دراسات و تحقيقات

مئات ملايين الليرات تـذهب من حقوق الخزينة إلى حسابات المكلفين في اجتماع أشبه بـمـزاد علني!

دمشق ـ سينسيريا:

في أواخر عام 2015 وقعت وزارة المالية بالشراكة مع وزارة السياحة محاضر اتفاق مع أصحاب المنشآت السياحية المتهربين من تسديد رسم الإنفاق الاستهلاكي وباعتراف الوزارتين، وكمكافأة على تهربهم منحتهم الاتفاقات امتيازات فُصلت على مزاجهم تشجيعاً لهم على الوفاء بالتزاماتهم الضريبية لم يحلم بها المكلفون الملتزمون بتسديد ضرائبهم للخزينة، تحت ذريعة الأزمة والحرب والحد من التهرب الضريبي وغيرها من الأسباب والمبررات الأخرى، ولكن ما يثير التساؤل بتلك الاتفاقات هو كيف ظهرت وما مستندها القانوني وكيف أدارتها وزارة المالية ولمصلحة من..؟

من المعروف أن الكثير من المنشآت تتهرب من تسديد رسم الإنفاق الاستهلاكي، وأصبح التهرب يؤثر بشكل سلبي في موارد الخزينة، ومن أجل الحد من تهرب المنشآت وخاصة بعد أن تركت الأزمة آثارها على جميع القطاعات الاقتصادية، اتجهت وزارة المالية إلى تعديل المرسوم /61/ لعام 2004 ليتم الإعلان بتاريخ 28/1/2015 عن ولادة المرسوم /11/ برسوم مخفضة عن الرسوم التي كان معمولاً بها من قبل، أي بما يتناسب مع الواقع الاقتصادي الحالي وكنوع من تخفيف الأعباء عن أصحاب المنشآت السياحية الخاضعة لتسديد الرسم.

لكن المفاجأة لم تكن مطابقة لحسابات وزارة المالية، إذ بعد تسعة أشهر من تنفيذ المرسوم وبالتزامن مع إعادة هيكلة دائرة /الإنفاق الاستهلاكي/ في مالية دمشق وبالتحديد بعد منتصف عام 2015، بدأ مراقبو الدائرة ينفذون أحكام المرسوم الجديد بروح من المصداقية، ليكتشفوا أن حجم الأعمال الحقيقية لمبيعات وخدمات المنشآت الخاضعة للرسم الوارد في المرسوم 61 غير مطابقة للبيانات الشهرية المصرح عنها من قبل الأغلبية العظمى لأصحاب تلك المنشآت، فنظموا عشرات الضبوط واكتشفوا أعمال تهرب بمئات ملايين الليرات عن فترات سابقة لصدور المرسوم /11/ تعود لأربع سنوات نظمت بها ضبوط لم تتجاوز قيمتها 66 مليون ليرة فقط، ما يعني أن تهرب تلك المنشآت كان واقعاً قبل حدوث الأزمة تثبته قيمة الضبوط التي نظمتها الدائرة الحالية خلال عام وبلغت حوالي 5 مليارات ليرة وكنا أشرنا إليه في مادة صحفية سابقة.

حماية التهرب

ودفعت الضبوط المذكورة المكلفين المتهربين إلى البحث عن طريقة أخرى تحمي تهربهم من تسديد الرسم وإيداعه في حساباتهم الخاصة بعد تحصيله من المواطنين وحرمان الخزينة من عوائده الكبيرة، فمارسوا ضغطهم المستمر على وزارتي المالية والسياحة تحت ذرائع مختلفة منها ارتفاع التكاليف والأسعار وأعباء الأزمة التي تهدد بتوقفهم عن العمل، إلى أن استجابت الوزارتان لمطالبهم وهما تعلمان بتهرب هؤلاء المكلفين من تسديد رسم الإنفاق حسب تسجيلات خاصة حصلت عليها «تشرين»، وبدأتا البحث عن طريقة تساعدهم على تسديد جزء بسيط من رسم الإنفاق وغض النظر عن الجزء الأكبر بطرق مخالفة عبر سلسلة من الاجتماعات أدارها معاون وزير المالية لشؤون الإيراد العام جمال المدلجي، وتوصلوا حينها إلى ما يسمى محاضر اتفاق مخالفة لأحكام المرسوم /11/ لعام 2015 ولجميع التشريعات الضريبية، ومن ثم تبعتها مخالفات أخرى جسيمة موثقة بالمستندات التي حصلت «تشرين» على نسخ منها أيضاً

لرفع الأسعار

البداية مع أحد التسجيلات الموثقة التي في حوزة «تشرين» التي تثير الاستغراب وتضع علامات استفهام كثيرة على مجريات اجتماع معاون الوزير مع أصحاب المنشآت السياحية في مرحلة البدء بتوقيع الاتفاقات الذي يحاول فيه إقناع أصحاب المنشآت بالتوقيع مع وزارة المالية، وإن تلك الاتفاقات تضمن لصاحب المنشأة حرية القيام بأي شيء من دون رقيب عليه، وخاصة عندما قال لأحد الحضور: «إذا مو عاجبك سكر.. أنا مو فارقة معي، ويعود للقول أنا كمؤسسة مالية لن أكون سعيداً إذا أغلقت، وفي عبارة أخرى يشجع أصحاب المنشآت على رفع الأسعار بقوله: أنا أتمنى أن تبيعوا طبق البيتزا بـ 5000 ليرة في حال كان هناك ناس عالمحل، وإذا أردت أن تتطور، فنحن نريدك أن تتطور»، ونحن نسأل: هل دفع المنشآت إلى تسديد حقوق الخزينة يأتي بهذه الطريقة وعلى حساب المواطن الذي يحصل منه رسم الإنفاق، ولاسيما أن وزير السياحة أكد أنه بموجب الاتفاقات سيبقى أصحاب المنشآت ملتزمين بالأسعار التي تصدرها الوزارة، كيف ذلك وهناك من يشجع على رفع الأسعار ويتمنى ذلك…؟
توقيع تحت طائلة..؟

أما الأمر الآخر الذي يكشفه التسجيل فهو محاولة معاون الوزير إقناع أصحاب المنشآت بتوقيع الاتفاقات تحت طائلة تزويد مراقب المالية بجميع البيانات التي في حوزته التي تثبت تهرب هذا المكلف أو ذاك، وخاصة في الجزء من التسجيل الذي يسأل فيه معاون الوزير عن المؤيدين للاتفاقات والراغبين بالبقاء وفق نظام عمل المراقب المالي، فكانت المفاجأة أن أحد أصحاب المنشآت رفض وبشدة الاتفاقات وقال: «أنا أريد المراقب المالي، ويرد عليه معاون الوزير بقوله: «لتعلم أنني سأزود المراقب بكل المعلومات التي في حوزتي، والمالية تعلم بكل الأساليب التي يتبعها المكلفون للتهرب»، وبما أن معاون الوزير هو المشرف المسؤول عن عمل مديرية الاستعلام الضريبي فلماذا لم يزود عناصر المديرية بما لديه من معلومات، ولماذا لم يقم الاستعلام بواجبه بضبط تلك المنشآت، حتى تصل المالية إلى هذه المرحلة من المفاوضة على حقوق الخزينة التي يعد المساس بها من الكبائر الاقتصادية، ولاسيما أن التهرب الضريبي بحكم كل القوانين هو جريمة اقتصادية منح المشرع السوري الحق بمكافحته بموجب القانون /25/ لعام 2003، فأين كان الاستعلام الضريبي وقت حصول هذا الحجم الهائل من التهرب، ولاسيما أن معاون الوزير اعترف في التسجيل بأن توقيع محاضر الاتفاق تعفي كل مكلف من تهرب نسبته 50% من أعماله، مع العلم أن نسبة تهرب كل مكلف تصل إلى 90% وفق ما جاء في التسجيل، أي بقيت نسبة 40%، فهل يسامح بها المكلف إذا وقع محضر اتفاق..؟

إن الإجابة عن السؤال السابق تؤكدها الجداول التي حصلت عليها «تشرين» وتبين المنشآت التي وقعت محاضر الاتفاقات وهي من كبرى المنشآت السياحية ويبلغ عددها 82 منشأة، يدل فرق الضريبة والرسم بموجب محاضر الاتفاق التي وقعها أصحابها عن الضريبة والرسم المحتسب على أساس البيان الشهري المقدم من قبلهم على أن هذا الفارق لا يعد إنجازاً حققته محاضر الاتفاق في الحد من التهرب الضريبي، بل هو اعتراف واضح من قبل المكلفين بتهربهم من تسديد رسم الإنفاق الاستهلاكي طوال الفترات السابقة والصمت المريب للاستعلام الضريبي عن ذلك التهرب، وليس كما أكدت عليه وزارة السياحة أيضاً بأنها تحد من التهرب الضريبي، فحديث معاون الوزير في الاجتماع المسجل وخاصة عندما قال: «لو كنت مكان أحدكم وأعمل بطريقة صحيحة لما قبلت بهذه الاتفاقات» هذا إن دل فإنه يدل على تشجيع أصحاب المنشآت على الاستمرار بالتهرب والقبول باتفاقات تحفظ لهم جزءاً من تهربهم، أليس هذا اعترافاً واضحاً من مسؤول في وزارة المالية بوجود تهرب تعلم الدوائر المالية المختصة بمكامنه وتحميه بصمتها..!!؟

تساعد على التهرب

ومن جهة أخرى، إن تلك الاتفاقات منحت المكلفين الموقعين فرصة لا تعوض في تحقيق قيم أعمال هائلة لن تخضع للضريبة أو الرسم، فمعاون الوزير شجع تلك المنشآت على الدخول في اتفاقات لا سلطة لأي قانون عليها ولا حتى لمراقب، إذ يوضح التسجيل قوله في هذا المكان: «بموجب الاتفاق لن يدخل أي مراقب مالي إلى المنشآت التي ستوقع على محضر الاتفاق»، وبالفعل لقد ترجم معاون الوزير هذه الميزة إلى كتاب خطي حصلت «تشرين» على نسخة منه يحمل الرقم /16874/1/24 كان قد وجهه بالتفويض عن وزير المالية السابق إلى قسم الاستعلام الضريبي وقسم الواردات «دائرة الإنفاق الاستهلاكي» في مديرية مالية دمشق يحظر على تلك الأقسام الدخول إلى مجموعة من المطاعم وعددها خمسة من كبرى المطاعم في دمشق من دون أي صلاحيات بهذا الأمر، مستنداً بذلك إلى الاتفاق المبرم مع تلك المنشآت منهياً كتابه بعبارة «تحت طائلة المسؤولية»، مع الإشارة إلى أن محاضر الاتفاق اعتمدت رقم عمل شهري ثابت وهو قابل للارتفاع أكثر منه للهبوط، وتالياً فإن قيمة الأعمال التي يحققها المكلف قد تفوق أضعافاً مضاعفة الضريبة والرسم اللذين يسددهما للمالية، ناهيك بأن محاضر الاتفاقات اعتمدت على إشغال واحد لعدد الكراسي في المنشأة، وهذا الإشغال متغير أيضاً، فمن الممكن جداً أن يتناوب على الكرسي أكثر من زبون يومياً، وخاصة في المنشآت المعروفة بارتفاع عدد روادها بشكل يومي، وهذا معناه أن القرار المذكور أعطى تلك المنشآت كل الصلاحيات لجني الأرباح عندما حظر دخول المراقبين إلى المنشآت الموقعة على محاضر الاتفاق.

مزاد علني

وبالعودة إلى الاجتماع المسجل، فقد بدا في أجزاء منه وكأنه بازار أو مزاد علني على موارد الخزينة، وخاصة عندما بدأت الطروحات من قبل الحضور كل حسب أهوائه عن كيفية احتساب نسبة الإشغال، فمنهم من قال 60%  والبعض 70% لفترتي الشتاء والصيف نفسيهما، وبالفعل تم اعتماد نسبة الإشغال نفسها لفترتي الصيف والشتاء، مع الإشارة إلى أن فترة الإشغال في الصيف تفوق بكثير نسبتها في الشتاء، وهنا لابد من التأكيد على أن أولى الاتفاقات وقعت في الشهر 11 لعام 2015 أي احتسبت نسبة الإشغال المحددة في الاتفاقات نفسها لفترة الصيف القادم، ما ضيع على الخزينة أموالاً ذهبت لحسابات المكلفين الموقعين على الاتفاقات، والسؤال الذي يطرح نفسه: ما المستند القانوني الذي اعتمدت عليه وزارة المالية في ابتكار تلك الاتفاقات…؟

لا أساس قانونياً  

إذا ما عدنا إلى قانونية تلك الاتفاقات، نجد أن وزارة المالية استندت إلى المواد /6 – 7 – 8/ من المرسوم التشريعي رقم /51/ لعام 2006 المتضمن تعديل قانون ضريبة الدخل رقم /24/ لعام 2003، وتلك المواد ألزمت المكلفين بتقديم بياناتهم الشهرية إلى الدوائر المالية، ولم يلحظ في تلك المواد ما يشير إلى توقيع اتفاقات من هذا النوع وتحصيل نسبة من الرسم، وما يثبت ذلك أن وزارة المالية شكلت لجنة العام الماضي من أجل تعديل المرسوم المذكور لتشرعن اتفاقياتها ولكنها لم تستطع تعديله بما يتفق مع الاتفاقيات ما يدل على أن تلك الاتفاقات مخالفة، ويشار حينها إلى أن الوزارة تحفظت في ذلك الوقت على ما نشرته «تشرين» تحت عنوان «المالية تشرعن اتفاقياتها مع المنشآت السياحية».

مكلفون بـ 5%

وإضافة إلى ذلك فإن محاضر الاتفاقات المذكورة مخالفة أساساً لجميع التشريعات الضريبية، فقد وصلت الارتكابات إلى مخالفة واضحة للمرسوم /11/ لعام 2015 لجهة استيفاء رسم الإنفاق الاستهلاكي من بعض المنشآت أقل مما أقره المرسوم، فمالية دمشق اكتشفت أن منشأة من مستوى خمس نجوم وقعت مع المالية محضر اتفاق، وكانت تسدد رسم الإنفاق قبل الاتفاق بنسبة 10%، أما بعد الاتفاق فأصبحت تسدد 5%، مخالفة بذلك نص المرسوم /11/، الأمر الذي يؤثر سلباً في واردات الخزينة، فالمكلفون يتقاضون نسبة الرسم من المواطنين 10% ويوردون 5% إلى الخزينة، ومن ضمن النسبة التي تبقى في حسابات المكلفين الخاصة، تسدد منها ضريبتا الدخل والرواتب والأجور بنسبة 3%، وهذا يؤكد أن تلك المنشآت تربح 2% من قيمة المبيعات شهرياً تضاف إلى إيراداتها، ما يعني أنه رغم مخالفتها تكافأ بإيراد عارض قيمته 2% وتالياً لا تسدد أي ضريبة من حساباتها الخاصة، ورغم محاولات دائرة الانفاق في مالية دمشق اتخاذ إجراءات بهذا الشأن، لكن محاولاتها باءت بالفشل لكون منظمي الاتفاقات فضلوا مصلحة المكلف على مصلحة الخزينة، وهو ما أثبتته وثيقة بهذا الشأن حصلت عليها «تشرين»، ناهيك بأن تلك الاتفاقات كان الهدف منها تعطيل العمل بالمرسوم /11/ وهو ما قاله أحد أصحاب المنشآت السياحية خلال الاجتماع المسجل: « لقد تم نسف المرسوم /11/، فرد عليه معاون الوزير قائلاً بغضب: إذا أردت المرسوم فيجب أن تلتزم به وألا تفلت منه شيء.. أنت بالذات»، وهنا نسأل منذ متى يخضع تطبيق القوانين لأهواء ورغبات المكلفين، وكيف لمسؤول مالي يطرح على المنشآت فرصة ذهبية لجني الأرباح من دون رقابة أن يحرم البعض منها ؟ مع ضرورة الإشارة إلى أن معاون الوزير هو من ترأس اللجنة التي أعدت مرسوم الإنفاق رقم /11/، وتم إخراجه بما يتلاءم مع الظروف الاقتصادية الراهنة، وإذا كان هناك أي اشكال في المرسوم، أو أن اللجنة غالت بالرسوم المحددة فلماذا لم يتم تعديله، وتم اللجوء إلى اتفاقات مخالفة تضمن مصالح المكلفين على حساب حقوق الخزينة..؟؟

إعفاءات من دون نص

وعلى اعتبار أن الدستور أقر بأنه لا إعفاء من دون نص تشريعي، فإن منظمي تلك الاتفاقات منحوا أنفسهم صلاحيات وصلت إلى منح إعفاءات خارجة عن سلطة القانون، إذ تبين إحدى الوثائق التي حصلت عليها «تشرين» وتحمل الرقم 3290/1 أن معاون الوزير لشؤون الإيراد العام قد وقع بالتفويض عن وزير المالية السابق كتاباً مرسلاً إلى قسم الاستعلام الضريبي وقسم الواردات «دائرة الإنفاق الاستهلاكي» في مالية دمشق يتضمن: «لدى إبرام الاتفاق مع المطاعم خاصة الاتفاقات التي تمت بعد شهر /11/ لعام 2015، نتجت فروقات برقم العمل بين رقم العمل الذي تم بموجبه دفع الضرائب والرسوم ورقم العمل ما بعد الاتفاق ما استوجب من صاحب المطعم تقديم بيان لاحق بالفرق، وبعد عرض الموضوع على  وزير المالية السابق وجه بالإعفاء من دفع غرامات التأخير بموجب الاتفاقات التي تمت مع وزارة المالية» والغريب أن الكتاب المذكور حمل عبارة تقول: «مهلة الإعفاء من الغرامات مفتوحة»، مع التأكيد أن هذا النوع من التوجيهات أشد وطأة من التوجيه الذي تحدثت عنه «تشرين» مؤخراً بخصوص إلغاء ضبوط إنفاق استهلاكي لحساب ضبط للاستعلام الضريبي، ما يضعنا أمام تساؤل عن مصدر صلاحيات منظمي الاتفاقات التي قيدها الدستور بنص تشريعي، وكيف تمنح تلك الإعفاءات وقد نص محضر الاتفاق صراحة على ملاحقة المتهربين من تقديم البيان الشهري من قبل الاستعلام الضريبي، وفرض الغرامات المنصوص عنها بالقانونين /24 – 25/ لعام 2003..؟

تهرب من رسم الطابع

ولما نصت الفقرة /أ/ من المادة السابعة من قانون رسم الطابع رقم /44/ لعام 2005 على أن يتم استيفاء رسم الطابع وفقاً لنصوص العقود والمستندات من دون النظر إلى صحتها القانونية، وإذا ما عدنا إلى المادة الأولى من القانون التي حددت المطارح التي تخضع للرسم، نجد أنها أخضعت العقود المبرمة مع الجهات العامة بقطاعيها الإداري والاقتصادي لرسم الطابع، وبما أن محاضر الاتفاق التي نظمتها وزارة المالية مع المنشآت السياحية ناجمة عن تبادل إيرادين بين طرفين أو أكثر يتوافر فيهمـا أركـان العقد (الإيجاب والقبول ) فإن الرسم يتوجب عليها وفقاً لأحكام المرسوم التشريعي، وهذا يعني أن محاضر الاتفاقات هي من الوثائق والنصوص التي تخضع لرسم الطابع أصولاً، وإننا في هذا السياق نسأل وزارة المالية، هل قامت بمطالبة الفرقاء بتسديد رسم الطابع على اعتبار أنها قطاع إداري وتعكس رسمها بحكم القانون عن المتعاقدين معها، وذلك بموجب نص المادة رقم /4/ من المرسوم /44/، إذ إنه لدى مراجعة الجدول رقم /3/ الخاص بالإعفاءات التي منحها المرسوم المذكور من رسم الطابع لم نلحظ أياً من المواد التي تعفي ذلك النوع من الاتفاقات من الرسوم، وفي حال وجود نص خاص فإن على عاقد الاتفاق إبرازه ليتسنى للدوائر المالية إعفاء تلك الاتفاقيات من الرسوم.

فمحاضر الاتفاقات لم تفسح المجال أمام المكلفين المتعاقدين للتهرب الضريبي فحسب، بل من تسديد رسم الطابع، فإذا كانت قيمة العقود الشهرية المنظمة مع المنشآت السياحية عن شهر /11/ لعام 2015 بلغت 415 مليون ليرة، فهذا يعني أن قيمتها السنوية حوالي 5 مليارات ليرة، وبما أن الاتفاقات نظمت على نسختين فإنها تخضع لرسم طابع 8 بالألف، أي تترتب عليها رسوم بقيمة 40 مليون ليرة لم يقم بتسديدها أصحاب المنشآت، ويتحمل مسؤولية ذلك معاون الوزير الذي نصب نفسه ممثل الدوائر المالية بموجب الاتفاقات وكان من المفترض أن يبلغ أصحاب المنشآت بضرورة تسديد رسم الطابع، ولكونه لم يقم بتبليغهم فإنه يتحمل الغرامة المحددة بسقف 5000 ليرة عن كل اتفاق، كما أن هناك غرامة تأخير عن تسديد رسم الطابع تعادل مثلي الرسم أي 80 مليون ليرة، فهي أيضاً متوجبة على أصحاب المنشآت، ولم تقم بتسديد أي منها، حسبما أكدته مصادر خاصة في قسم الواردات في مالية دمشق.

تجاوز للصلاحيات

وتبقى الإشارة إلى أنه، وكما أقر الدستور السوري، في أن لا إعفاء من دون نص تشريعي، فكذلك لا تكليف من دون نص أيضاً، فمعاون الوزير نصب نفسه ممثلاً عن الدوائر المالية بموجب الاتفاقات واستلم دفة إدارتها بغير سند أو تكليف رسمي وبطريقة المزادات والمفاوضات، وهذا ما يعارض أصول التعامل مع حقوق الخزينة، فبموجب المادة الثانية من المرسوم /64/ لعام 2010 الخاص بتعديل مرسوم إحداث الهيئة العامة للضرائب والرسوم التي نصت على أن تنقل المهام والصلاحيات والاختصاصات المحددة لمعاون الوزير لشؤون الإيرادات إلى المدير العام للهيئة أينما وردت في التشريعات والأنظمة الضريبية النافذة، فإن أمر تنظيم محاضر الاتفاقات كان يجب أن يكون بإشراف الهيئة العامة للضرائب والرسوم وليس معاون وزير المالية الذي عاد وسحب البساط من تحت أقدام مدير الهيئة من دون أن يشعر وهي مسألة فيها تجاوز كبير للقانون المذكور..!!

وأخيراً إن من ابتدع محاضر الاتفاقات مع المنشآت السياحية أوقع الخزينة في فخ مصالح المكلفين، فهل يعيد وزير المالية الدكتور مأمون حمدان النظر بتلك الاتفاقات إذا كان لابد من استمرارها ويضعها بين أيد أمينة وغيورة على حقوق الخزينة، أم سيتجه إلى إلغائها لتسود سلطة القانون وليس الأشخاص؟

  المالية: الاتفاقات ليست عقوداً  وإنما صيغ تفاهم

في اتصال هاتفي مع معاون الوزير لشؤون الإيراد جمال المدلجي قال: إن تلك الاتفاقات ليست عقوداً وإنما صيغة تفاهم تم من خلالها تعديل البيان الشهري للمنشآت، ولا يترتب عليها رسم طابع.

ويتابع المدلجي: إن تلك المحاضر لم تكن بدعة من وزارة المالية بل قرار وتوصية من لجنة رسم السياسات الاقتصادية، وعن شرعنة هذه الاتفاقات يؤكد معاون الوزير أنه يجري العمل على تعديل المرسوم 51 بعد أن تم وضع ملاحظات عليه من قبل الجهات المعنية.

وعن تهرب تلك المنشآت طوال السنوات السابقة من تسديد رسم الإنفاق الاستهلاكي ولماذا لم يحصل هذا الرسم عبر الطرق القانونية، قال المدلجي: إن الاستعلام الضريبي كان محظراً عليه الدخول لتلك المنشآت، ونحن ما نعلمه أن عمل مديرية الاستعلام هو شمولي وواسع حسب تأكيد وزارة المالية بهذا الخصوص.

أما حديث معاون الوزير عن تعطيل المرسوم /11/ لعام 2015 قال: إن المرسوم مازال يُعمل به حتى تاريخه، فالمنشآت التي تخضع لرسم 5% يحصل منها الرسم، والتي تخضع لرسم 10% يحصل منها أيضاً.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى