أخبار الشركات

ما هي جريمة الأسواق المالية وكيف تكافح في سورية؟ … خبير قانوني لسينسيريا: لا يستهان بهذه الجرائم وتؤثر سلباً على ضخ وجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية

علي محمود سليمان

إنّ ارتكاب الجرائم في قطاع الأوراق المالية أمرٌ عاديّ، وكلّ دولة قابلة لأن تجري فيها جرائم من هذا النوع، ولذلك من الطبيعي وقوع هذه الجرائم لدينا في سورية.

وتاريخياً لعب في نوع الجرائم المرتكبة أمران مترابطان، الأمر الأول اقتصادي يتجسد بتحول النظام الاقتصادي في سورية إلى نظام اقتصاد السوق الاجتماعي مع بداية الألفية الثالثة، والأمر الثاني قانوني يتمثل بالتطور التشريعي والتنظيمي لقطاع الأوراق المالية، ومثالٌ على ذلك إصدار قانون إحداث سوق دمشق للأوراق المالية وتنظيم تداول الأوراق المالية به، وما يلحق ذلك من إمكانية ارتكاب مخالفات وجرائم متعلّقة بالتداول.

جرائم الفوركس

وحول المخالفات والجرائم المرتكبة في قطاع الأسواق المالية تحدث مدير الشؤون القانونيّة في مؤسّسة ضمان مخاطر القروض شادي عبّاس لصحيفة سينسيريا بأن جريمة الوساطة بالتداول في أسواق العملات الأجنبية “الفوركس” “FOREX” في الخارج عبر أشخاص أو شركات ومكاتب، تعتبر من أكثر جرائم الأسواق المالية التي وقعت في سورية لغاية تاريخه، وأكثرها منظوراً أمام القضاء.

وقد شهدت هذه الجريمة انخفاضاً لدينا في الآونة الأخيرة نتيجة انتشار الوعي والإدراك بأهمية الاستثمار بقطاع الأوراق المالية، وانتشار ثقافة التداول بسوق دمشق للأوراق المالية.

موضحاً أن هذا الفعل وإن كان قانونياً في دولٍ عربية وأجنبية، إلا أنّه غير شرعي في سورية وبعض الدول ذات نظام اقتصادي شبيهٍ بنظامنا، مثل مصر التي اعتبرته جريمة توظيف (جمع) أموال، حتى أنً الأردن وبعد تشريعه وتنظيمه إلا أنّ هيئة الأوراق المالية ما زالت تصدر تحذيرات عن مخاطر الاستثمار به، حتى أنّها بعام 2020 وصفت مخاطره في أحد بياناتها الإعلامية مماثلاً لخطر الكوارث الطبيعيّة.

دور الهيئة

وحول آلية ملاحقة هذه الجرائم بيّن عباس بأنه يحق لهيئة الأوراق والأسواق المالية إجراء أي تحقيق أو تفتيش أو تدقيق لتحديد ما إذا كان أيّ جهة أو شخص قد ارتكب مخالفة، أو اتخذ إجراءات تحضيرية تؤدي إلى ارتكاب مخالفة لأي من أحكام قانونها والأنظمة والتعليمات الصادرة بمقتضاه.
وعند اشتباه أو اكتشاف الهيئة لمخالفة ما، أو تلقيها شكوى، أو إبلاغها بمخالفة، تشكل لجنة تحقيق، بانتهاء اللجنة من أعمالها ترفع تقريراً إلى مجلس مفوّضي الهيئة مشفوعاً بالتوصيات المناسبة.

وبعد دراسة المجلس وتداوله بشأن المخالفة، إذا تبيّن له أن الفعل من المخالفات الخفيفة، يفرض المجلس واحدةً أو أكثر من العقوبات التي منحه القانون صلاحية فرضها.
أمّا إذا كانت من المخالفات الشديدة ذات الوصف الجرمي الجزائي يقرر إحالة ملفها إلى القضاء، ليحكم بدوره بالإدانة والعقوبة المناسبة بحال ثبوت ارتكاب الجرم.

مشيراً إلى وجود جهات أخرى غير الهيئة تعب دوراً هامً في مكافحة جرائم الأوراق والأسواق المالية، إذ تجري جهات إنفاذ القانون التحقيقات مباشرةً في بعض الحالات، وتنظم الضبوط ثم تحيلها إلى النيابة العامة لتقوم بدورها بتحريك الدعوى العامة أمام المحكمة المختصة، بعدئذٍ يتم إبلاغ الهيئة عبر وكيلها القانوني إدارة قضايا الدولة لتتخذ صفة الادعاء الشخصي.

الجرائم والعقوبات

وحول القانون الناظم للجرائم المالية، يوضح عباس بأن المشرع السوري نظم قطاع الأوراق والأسواق المالية والمؤسسات العاملة به في عدّة قوانينٍ وأنظمة، أبرزها قانون إحداث هيئة الأوراق والأسواق المالية السورية رقم 22 لعام 2005، وقد اعتبر المشرع أن ارتكاب أيّ شخصٍ كان فعلاً مخالفاً لأحكام هذا القانون أو الأنظمة والتعليمات الصادرة بموجبه مخالفةً قانونية.

حيث يمكن تصنيف المخالفات القانونية إلى فئتين، الأولى المخالفات الخفيفة، والثانية مخالفات شديدة ترقى إلى وصف جرائم جزائية، وجديرٌ بالتنويه، تجريم المشرّع السوري أفعالاً تتعلّق بمعاملات الأوراق المالية في قوانين أخرى، مثل قانون الشركات، والذي جاءت عقوبات جرائم الأوراق المالية فيه مطابقة لعقوبات جرائم القانون رقم 22.

أما بالنسبة للعقوبات وفق القانون فإن مجلس مفوّضي هيئة الأوراق والأسواق المالية يفرض عقوباتٍ بحق الأشخاص مرتكبي المخالفات الخفيفة لأحكام القانون رقم 22 لعام 2005، تتدرج وتختلف هذه العقوبات حسب نوع المخالفة وخطورتها وتكرارها وأثرها، وأبرزها عقوبات التنبيه، والإنذار، وقف شركات الوساطة عن العمل في السوق لمدة لا تزيد عن ثلاثة أشهر، وقف تداول أسهم الشركات المساهمة المخالفة لمدة لا تزيد على ثلاثة أشهر، شطب اسم مدقق الحسابات من الجدول المعتمد لدى الهيئة، والغرامة المالية بحدٍّ أدنى مائة ألف وحدٍّ أقصى مليون ليرة سورية.

أمّا الجرائم الجزائية، يحكم القضاء على المسؤولين عنها بعقوبتَي الحبس والغرامة المالية، حبسٌ لا تقلّ مدّته عن ثلاثة أشهر ولا تزيد عن ثلاث سنوات، وغرامةٌ ماليةٌ لا تقلّ عن ثلاثمائة ألف ولا تزيد عن ثلاثة ملايين ليرة سورية.

وعالمياً، يمكننا تصنيف هذه الجرائم بشكلٍ رئيسٍ إلى أنواعٍ حسب طبيعة معاملات الأوراق المالية الواقعة عليها، جرائم متعلّقة إصدار الأوراق المالية، وجرائم متعلّقة بالإفصاح والشفافية، وجرائم متعلّقة بتداول الأوراق المالية؛ يضاف إلى هذه الأنواع جرائم أخرى ذات صلة، مثل جريمة غسل الأموال في قطاع الأوراق المالية، والاتجاهات العالمية الحديثة مثل الاحتيال عبر الهندسة الاجتماعية.

الأثر على الاقتصاد

وفي هذا السياق تسبب جرائم الأوراق والأسواق المالية أضراراً كبيرة للمستثمرين في قطاع الأوراق المالية، وللقطاع ذاته بكلّ مكوناته، وبالنتيجة ضرراً على الاقتصاد الوطني، على حد تعبير عباس.

وتتمثل الآثار السلبية على المستثمرين بتحمّلهم خسائر مالية مقابل الأرباح التي جناها المجرم، أو الخسارة التي تجنّبها، ما يؤدي إلى خروجهم من الاستثمار في قطاع الأوراق المالية، والانتقال إلى الاستثمار في قطاعاتٍ أخرى.

وأكد مدير الشؤون القانونيّة في مؤسّسة ضمان مخاطر القروض شادي عبّاس لصحيفة سينسيريا بأنه لا يُستهان أبداً بالآثار السلبية للجرائم المذكورة على الاقتصاد الوطني، إذ تؤدي إلى تقليص تأسيس شركات مساهمة عامة جديدة، أو زيادة رأسمال الشركات القائمة، أو تحويل الشكل القانوني للشركات القائمة إلى شركات مساهمة عامة، ويؤثر على إقبال المواطنين على الاكتتاب العام بالأوراق المالية، وإقبال الشركات على الإداراج في السوق، ما ينعكس أيضاً سلباً على ضخ استثمارات محليّة جديدة، أو جذب استثمارات عربية وأجنبية من الخارج.

اظهر المزيد

arnlenfrdeitfarues