لا يوجد اقتصاد واحد في سورية … الحمش من منبر جمعية العلوم الاقتصادية: ضرورة مراجعة السياسات الاقتصادية السابقة للأزمة
ابراهيم مخلص الجهني
لازمت الأزمات سورية واقتصادها منذ الاستقلال وما قبل ذلك، لكن في السنوات الأخيرة كان هناك تسارع وتداخل في الأزمات من أزمات داخلية ومحلية وعربية وإقليمية ودولية، مع تشابك وتداخل وتلازم وتأثيرات متبادلة بحسب الدكتور منير الحمش.
أسباب عالمية
الحمش وخلال حديثه في ندوة جمعية العلوم الاقتصادية أشار إلى مشكلات عالمية بدأت بجائحة كوفيد-19 عام 2020، حيث أصدرت منظمة الصحة العالمية قراراً باعتبار الجائحة عالمية، وكان انعكاسها على الوضع الاقتصادي المحلي والدولي كبير جداً بسبب الإصابات من جهة والإجراءات التي اتخذتها الحكومات من جهة أخرى، وخاصة بما يتعلق بالإغلاقات، وهذا ما انعكس على سلاسل الإمدادات التي تأثرت على المستوى العالمي.
وانعكس بشكل مباشر على الأمن الغذائي وعلى أمن الطاقة وتأثرت مختلف الدول بهذه المسألة، بحيث أصبح هناك تهديد لما يدعى الأمن الإنساني، وطرح على المستوى العالمي مسألتين أساسيتين الأولى تتعلق بالدولة ودورها ووظائفها والثانية تتعلق بالنظام الدولي وكيفية تكوينه والنظر في هذا التكوين الذي ينطلق من هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على أغلب العلاقات الاقتصادية الدولية والاستراتيجية والسياسية.
وأضاف الحمش أنه بعد أن شارفت الجائحة على الانتهاء وقعت مشكلة جديدة وهي الحرب الروسية الأوكرانية والتي اتخذت طابع عملية عسكرية ثم تطورت ونقلت إلى ساحة جديدة هي ساحة الحرب الروسية مع الغرب، لأن هذه الحرب خلقت استقطابات جديدة على المستوى العالمي وبنّت حلف استراتيجي بين روسيا والصين قائم على القطبية التعددية.
تقارير دولية
وبيّن الدكتور أن الساحة العربية شهدت تغيرات هامة منها نجاح الوساطة الصينية بين إيران والسعودية واتخاذ قرار بإلغاء تجميد عضوية سورية بالجامعة العربية، وهذه الأحداث خلقت وقائع جديدة في المنطقة العربية، والكثير من الناس يتسألون بعد زوال هذه التوترات لماذا لا تعود علاقات سورية إلى سابق عهدها، والسبب هو موقف الولايات المتحدة الأمريكية التي لا تمانع فقط التطبيع إنما توقع عقوبات على كل من يفكر بالتطبيع مع سورية من أي دولة سواء عربية وأجنبية، لكن هذا السبب لا يكفي لعدم تحرك النشاط الاقتصادي في سورية وعدم وجود حلول لمسائل سعر الصرف والتضخم وغيرها.
وتابع الدكتور أن أي تفكير في حل يبدأ بمعرفة الواقع والذي بات يعرفه كل مواطن ويشعر بقسوة الحالة الاقتصادية وحجم المعاناة، منوهاً إلى تقريرين هامين الأول صدر عن برنامج الاغذية العالمية يتحدث عن “معدلات الجوع التي بلغت مستويات قياسية في ظل انهيار اقتصادي ومالي مزمن، بعد ١٢ عام من اندلاع النزاع حيث أن حوالي ١٢ مليون شخص لا يعرفون من أين ستأتي وجبتهم التالية، وحوالي ٣ مليون شخص معرضون لخطر الانزلاق بالجوع، حيث تسجل اليوم سورية سادس أعلى رقم في العالم من ناحية انعدام الأمن الغذائي ويحذر من ازدياد معدلات سوء الأغذية للأطفال وأمهاتهم”.
إما التقرير الثاني فهو صادر عن البنك الدولي يتحدث عن ثلاث مسارات أدت إلى انخفاض حجم النشاط الاقتصادي إلى النصف بين عامي 2010 و2019 وهي الدمار الذي يمثل الإضرار بالممتلكات العامة والنزوح للشباب من مناطق سكنهم إلى مناطق أخرى وسبب في تعميق الشيخوخة والثالث هو الفوضى التي تسببت بالإضرار باللحمة المجتمعية وتردي الحوكمة والانقسام.
اقتصاد متعدد
وشرح الحمش أن في سورية لا يوجد اقتصاد واحد وسورية حالياُ مقسمة إلى الجزيرة السورية وشرق الفرات والشمال والشمال الغربي في إدلب والداخل السوري المعترف به دولياً وبين هذه الاقتصادات علاقات لكنها غير واضحة ونحن على أمل أن يكون هناك اقتصاد واحد يجمع ٢٧ مليون مواطن في ١٨٥٠٠٠ كم مربع.
إما عن الحل فقد أوضح الدكتور إننا بحاجة إلى الإدارة والإرادة ويقصد بالإرادة فهي الإرادة السياسية الملزمة لجميع الأطراف (الحكومة والناس والمؤسسات) في الداخل والخارج، إما الإدارة فالمقصود هو الإدارة الحكومية النزيهة بالدرجة الأولى إلى جانب الخبرة والدراية والقدرة على الدفع نحو التقدم والتنمية.
واختتم الدكتور منير الحمش حديثه في المركز الثقافي العربي بأبو رمانة بخطوات الحل التي تبدأ بمراجعة حقيقة للسياسات الاقتصادية السابقة للأزمة وخلال الأزمة الحالية، وإعادة النظر بالقائمين على هذه السياسات ليس فقط للمحافظة على الموجود أنما لاستعادة المهاجر والنازح والتي تعتبر أساسية بالنسبة لمستقبل سورية بالإضافة لوضع تصور عام لما نريده للاقتصاد والمراحل التالية لعملية النهوض والخلاص من هذا الوضع البائس والسير قدماً في موضوع الحل السياسي للأزمة الراهنة.