ما يحدث في موضوع الطاقة الشمسية، صار أقرب إلى ما يسمى تراجيكوميدي. لأنك قد تقرأ مقالاً أو تحقيقاً، أو تستمع لخبير عن مساوئ استخدامها بشكل خاطئ. وربما تنقل هذا الحديث لأصدقاء أو أقارب وتقدم لهم النصيحة، ثم تنهض وتشرع بتركيبها في منزلك، مجبرٌ لا بطل.
يقول خبير وعامل في مجال تركيب الألواح الشمسية، إن السوريين الفرحين اليوم بالإنارة وبعض ما تقدمه الطاقة الشمسية. سيصحون قريباً، وتتحول هذه الفرحة إلى قلق وخيبة، فهم مطمئنون الآن لأنهم لا يعلمون أن ألواح الطاقة والمدخرات التي تصل إلى سورية، من أسوأ الأنواع في البلدان المصدرة، وبأحسن الأحوال، هي أنواع جيدة مر على تصنيعها وقت طويل، لذا فإنها لن تعطي النتيجة المرجوة بالمدة المرجوة، بل أقل بكثير، وبناء عليه. سيضطرون لشراء مدخرات وألواح جديدة خلال فترة لا تقارب نصف الفترة التي توقعوها، فمن قيل له ثلاث سنوات. سيضطر للتبديل خلال فترة لا تتجاوز سنة ونصف أو سنتين بأفضل الأحوال. مع الإشارة إلى أن ما دفع ثمنه اليوم 15 أو 20 مليون ليرة، سيصبح 30 وربما 40مليوناً. فلا ضوابط لهذا السوق، ولا يحدد أسعار مواده سوى توافرها وكمية الطلب. واليوم كمية الطلب مخيفة لدرجة أنك تظن أنه لم يبق سوري لم يركب منظومة طاقة شمسية.
الاستهلاك السريع
كما يضيف الخبير إن الاستهلاك السريع لعمر المدخرات لا يعود فقط لرداءة أنواعها، بل لتحميلها فوق طاقتها أيضاً. وخاصة في المنازل التي قامت بتركيب مدخرات و(انفرتر) فقط من دون ألواح طاقة شمسية. لأن شحن المدخرات بهذه الحالة سيعتمد على كهرباء الدولة، أي 4 ساعات في النهار كحد وسطي في بعض المناطق، وحد أقصى في مناطق أخرى، واستخدام يصل إلى 20 ساعة. ومن الطبيعي أن يقلل استخدام كهذا من عمر مدخرة جيدة، فما بالك إن كانت رديئة أساساً.
المهندس سمير محمود خبير طاقة ومختص في محطات التحويل الكهربائية أكد أن ما يجري في مجال الطاقة الشمسية هو فوضى كبيرة سترتد على الجميع. ويرى أنه لا يجوز أبداً السماح بأن يقوم كل مواطن بتركيب طاقة شمسية في منزله لعدة أسباب. أولها الكلف المادية الباهظة. وثانيها المواد الرديئة الموجودة في السوق السورية، والاستهلاك الدائم لمواد التوليد، ولاسيما المدخرات. وهذه الحالة لن يستفيد منها سوى التجار والشركات الموردة والمستوردة، وسيبقى المواطن رهن أهوائها واستغلالها. إضافة لما ستقدمه من خدمه سيئة وغير مضمونه ولا تشكل بديلاً دائماً.
الاستهلاك الأني
وإن كان لا بد منها، فيرى الخبير محمود أن ما يناسب وضع سورية هو الاعتماد على الطاقة الشمسية للاستهلاك الآني، ومنع العمل على تخزينها. لما له من كلف عالية مادياً وبيئياً ووطنياً، ففي المجال المادي كلفة مدخرات التخزين عالية جداً، وفي المجال البيئي كلفة إعادة تدويرها أو إتلافها عالية وخطرة، وعلى المستوى الوطني، ستبقى الشركات المنتجة تتحكم بتوريدها وأسعارها وقد تتحكم بتوريدها أو عدمه.
لذا على الدولة التشجيع أو الاشتراط على المستثمرين بتصنيع عناصر توليد الطاقات البديلة محلياً. إضافة إلى ضرورة حصر مزارع الطاقة الشمسية في المناطق غير الصالحة للزراعة. وتحديداً في المناطق الصحراوية والمقفرة والقريبة من خطوط ومحطات الشبكة الكهربائية. كما يجب إلزام المعامل في المناطق الصناعية بتوليد الكهرباء من الطاقات البديلة بنسب معينة وعالية، والتركيز على تركيب محطات توليد شمسية صغيرة لأغراض ضخ المياه للري، وإنشاء محطات توليد شمسية على أسطح الأبنية التي تضم مكاتب وعيادات وورشاً في المدن. مؤكداً أن الطاقة البديلة هي طاقة رديفة لمحطات التوليد التقليدية، ولا يمكن أن تكون بديلاً لها. وكل وفر تحققه الطاقات البديلة في الطاقة. هو وفر في الوقود الأحفوري ووفر في عمل محطات التوليد. وهو وفر يجب أن يستفيد منه المواطن المشترك باشتراك منزلي على الشبكة.
وأوضح محمود أن الاستثمار الأفضل والواعد والأنظف هو طاقة الرياح، فمثلاً 100 مروحة هوائية تكفي محافظة متوسطة الحجم من الكهرباء، وكلفتها تبدو في الظاهر كبيرة. لكنها على المدى البعيد ذات ربحية كبيرة جداً وهي تسترد كامل قيمتها خلال ثلاث سنوات، ويستمر التوليد مجاناً لأكثر من 20 سنة تقريباً. كما أن وصلها مع الشبكة سهل، وإنتاجها دائم ليلاً ونهاراً.