خاص سينسيريا – علي محمود جديد :
كل ما صدر يوم أمس من تعاميم عن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك ليس أكثر من أسطوانة مشروخة مللنا من سماعها على مدى سنوات بلا طائل ولا فائدة.
وعلى الأرجح فإن هذه التعاميم إن تمّ الاكتفاء بها، واعتبارها أنها كافية لما على الوزارة أن تقوم به. فإن هذا لن يزيد الكثيرين إلاّ إحباطاً واستفزازاً.
إلاّ إن وجدوا أعمالاً مختلفة على الأرض، وإجراءات تليق بحجم المعاناة والفساد والفوضى التي تضرب بأعماق أسواقنا .غشاً وغلاءً وعشوائية عارمة يدفع ثمنها غالبية الشعب التي باتت مرهقة من التركيبة الوحشية الحارقة. التي وصلت إليها هيكلية الأسواق، وأساليبها غير القابلة للاحتمال.
أما إن كانت تلك التعاميم هي نقطة الأساس التي منها سيتم الانطلاق فإن الوضع سيكون مختلفاً.
تعاميم مكررة مملة
لقد سئمنا بالفعل من الكلام عن المطالبة بالعمل على التزام أصحاب الفعاليات التجارية بالأسعار المحددة أصولا . وذلك من قبل الوزارة ومديرياتها لكافة أنواع المستلزمات المدرسية . تحت طائلة اتخاذ الإجراءات القانونية بحق المخالفين منهم وفق أحكام المرسوم التشريعي رقم ٨ لعام ٢٠٢١.
ومطالبة المؤسسة السورية للتجارة القيام بعرض تشكيلة واسعة من الألبسة والدفاتر والحقائب المدرسية (مستلزمات الموسم الدراسي) . وتحقيق تنافس حقيقي في السوق وتوازن سعري وضرورة أن تكون منافذ المؤسسة نقاط ارتكاز لتثبيت وتوازن الأسعار في السوق . وذلك كجهة تدخل إيجابي وموافاة الوزارة بجداول أسعار وكميات هذه المستلزمات .المطروحة في منافذ البيع التابعة للمؤسسة ومدى كفايتها لتلبية احتياجات المواطنين والإعلان عن أسعارها بشكل واضح ومقروء.
وسئمنا أيضاً التأكيد على ضبط الفعاليات التي تتعامل بالمواد المخالفة . و خاصة مخالفات (الغش، التزوير، بيع وتدوير مواد منتهية الصلاحية، تدوير مواد فاسدة بهدف إعادة بيعها ، الاحتكار، والمواد مجهولة المصدر…)
ومللنا أكثر من التشديد على متابعة تداول الفواتير النظامية بين حلقات الوساطة التجارية . والزعم باتخاذ الإجراءات اللازمة بحق المتاجرين والمتلاعبين بالمواد المدعومة من قبل الدولة والمتاجرة بها في السوق السوداء لغير الغاية المخصصة لها
وضجرنا من تبيان الوزارة أنه سيتم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحق المخالفين بالتنسيق مع القضاء المختص . وزهقنا من مطالبة الوزارة لمديرياتها بالمحافظات تشديد الرقابة على الأفران العامة والخاصة. ولا سيما ما يتعلق بجودة الرغيف المنتج والتقيد بوزن وسعر الربطة . وعدم الاتجار غير المشروع بالخبز والدقيق التمويني لغير الغاية المخصصة لهذه المواد.
مطالبات مستفزة
وتستفزنا التأكيدات على ضرورة التنسيق مع المؤسسة السورية للمخابز وفروعها بالمحافظات . لتقديم كافة التسهيلات للمواطنين للحصول على مخصصاتهم من مادة الخبز التمويني . والحد من حالات الازدحام على الأفران ومراقبة آلية توزيع الخبز عبر البطاقة الالكترونية .ومتابعة معتمدي الخبز لإيصال المادة إلى مستحقيها بالجودة والسعر المحددين. ويهزّنا الحديث عن متابعة موضوع تجميع البطاقات الالكترونية والتقيد بالدور من قبل المشرفين وأصحاب المخابز العامة والخاصة. و تكليف دوريات نوعية ومتخصصة إضافة إلى عمل دوريات جهاز حماية المستهلك بهذا الخصوص . لسحب العينات من المواد الغذائية وغير الغذائية المطروحة بالأسواق والمشتبه بمخالفتها للمواصفات والشروط المطلوبة . وضبط المواد الفاسدة أو منتهية الصلاحية ومتابعة الأسواق .
هذه الحكايات كلها التي جددت الوزارة يوم أمس إطلاقها، مللناها وبتنا نكره سماعها . ولا يهمنا في الحقيقة كل هذه الإجراءات والمتابعات والصولات والجولات ..
بيت القصيد
لاتهمنا الضبوط ولا أعدادها ولا نوعية المخالفات، ولا نكترث إن صار المخالف أمام القضاء أم لم يَصِر، إن ذهب مكبلاً أم غير مكبل .. إن أغلقوا محله بالشمع الأحمر أم بالأخضر أم بالأصفر .. هذا كله لا يهم ..و التعليمات لا تهم .. ولا التأكيدات .. ولا التهديدات للمخالفين.
ما يهمنا هو ما سوف نراه على أرض الواقع من تأثير علينا وعلى معيشتنا البائسة السوداء التي فاقت كل التوقعات.
ونحن بمقدار إدراكنا للأسباب الخارجية الظالمة والوحشيّة التي تُمارسُ على بلادنا.نُدركُ أيضاً أننا هنا في الداخل يمكننا أن نفعل الكثير ضمن الإمكانات المتاحة، وهذا ما يؤلمنا . إذ لا نجد تلك الإجراءات الذكية ولا البارعة التي تمكنت – حتى الآن على الأقل – من إحداث تأثيرٍ إيجابي على حياتنا المعيشية. فماذا تعنينا تلك الإجراءات كلها إن لم تُحدث مثل ذلك التأثير ..؟!
استبشار بالوزير
ومع هذا كله فلا نزال نأمل خيراً بقدوم الدكتور عمرو سالم إلى قيادة وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك. انطلاقاً من طروحاته المعروفة، غير أن هذا الأمل ليس واسعاً. لا طويلاً ولا عريضاً إلا بحجم المهلة الموضوعية – والتي تحدث هو عنها – للإقلاع بإجراءاتٍ حقيقية تنعكس على الحياة المعيشية بالخير والتحسن.
وبصراحة فإن نغمة تعاميم الأمس أخشى أن تأخذ قلوبنا نحو القلق والتوجّس أكثر من التفاؤل. ولكن منطقياً فإن الآثار المأمولة ما يزال تحقيقها مبكراً بالفعل . لأن الآثار وارتداداتها الإيجابية تحتاج إلى بعض الوقت الذي نرجو أن لا يطول كثيراً .