الموضوع لا بصل ولا بطاطا… من المسؤول عن هدر الموسم الزراعي.. وأين السورية للتجارة من خسارات المزارعين؟
سنسيريا – خاص
القصة نفسها تتكرر، دون أن يتجشم أحد عناء معالجتها، حيث يودي التقصير في الخطط التسويقية الزراعية، وغياب المؤسسات التي تصون حق الفلاح بعرقه ودمه، إلى رمي تعبه وموسمه في القمامة.
فلم يكد المزارعون ينهون مشكلة تسويق الحمضيات بخسائر مالية كبيرة، حتى تعرضوا لخسائر جديدة من موسم زراعة البصل.
وذلك بعد تدهور الأسعار إلى مادون الكلفة، ما أسهم في اكتمال موسم زراعي خاسر في ظل أزمة اقتصادية خانقة.
وبذلك، يلحق موسم البصل بموسم الحمضيات، حيث ترك المزارعون مساحات كبيرة من الأراضي المزروعة دون قطاف، وجعلوها علفاً للمواشي لعدم قدرتهم على حصادها وبيعها بسعر أقل من كلفة الإنتاج.
جريمة ما بعدها جريمة
قال ورد (مزارع من الغاب وهو جريح حرب) : بعنا قسم للتجار، ومتل مابيقولو بعد مية بوسة كف .
بينما القسم الآخر (للكب)، و بسعر 250 ليرة، مع العلم أن تكلفة زراعته أكثر بكثير.
وتابع: نحن تواصلنا مع كل التجار، وطرقنا كل الأبواب ولكن بدون فائدة.
وهذا حال كل فلاحي المنطقة، الذين رموا محاصيلهم المقدرة بمئات الأطنان، وبالنسبة لي خسرت مالا يقل عن مليوني ليرة سورية.
أما بالنسبة ليوسف( مزارع)، فقال أنه من المستحيل زراعة البصل العام القادم، نظراً لتكاليف زراعته المرتفعة.
فإذا كلف هذه السنة كل دونم مليون ليرة، فالسنة القادمة سيكلف مليوني ليرة تقريباً على أقل تقدير.
وأضاف يوسف، العملية الزراعية بمجملها مكلفة، كلها بدءاً من تجهيزات الأرض من فلاحة وسماد ومبيدات وحتى موعد الحصاد.
وخاصةً الأيدي العاملة مكلفة جداً بشكل لايصدق ، هذا عدا عن أجور الشحن والنقل .
نسبة الخسارة في موسم البصل 100% ،هكذا عبر سمير فلاح من المنطقة، وقال:
نحن نزرع الفستق والدخان والبصل، وعند الحصاد يأتي التجار، ويتفاوضون معنا على أقل سعر ونحن مجبورين بالبيع وإلا كله يذهب للرمي .
وتابع: على سبيل المثال، سعر كيلو الفستق في ذروة موسمه 3700وبعد شهر هبطت الأسعار دون 2000 للكيلو.
أما بالنسبة للفول، فسعر الكيلو 1300 مع أن التاجر يبعيه ب 4000 وأكثر، فالسعر غالي على المستهلك، ورخيص على الفلاح.
وكذلك رأى أحمد وقال: في منطقة الغاب حصدت مئات الأطنان من البصل وكلها ذهبت للتجار بأرخص الأسعار.
مع العلم أن معمل تجفيف البصل قد باشر بالعمل وكان من الممكن أن يشتري الانتاج من الفلاحين ولكن لم يتدخل.
وتابع أحمد: البصل لا يحفظ ولا يخزن، وبالنسبة لي ظل الموسم في المستودع أربع شهور ، مع العلم أنه يفقد من وزنه تدريجياً.
سوء إدارة وتسويق أم لعبة عالمكشوف
من جهته عبر الخبير التنموي والمستشار لدى اتحاد غرف الزراعة السورية أكرم عفيف، وقال لسنسيريا: أنه ليس مسألة بصل أو ثوم أو أياً كان، إنما هي مسألة سوء إدارة هذه الموارد.
وتابع: في الأيام القادمة سنرى رمي موسم الثوم أيضاً، والسبب أن تكلفة زراعته لاتوازي تكلفة بيعه وأيضاً لعدم وجود تسويق.
وألقى الخبير باللوم على مؤسسة السورية للتجارة كونها مؤسسة تدخل ايجابي.
حيث قال إن كلمة تدخل ايجابي تعني بموجب اقتصاد السوق الاجتماعي، ايجاد جهة من الدولة تتدخل لصالح المنتجين في حال خسارتهم ولصالح المستهلكين لتخفيف أعباء الضغط عليهم.
وأعطى مثالاً وقال: حين كانت البطاطا ب 250 ليرة سورية ومن أجود الأنواع، كانت تباع ب50 ليرة سورية منها وكان الفلاح خاسر ،كان من المفروض أن تشتري السورية للتجارة ب 350.
وأردف،وحين صارت نفس البطاطا ب 2500 كان من المفروض أن تبيعها السورية للتجارة ب 600.
فكانت اخذت ب 350 وباعتها ب 600 وربحت، ولعبت دور التاجر الرابح الأخلاقي وكانت أنقذت السوق، هذا هو دورها في كل شيء.
وتابع عفيف: أكثر من مرة وعلى مدى السنوات القليلة الماضية عرضنا على السورية للتجارة بأن تلعب دور التاجر الرابح الأخلاقي، ولم نجد استجابة، وحينها قام الفلاحين ببيع محصول البصل على السيارات بمبلغ 300 ليرة.
وأضاف عفيف: اليوم كل المحاصيل مازالت عند الفلاحين، الفول، حبة البركة، واليانسون، والفستق وكذا ، مؤسسات التدخل الايجابي غائبة بالكامل، بينما المزارعون هائمون بالبحث عمن يشتري منتجاتهم.
وأشار الخبير بأن القضية في سورية هي قضية سوء إدارة موارد .
والأمر الثاني وهو المرجح الأكبر ، بأن هناك من له مصلحة بأن يستورد كل شيء، هناك من يريد قتل المنتجين، لمصلحة المستوردين وشركائهم من المسؤولين الفاسدين.
لا حل يلوح بالأفق
وتابع عفيف: ليس قصة بصل، مثلاً برتقال العصير الذي تلف عالأرض، وسعره 100ليرة عند المنتجين، بالمقابل سعر كأس العصير 2500، وهذا يدعو للتساؤل.
وأضاف، هذه قضية دائمة، فنحن كمستهلكين لم نشهد انخفاض في سعر أي صنف غذائي حتى الآن .
وبالتالي هنا المنتج مكسور والمستهلك مكسور ومؤسسات التدخل الايجابي غائبة ، هذه هي الفكرة.
المؤسسة والتجار سواسية
يقول أبو عمر (تاجر من سوق الهال) أيضاً: شعار التدخل الإيجابي الذي رفعته المؤسسة لم يتم تطبيقه على أرض الواقع.
فغالبية السلع المعروضة في صالات السورية للتجارة تقترب من أسعار السوق.
وتابع: وهي تسبب أحياناً، من خلال سياساتها، عرقلة لحركة الأسواق، عبر تعاقدها مع تجار محددين للاستيراد وفرض عقبات على آخرين.
وهو مايسبب أزمات إضافية في مجال انسياب السلع، وهي تتسبب بشكل غير مباشر في الإخفاقات التي تعاني منها السوق السورية.
الأمر الذي سيؤدي أيضاً إلى خسارة الآلاف لمصدر عيشهم، دون أي انعكاسات إيجابية على صعيد خفض الأسعار أو توفير المواد.
وقالت هيام (مواطنة): أسعار المؤسسة تقريباً نفس أسعار المحال، وجودتها أقل.
وتابعت قائلة: اليوم اشتريت كيلو البصل ب١٢٠٠ ونصفه أسود وغير قابل للاستهلاك ، وبطاطا ب٢٠٠٠، وهي أبسط الأشياء.
شعارات رنانة
وإذا نقلنا حرفياً ما ورد على الموقع الرسمي للحكومة بتاريخ 26/6/2019 نتيجة الاجتماع الذي كان مخصصاً لمؤسسة السورية للتجارة والقائل:
“ترسيخ حضور المؤسسة السورية للتجارة كلاعب أساس في التجارة على المستوى المحلي باعتبارها الذراع الحكومي الأقوى والنافذ لتأمين احتياجات المواطنين من المواد الأساسية والتموينية والسلع الاستهلاكية بأسعار منافسة وجودة ونوعية في مواجهة التحديات والحصار الاقتصادي على الشعب السوري”.
لوجدنا أنها مجرد شعارات رنانة، والقادم من الأيام سيحمل إلينا من المسؤول عن إطلاق رصاصة الرحمة في جسد المنتج الوطني.
متابعة سهى شوفان
،