د. دريد درغام أستاذ جامعي وباحث اقتصادي
تضع الجهات العليا خطط للتنمية والتطوير والاستثمار، وعادة لا تأتي الجهة العليا سواء بالقطاع الخاص أو العام إلا بعد صقل برنامج لها ترغب بتطبيقه فتستعين بمن تراه مناسباً في الإدارات العليا المعنية.
أما الإدارات الوسطى والدنيا والموظفين العاديين فلا يتغيرون لأن التغييرات الجوهرية تتم على مستوى الخطط والسياسات.
ولا تسمح الجهات العليا بأن ينشغل وقتها بالأعمال الروتينية بل تسعى للسهر على تعديل الخطط والتوجهات العامة عند الضرورة بما يضمن حسن تنفيذ المستويات الدنيا والإشراف عليها.
غياب الخطط لدى بعض الجهات قد يدفعها للانخراط بأعمال تنفيذية لا علاقة لها بها مما يجعلها أمام الإعلام شديدة الانشغالية! وكي تتهرب من مسؤولياتها فإن موظفي السويات الدنيا لا يمانعون البتة تلك التحولات نحو الإدارة بالتجريب بغياب مقومات النجاح.
والنجاح الحقيقي لا يكون دون التعلم من تجارب الماضي وهذا يتطلب تدوين تاريخ المؤسسات لأغراض الخبرة الداخلية وأغراض البحث والتدريب الخارجية.
ويكتفي العالم النامي بتخزين القرارات المكتوبة فقط ويحظر فيه كتابة الظروف المحيطة وتوثيقها أو تثبيت ما يتم شفهياً.
وبغياب أي توثيق ممنهج لما يتراكم من معرفة وخبرة وبوجود الخوف من تحمل المسؤوليات يمكن تفسير ضعف (كي لا نقول غياب) التخطيط والمبادرة والتمترس خلف الروتيني والإغراق في الاستيلاء على الإجراءات الروتينية للجهات الأدنى لما توفره من «إشغال» كامل للوقت وتحقيق نقاط إعلامية ضرورية للجولات القادمة!
وأي جهة عليا قبلت أن تفرض توقيعها إقحاماً على ملفات منتهية بالسويات الدنيا، ولم تتأثر بتغييب الذاكرة المؤسساتية، وانغمست بالملفات الروتينية ستقبل التغني إعلامياً بمنجزات لا علاقة لها بمهامها الحقيقية وستتملص بسهولة من أي خطأ محتمل لأن أجسام الجهات الدنيا “عادة” ما تكون «لبّيسة»..
قد لا تكون المعاناة من فصل السلطات وإنما من فصامها عن أدوارها الحقيقية، في هذه الحالات نكون أمام «زهايمر» مؤسساتي.
ملاحظة: تلفتوا وتقصوا وتعرفوا على عدد الملفات التي لا يمكن تنفيذها في السوية الأقل.