ما هي أسرار استقبال أوروبا للاجئين وهل قدموا لها أي فائدة..؟
بعيداً عن السياسة، سوف ننظر إلى أزمة اللاجئين في الوطن العربي بوجه العموم، واللاجئين السوريين على وجه الخصوص من ناحية اقتصادية، وهذه النظرة تعتمد تصريحات سابقة صدرت من المسؤولين. لكن، ما لفت نظرنا هو تصريح من محافظ البنك المركزي الأوروبي “ماريو دراجي” الذي يعتبر الرجل الأول بالنسبة لاقتصاد منطقة اليورو.
قال ماريو دراجي نهاية الاسبوع الماضي بأن “اقتصاد أوروبا سوف يصبح أكثر قوّة إذا ما استثمرت الدول في جهود التعامل مع أزمة اللاجئين”، وقد قال هذه الكلمات لمشرعي الاتحاد الأوروبي. كذلك، قال للجنة الشؤون الاقتصادية والمالية في البرلمان الأوروبي أن “تدفق اللاجئين سيغير بشكل عميق النسيج الاجتماعي للقارة لكن إذا جرت إدارته على نحو ملائم وكانت هنالك استثمارات في هذا التغير”.
لم يكتفِ “ماريو دراجي” بذلك، بل قال “التغيير سوف يخرج الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو أقوى لاحقاً”.
إذ من المعروف بأن دخول اللاجئين إلى أوروبا يعتبر الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية، وبدأت تتضح معالم استقبال اللاجئين.
فقد صدر عن المفوّضية الأوروبية أنها تتوقع أن يتزايد الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد في الاتحاد الأوروبي على المدى البعيد، هذا في حال تم دمج المهاجرين مع قوى العمل. وهذه النقطة توضح تماماً اتجاهات أوروبا بالنسبة لاستقبال اللاجئين وسط التوقعات أن يتم استقبال الملايين خلال العام المقبل 2016.
وبالعودة إلى “ماريو دراجي” محافظ البنك المركزي الأوروبي، فقد أكد بأنه “من السابق لأوانه تحديد إلى أي مدى يتعيّن زيادة عجز الحكومات من أجل الاستثمار في هذه التنمية”، قاصداً تنمية الموارد من خلال اللاجئين، وأكد المشرعون في الاتحاد الأوروبي بأن ليس لديهم تحليل دقيق للمشكلة، لكنهم يقومون بدراسة ذلك.
الاستثمار في الشباب هو الانجع!
في الحقيقة، تعتبر الدول الاستثمار في الموارد البشرية الشابة أمر هام جداً، وبحسب بعض المصادر الخارجية غير الرسمية، تتم ملاحظة بأن قبول الهجرة أو قبول الإدخال يكون أكثر سهولة لمن لديهم أعداد من الأطفال أو من الطلاب ذوي التحصيل العلمي، وهذا يرتكز على حقيقة أن الاستثمار في الموارد البشرية لدعم اقتصاد اي دولة يكون من خلال الاستثمار في الشباب.
بالفعل، كانت كلمات “ماريو دراجي” واضحة جداً عندما قال ” سوف يخرج الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو أقوى لاحقاً”، خصوصاً في وقت يشهد فيه العالم عامة ومجموعة اليورو خصوصاً ضغوط اقتصادية هائلة تجعلها بحاجة لدفعات اقتصادية جديدة.
لكن تكمن المشكلة بالنسبة للمسؤولين حالياً في توفير الأموال الكافية لهذا “الاستثمار” إن صح التعبير، فقد يكون هنالك جانب إنساني بحسب بعض المسؤولين، لكن تشير جهات أخرى إلى أن الجانب “الإنساني” لا يتم إخذه عندما يتم الحديث عن الاقتصاد الرأس مالي الذي يتصّف في العنف والشدة في تركيز الذات من خلال الاستثمارات التي تفيد على المدى البعيد.
وبحسب كلام “ماريو دراجي” فإن زيادة العجز الحكومي هو أصل توفير أموال هذا “الاستثمار” الأوروبي الجديد، لكن على ما يبدو، فتوقعات استقبال أعداد هائلة أخرى من اللاجئين خلال الفترة المقبلة تعطي إجابة واضحة على أن أوروبا حالياً قررت فعلاً الاستثمار في العنصر البشري.
ما هي التوقعات المستقبلية للاقتصاد الأوروبي في ظل هذا الاستثمار الجديد؟
بداية، نود الإشارة إلى أن كلمة “استثمار” ليست إلا وصف اقتصادي وليس وصف للحالة التي يعيشها الكثير من اللاجئين، ونعتذر عن استخدام هذه الكلمة، إلا أنها الكلمة الاقتصادية المناسبة وكلمة استخدمها “ماريو دراجي”. لكن في عالم الاقتصاد ليس هنالك رحمة ! ونحن نتحدّث الآن عن الاقتصاد ونخفي مشاعرنا ونحتفظ بها تجاه ما يحصل، ليتسنّى لنا المجال للنظر إلى الحقائق الاقتصادية التي بنيت على تصريحات حقيقية من المسؤولين في أوروبا إلى جانب التاريخ الاقتصادي.
الاستثمار في الموارد البشرية أمر معروف في كل دولة في العالم، فالعنصر البشري هو الأهم في الاقتصاد، إذ أنه هو الدخل وهو الاستهلاك وهو الإنفاق. لذلك، القوى العاملة المتوقعة في أوروبا سوف ترتفع خلال الفترة المقبلة، كما إن الاستهلاك سوف يرتفع والاستثمارات سوف ترتفع، وهذا يعطي نتيجة واحدة جلية فقط، وهي تحسّن الاقتصاد الأوروبي وأن يصبح فعلاً أكثر تماسكاً.
ولكن متى سوف تظهر بوادر الاستفادة من هذا الاستثمار الأوروبي الجديد ؟
الاستثمار في الموارد البشرية تظهر نتائجه في العادة على الأنظمة الزمنية طويلة الأمد، لكن في حالة اللاجئين، تظهر النتائج بشكل أسرع، وذلك لأن اللاجئين يضمون شباباً قادرين على العمل وأرباب أسر قادرون على الإنفاق. من هنا، قد يبدأ التحسّن في الظهور اقتصادياً على المدى القصير خلال العام المقبل، لكن التأثير الأكبر سوف يكون على المدى البعيد خلال السنوات العشر القادمة.
أمثلة تاريخية
تاريخ الاستثمار في الموارد البشرية وإدارتها بدأ منذ 200 عام مضت، أي منذ عصر الثورة والنهضة الصناعية، حيث بدأ التفكير في العنصر البشري العامل كلبنة أساس اقتصادي. نشأت على شكل وجود إدارات خاصة في الموظفين في الشركات تعنى بإدارتهم وتعتني بهم.
لكن بالتأكيد، العناية في العنصر البشري التي بدأت منذ قرنين من الزمن كانت تهدف لرفع الإنتاج في الشركات.
بريطانيا هي الدولة الأولى التي عنيت في الاستثمار في الموارد البشرية بصورة أقرب ما تكون إلى الاستثمار، حيث بدأ ما يسمّى في الثورة الصناعية هناك، ثم انتقلت إلى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية. أدت الثورة الصناعية إلى تحسين المستوى المعيشي في الأرياف بسبب ارتفاع الدخل للعاملين، إلى جانب أن ذلك سبب اتجاه الاستثمارات إلى الصناعة بعد الثورة الزراعية أيضاً.
ساهمت الثورة الصناعية في تحسين وتنشيط النظام الاقتصادي في كل دولة بدأت بها، ورغم المعارضة التي لاقتها بسبب عدم استفادة العمّال مثل أرباب العمل، إلا أن ما لا شك فيه هو أن الاقتصاد الرأس مالي بدأ في الازدهار، وقد وصلت بريطانيا إلى حد أغنى دولة في العالم، حيث أن الإيرادات تخطّت الـ 800 مليون جنيه إسترليني عام 1914.
النتيجة
تستثمر الدول الأوروبية حالياً في العنصر البشري، وهذه المرّة من خلال زيادة أعداد الفئة القادرة على العمل، وتأكيدات “ماريو دراجي” والمسؤولين في أوروبا أطلقوا على أزمة اللاجئين مسمّى “استثمار” .
المصدر : وكالات