرانك الهولندي وصاحبه العراقي لا يؤخذ به علمياً ويدخل في إطار الشعوذة العلمية.

التحرر اللحظي

وحول السبب الرئيسي للزلازل أشار الباحث إلى إن اكثر من 95% من الزلازل التي تحدث على سطح الأرض أسبابها تكتونية، ويرتبط هذا النوع من الهزات مع التحرر السريع لطاقة الإجهاد المختزنة في الأعماق، والتي تظهر عند الحركات التكتونية لبلوكات معينة من الليتوسفير، وتسهل قوة الاحتكاك إلى حد ما، منوهاً أن هذه الحركات تساعد على تراكم الإجهاد و الضغوط وعندما تزيد قوة الحركات الانزياحية عن قوة الاحتكاك يأتي التحرر اللحظي لهذه الضغوط الكامنة ويترافق ذلك بالأمواج السيسمية التي تسبب الهزات والزلازل وهذا النوع من الهزات هو الأعمق حيث يصل إلى عدة مئات الكيلومترات وترتبط الهزات العميقة بحركة المهل وتيارات الحمل في المعطف العلوي .

مناطق محددة

مضيفاً أنه إذا نظرنا إلى مواقع هذه الزلازل على خارطة الأرض فإننا نجد أنها تتركز في مناطق محددة من الكرة الأرضية وتشكل عدة أحزمة تنتشر فيها البراكين أيضاً أهمها:

• حزام المحيط الهادي والمعروف بحزام النار الذي يحيط بكل السواحل الشرقية والغربية لهذا المحيط والذي يطلق أكثر من 70% من الطاقة الزلزالية في العالم وهو مؤلف من نطاقين: يوجد الأول على حواف القارات والجزر القوسية حيث يحف بقارتي أمريكا الشمالية والجنوبية من الغرب ويمر على طول الساحل الشرقي لهذا المحيط من جزر اليونان في الشمال وحتى اندونيسيا في الجنوب ماراً بقوس جزر اليابان والفلبين وتايوان وجزر الكوريل وكامتشاكا الروسية وغيرها ويوجد النطاق الثاني ضمن الهضاب المحيطية والفوالق العميقة في قلب المحيط.
• حزام البحر المتوسط واندونيسيا ويبدأ من جزر الأزر في المحيط الأطلسي ويعبر البحر المتوسط ماراً بتركيا وإيران والقفقاز وجبال الهيميلايا وبورما واندونيسيا وغينيا الجديدة حيث يلتقي مع حزام المحيط الهادي ويحدث فيه أكثر من 15% من الزلازل.
• حزام البحر الأحمر والانهدام العربي الذي يمتد من شرق إفريقيا ويتجه نحو الشمال عبر البحر الأحمر ثم خليج العقبة والبحر الميت وبحرة طبريا والبقاع اللبناني ويعبر سورية في منطقة البقيعة باتجاه الشمال نحو قرية البطار ومصياف وانهدام الغاب حتى تركيا وهناك فرع آخر يمتد إلى آسيا الوسطي وما وراء البايكال، ويحوي 10% من الطاقة الزلزالية.
• هناك بعض الأحزمة الثانوية مثل حزام الأطلسي والجزء الغربي من المحيط الهندي والتي يحدث فيها حوالي 5% من الزلازل.

حدود

وبين الباحث أن سبب تركز الزلازل في هذه الأحزمة يعود إلى أنها تقع عند حدود الصفائح التكتونية، التي تكون إما متقاربة او متباعدة أو متحركة أفقياً وتغير مواقعها النسبية .ويحدث ثلاثة أرباع الزلازل عند حدود الصفائح المتقاربة أو المتصادمة، ويؤدي تصادم الصفائح القارية الى تشكل الجبال العالية كجبال الهيمالايا وغيرها، مبيناً أنه عند تصادم صفحتين قاريتين كالصفيحة العربية وتحت الصفيحة الأناضولية يكون عمق بؤرة الزلزال أقل من 30 كم وهذا مالاحظناه في الزلازل التي حدثت في تركيا

التنبؤ بالزلزال

وفيما يخص التنبؤات قال رقية: أن التنبؤ بالزلازل يشمل معرفة ثلاثة مسائل أساسية والتي يعود تفسيرها إلى حل هذه المعضلة وهي:
• أين تقع الهزة أو الزلزال، أي في أي منطقة وفي أي نقطة من سطح الأرض بحدث.
• ما هي الشدة المتوقعة للهزة أو الزلزال المفترض المقبل.
• متى تحدث الهزة أو الزلزال.

موضحاً إن الإجابة على المسألتين الأولى والثانية فأنه يمكن الحصول عليها من خرائط التكتونيك الحديث والخرائط الزلزالية التي توضع لمناطق الدراسة والتي تضع في أساسها تقسيم المناطق النشطة زلزالياً وتمييزها وفق شدة الزلزال المتوقع لكل منطقة ويشمل وضع هذه الخرائط التحليل الدقيق لتواتر الهزات السابقة أو التاريخية ووضع مراكزها السطحية والعميقة مع الدراسة التفصيلية لخصائص البنيات الجيولوجية للمناطق السيسمية والتكتونيك الحديث فيها، مضيفاً أن نتيجة هذه التحاليل والدراسات تظهر في وضع الخريطة الزلزالية للمناطق المدروسة وإن وضع الخرائط الزلزالية للبلاد والمعيار الزلزالي يعتبر مسألة اقتصادية واجتماعية هامة جداً، لأن مثل هذه الخرائط تسمح بحساب الخصائص السيسمية لمناطق البلاد وذلك عند التخطيط لبناء المدن الجديدة والخطوط الحديدية والسدود والمحطات الكهرمائية والمشافي ومراكز الاطفاء والاتصالات وغيرها من المنشآت الاقتصادية والتي تبنى بحيث تحتمل قدرة الزلازل التي تحدث في منطقة المنشأة.

أما فيما يتعلق بالمسألة الثالثة وهي متى تحدث الهزة أو الزلزال؟ فإن هذه المسألة لم تحل بشكل نهائي حتى وقتنا الحالي، أي لا يستطيع أحد أن يتنبأ بالزلزال ولا يستطيع أحد الادعاء بذلك، بالرغم من أن الأبحاث تتم في عدة اتجاهات متشعبة فضائية وأرضية حيث أن الزلزال لا يحدث بالصدفة وإنما لكل هزة أو زلزال قبل حدوثها مؤشرات وعوامل تحضيرية لها وإن الموضوع يتلخص بمعرفة أو إيجاد طرق كشف مثل هذه المقدمات أو المؤشرات والتي من خلالها يمكن معرفة موعد الزلزال الذي سيحدث، مؤكداً أنه لا يمكن التنبؤ عن طريق حركة الكواكب إطلاقاً مهما ادعى البعض وحاول أن يوهم الناس.

الهزات الارتدادية

 

أما عن الهزات الارتدادية أوضح رقية أن الهزات الارتدادية تأخذ وقتاً مختلفاً ويعتمد على شدة الزلزال الأساسي من جهة وعلى البنية الجيولوجية والتكتونية والصخرية للمنطقة من جهة أخرى، وتأخذ وقتاً يتراوح بين الشهر والسنة، فالهزات الارتدادية التي حدثت بعد زلزال عام 1759، الذي ضرب دمشق استمرت سبعة أشهر

ثروات باطنية

وبالنسبة للتأثير على الثروات الباطنية قال رقية أن الزلازل بشكل عام يمكن أن تؤدي إلى ظهور ينابيع جديدة أو اختفاء الموجودة ويمكن أن تشكل بحيرات مائية ومخاريط طينية كالتي ظهرت بعد زلزال ٦ شباط في تركيا ويمكن أن تظهر بعض الأنهار الجوفية وتختفي أجزاء من أنهار موجودة، كما أن الزلازل يمكن أن تسبب في تخريب بعض الآبار النفطية أو المائية، ويمكن أن تؤدي إلى انهيار بعض مناجم الثروات المعدنية، كما تظهر طبقات صخرية غير متكشفة سابقاً تفيد في الدراسات الجيولوجية والتعدينية والزلزالية.

واختتم الخبير حديثه لصحيفة سنسيريا أن الثروات الباطنية بشكل عام تكون معروفة أماكنها من خلال الخرائط الجيولوجية والخرائط المعدنية وعمليات البحث والتنقيب الجيولوجي، ولكن إعادة الكشف عن المناطق المنكوبة ودراستها ضرورية جداً لمعرفة ماذا أصاب المنطقة من تشوهات، وكيف تأثرت الطبقات الصخرية أو الترب والمنشآت المختلفة، وذلك لتقييم تأثير الزلزال بشكل دقيق والاستفادة من هذه الدراسات في اكتشاف الظواهر الجديدة وفي تحديد امكانية إشادة البناء فيها مجدداً أم لا من جهة، وتحديد المعايير اللازمة لإشادة الأبنية والمنشآت فيها من جهة أخرى.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى