كيف يمكن فصل تأثير سوق القطع الأجنبي عن سوق السلع والخدمات..؟
سينسيريا ـ وسيم وليد إبراهيم:
لاشك أن ارتفاع سعر صرف أو انخفاض قيمة الليرة كان له أثر على سوق السلع تمثل بارتفاع أسعارها، ولكن هل حقا من الممكن وضع حواجز تعمل على إعاقة انتقال وتضخم الموجات الاهتزازية لسعر الصرف على سوق السلع والخدمات عن طريق تأمين هذه السلع والخدمات بسعر أقل بحيث يرغم أسعارها على الانخفاض؟، بمعنى هل يمكن فصل سوق القطع الأجنبي عن سوق السلع والخدمات عبر تدخل حكومي في سوق السلع ودعمها لمنع ارتفاع أسعارها وتأثرها بسعر الصرف؟..
الباركود لتحديد تاريخ استيراد السلع..
الباحث الاقتصادي الدكتور عمار يوسف قال في هذا الخصوص لـ”سينسيريا”، أن عملية فصل سعر الصرف عن أسعار السلع في الأسواق المحلية تحتاج إلى وضع باركود صغير على كل سلعة يتم استيرادها أو إنتاجها محليا، بحيث يتضمن الرقم المسجل على هذا الباركود تاريخ استيراد أو إنتاج المنتج وسعر الصرف الذي تم تصنعيه أو استيراده وتكاليف الإنتاج كلها، “مواد أولية وأجور عمال وحوامل طاقة ونقل وغيرها وهامش الربح المحدد”، ومن ثم وضع التسعيرة النهائية على الباركود مع تشديد العقوبة على عدم شطب السعر المسجل على السلعة، وبهذه الطريقة نستطيع أن نضمن بيع السلعة نفسها في جميع أنحاء سورية بنفس السعر، وعدم تأثره بأسعار الصرف المتقلبة أو في حال تقلبت.
كما أن عملية فصل سعر الصرف عن أسعار السوق المحلية تحتاج إلى تحريك العجلة الإنتاجية المحلية، وخاصة تفعيل عملية نقل المنشآت الصناعية من المناطق الساخنة إلى المناطق الآمنة، كاشفا أنه إلى هذا التاريخ لم يتم نقل أي منشأة وتم تعطيل طلبات النقل وخاصة في محافظة طرطوس، فالمنشآت الصناعية القادمة من حلب لم تدخل إلى الآن طرطوس، على الرغم من أن عملية نقل المنشآت إلى المناطق القريبة من البحر والموانئ تكسبها ميزة كبيرة لأنها قريبة من مصدر موادها الأولية وتوفر عليها تكاليف النقل وتسهل عملية الاستيراد والتصدير، متسائلا عن سبب عدم نقل هذه المنشآت، مؤكدا على أنه لو تم نقلها لكان هناك إنتاج خلال هذه الفترة ولكانت الأسعار انخفضت وأمنت الكثير من فرص العمل للمهجرين.
وكشف يوسف أن جميع السلع المستوردة في الأسواق المحلية تم استيرادها بناء على سعر صرف معين للدولار، مؤكدا على أن التجار لم يستوردا أي شيء منذ فترة عام ونصف وأن المواد الغذائية التي تم استيرادها هي من قبل الحكومة للاستفادة من الأموال المجمدة في الخارج أو عن طريق بعض التجار ولكن بسعر مدعوم وهي قليلة جدا وتشمل عدد محدود من المواد الغذائية.
وأشار إلى أن ما يؤكد ذلك هو ما يجري في الأسواق أيضا، حيث يتم رفع أسعار المواد الغذائية بسرعة كبيرة في حال ارتفع سعر الصرف، في حين أن أي شحنة ستأتي عن طريق البر أو البحر تحتاج إلى شهرين على الأقل للوصول إلى المرافئ أو المنافذ الحدودية، أي أن سعر الصرف في هذه الفترة لن يطول الشحنات التي لم تصل بعد إلى سورية، بل طال المواد الموجودة سابقا “منذ عام ونصف” في المستودعات، مع العلم أن جميع الحلقات التجارية مشاركة في رفع الأسعار حتى المستهلك نفسه، لأنه لا يبادر إلى الشكاوى.
يعانون من سوء التغذية
وأكد أن ما نشهده من ارتفاع أسعار هو وهمي من حيث التكلفة ولكن حقيقي بالنسبة للمستهلك، لأنه يستنزف دخله ومدخراته أيضا لافتا إلى أن دراسة قام بها بينت أن عائلة مكونة من 5 أفراد تحتاج إلى 150 ألف ليرة لكي تستطيع أن تعيش وفق مقياس السعرات الحرارية الدولية، مؤكدا على أن المبلغ السابق لا يشمل اللباس أو بدل الإيجار أو التنقل والمرض وغيره.
كما أوضح أن 16% من الأطفال في سورية يعانون من فقر الدم وسوء التغذية نتيجة ارتفاع الأسعار في حين كانت سورية من أقل دول العالم إصابة بأمراض سوء التغذية.
يمكن نظرياً..!!
مصدر في وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية فضل عدم ذكر اسمه أوضح في تصريحه لـ”سينسيريا”، أن فصل تأثير سوق القطع عن سوق السلع والخدمات يمكن نظريا ولكن عمليا صعب، فعندما نأتي بمواد أولية فسوف يتم تسعيرها بناء على سعر الصرف الذي تم استيرادها عليه، وبالتالي سيؤثر على المنتج والخدمة.
ولفت إلى أنه لا يمكن أن يحدث فصل بين السوقين في حال تم تحريك العجلة الإنتاج المحلية، إلا في حال دعم المنتج المحلي من قبل الحكومة سواء من إعفاء الرسوم وتخفيض الجمرك على المواد الأولية الداخلة في صناعة المنتجات المحلية فمجموع العوامل السابقة يمكن من خلالها تخفيف تأثير سعر الصرف على المنتج النهائي، أما في حال كانت المادة الأولية منتجة محليا وغير مستوردة فإنها بطبيعة الحال لن تتأثر بسعر الصرف.
فصل السوقين لا يمكن..!!
الخبير الاقتصادي نضال طالب أوضح أن المقصود من عملية فصل سوق القطع عن سوق الخدمات والسلع هو تخفيف أثر القطع الأجنبي على أسعار السلع والخدمات، فلا يمكن فصل السوقين عن بعضهما، مشيرا إلى أن هذه المقولة تعتبر قديمة ولكن بتسمية جديدة، حيث يقصد بها تخفيف أثر تقلب سعر الصرف على السلع والخدمات من خلال العودة إلى تدخل الدولة في السلع والخدمات المقدمة في الأسواق وبشكل كبير.
ولفت طالب إلى أن هذه العملية تحتاج إلى خطة مدروسة ويحتاج الأمر إلى دعم الحكومة وتخفيف أثر تغيرات سعر الصرف على السلع ،وذلك من خلال خلق منافسة في السوق وكسر أسعار القطاع الخاص وهو أمر صعب جدا بل شبه مستحيل، لأن وزارة التجارة الداخلية لم تستطع ضبط عدد قليل من السلع الخاضعة لها أو تسيطر عليها وتراقب توزيعها على مؤسسات التدخل الإيجابي، حيث يوجد استغلال في هذه الصالات وتجري عمليات متاجرة بالمواد المدعومة، وبالتالي يذهب الدعم للتاجر وليس للمواطن، مع التأكيد على أنه في حال عدم قدرة الوزارة على ضبط ومراقبة عملية توزيع المواد المدعومة على المواطنين، يشكل خسارة كبيرة للخزينة العامة لأن أموال الدعم هي من أموال الخزينة.
وأكد الخبير الاقتصادي على أهمية أن يكون التركيز على ما بعد مرحلة توزيع السلع على مؤسسات التدخل الإيجابي، بحيث تأخذ مسارها الصحيح لخلق جو من المنافسة مع القطاع الخاص، وبالتالي خفض الأسعار وتقليل أثر سعر الصرف على أسعار المواد الغذائية، ولكن إلى الآن لا يوجد آلية صحيحة للمراقبة ولا يوجد مراقبين لهذا الأمر.
وعن تفعيل الإنتاج المحلي قال طالب: “بالطبع تشجيع الإنتاج المحلي يقلل من أثر سعر الصرف على المنتجات، ولكن هل يوجد قدرة على رفع وتيرة العملية الإنتاجية المحلية؟. فهو أمر صعب جدا ضمن الواقع الحالي بسبب الظروف الأمنية، ومن المعروف أن الصناعة تحتاج إلى استقرار ومحفزات وهذه العوامل غير متوفرة حاليا، لذا فإن الدور التدخلي للحكومة يجب أن يكون تجاريا وليس صناعيا في الوقت الحالي، لأن المهم حاليا هو تأمين المادة في الأسواق وإداراتها بشكل صحيح”.
على الحكومة أن تتخلص من عقلية التاجر
عضو في غرفة تجارة دمشق فضل عدم ذكر اسمه قال: “أن فصل تأثير سوق القطع عن سوق السلع والخدمات يختلف من سلعة لأخرى من حيث كانت منتجة محليا أو مستوردة أو نصف مصنعة، مشيرا إلى أنه حتى لو كانت السلعة منتجة محليا لا يمكن فصل تأثير سوق القطع عنها، لأن هناك العديد من العناصر المحلية تدخل في تكلفة الإنتاج مثل الأجور وعمليات النقل وارتفاع أسعار المازوت والكهرباء وو…وغيرها الكثير، أي السلع المنتجة محليا تأثرت بالدولار سواء من بعيد أو قريب، ويمكن في حال تم دعم الحكومة لمدخلات الإنتاج أن تخفف من أثار ذلك على أسعار السلع والخدمات”.
وأكد التاجر على أهمية تحريك العجلة الإنتاجية المحلية وتفعيل نقل المنشآت إلى المناطق الآمنة، فيجب أن يكون هناك إنتاج منذ عام ونصف، ولكن هذا لم يحدث وهناك أمور كثيرة وراء عدم تفعيل نقل المنشآت ترتبط أغلبها بعدم توفر عنصر الآمان، وأن تدخل الحكومة أمر جيد ولكن لن تستطيع أن تنافس القطاع الخاص، لذا من الضروري أن يكون هناك شفافية بين الحكومة وقطاع الأعمال لأننا في مركب واحد فيجب أن يستمر المركب في السير.
ولفت إلى أهمية أن تتخلص الحكومة من عقلية التاجر أو أن تكون رابحة بأي إجراء تقوم به، فيجب أن يكون تفكير الحكومة مرن، وأن تعمل على توفير السلع والخدمات بغض النظر عن تحقيق الربح، فالمهم اليوم هو توفير السلع والخدمات وليس تحقيق أرباح.
وهنا لا بد من التأكيد على أهمية أن تقوم الحكومة بخطوة تدخلية في عرض السلع والخدمات ودعمها وتحديد سعرها أو تخفيض سعر دولار استيرادها للتخفيف من حدة تأثير سوق القطع على سوق السلع والخدمات.