سينسيريا – خاص:
جاء عنوان «التنمية من أجل الدفاع» لرسم ملامح السياسة الاقتصادية كاستراتيجية تعمل الحكومة على تطويرها وتنفيذها، منطلقة في ذلك من أن التحدي الاقتصادي اليوم هو تحدي الدفاع عن الوطن، وهو تحدي رفد الجيش والقوات المسلحة بمتطلبات الصمود والانتصار، وهو ما كشف عنه وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية الدكتور همام الجزائري في لقاء حواري مع عدد من ممثلي وسائل الإعلام المحلية اليوم.
وتنطلق هذه الاستراتيجية الجديدة بحسب الجزائري من حقائق لابد وأن يعيها المواطن، وهي تشكل مفترق طريق لما وصلت إليه سورية قبل الحرب عليها، وما يجري اليوم على ساحتها، ومنعكسات ذلك وتأثيراته اقتصادياً وكيف تلقف المواطن تلك المنعكسات وبات يعيشها في كل لحظة من حياته المعيشية.
وقال الجزائري موصفاً مراحل التطور الاقتصادي الذي وصلت إليه البلاد منذ نهاية العام 2010، وقال أن سورية وقفت على عتبة الاقتصاديات الصاعدة سريعة النمو، لكن جاءت الحرب لتوقف تقدمها، كما جاءت سورية ثالث أقل دولة نامية في العالم في العام 2010 من حيث حجم المديونية الخارجية – وذلك وفق بيانات المديونية الدولية للبنك الدولي، جاءت بعد إيران والجزائر وكلاهما منتج كبير للغاز.
ويابع قائلاً: كما وقفت سورية غير مرتهنة في قرارها الاقتصادي للمؤسسات المالية، فكان ذلك تحدي كبير ربحته سورية في العقود الماضية، وكان استقلال القرار الاقتصادي جزء لا يتجزأ من استقرار القرار السياسي، وفي العام 2010، قامت سورية على شبكة واسعة من البنى التحتية الشاملة للخدمات التعليمية والصحية التي انتشرت وتعمقت على مساحة البلاد في الريف والمدينة، وكان خير دليل عليها عند قياسنا اليوم لحجم الأضرار الناتجة عن الأزمة فنذكر أكثر من /5000/ مدرسة تضررت وأكثر من /70/ مشفى متضرر وعدة مئات من المراكز الصحية منتشرة على مساحة الوطن.
وفي العام 2010 تحقق تطور كبير في البنية الصناعية والإنتاجية في سورية، فبرزت مدينة الشيخ نجار في حلب وعدرا وحسياء الصناعية، وهي مدن صناعية صاعدة تنافس الإقليم في الإنتاج ودخول الأسواق الدولية في الصناعات النسيجية والهندسية والكيميائية والدوائية، كما برزت مناطق صناعية واعدة تصدر لدول العالم المنتجات المعدنية والبلاستيكية ويبرود مثال قوي لها، فتعززت البنية الزراعية والسلة الزراعية واستقرت الاستقلالية الوطنية المرتكزة على تأمين متطلبات الأمن الغذائي والدوائي ذاتياً.
وكذلك حققت سورية أيضاً تقدماً كبيراً في الصناعات العسكرية على المستوى الهندسي والتكنولوجي والكوادر البشرية والخبرات المحلية وكان هذا التطور محور استهداف واضح منذ بداية الأزمة لقدراتنا ومواردنا وخبراتنا الوطنية التي نعتز بها، ولهذه الأسباب التي ذكرها الجزائري، وبين غيرها من الأسباب، جاءت الحرب على سورية للنيل من استقلالية القرار الاقتصادي، وللنيل من مقومات النمو والإنجاز الاقتصادي، واستقلالية القرار السياسي ومقومات الصمود والمقاومة.
وأكد وزير الاقتصاد أن حدة الأزمة وصلت إلى أعلى درجاتها وذروتها خلال الفترة منتصف 2012 – خريف 2013، حيث تضررت المناطق الريفية التي استوطنت فيها الصناعات وتضررت الآبار النفطية وتقطعت أوصال النقل والانتقال بين المحافظات، كما تضررت البنى التحتية والصناعية والزراعية وتراجع الناتج المحلي الاجمالي بنسبة تجاوزت /20%/ في العام 2012 و/30%/ في العام 2013.، فكانت حرباً قاسية جاءت لتنال من مقومات الصمود الاقتصادي.
ويوضح الجزائري: منذ خريف العام 2013 ومع استعادة الجيش والقوات المسلحة زمام المبادرة وتأمين خطوط النقل والانتقال وزيادة مساحة الأمن والأمان برز التحدي الاقتصادي مكوناً من مكونات الصمود والانتصار، فكانت الأرض المزروعة والمعمل الذي يعمل مكوناً حاسماً لتثبيت انتصارات الجيش وعاملا” دافعاً لتعزيز الصمود، فإذا كان التحدي أمام الحكومة في ذروة الأزمة ارتكز على تأمين السلة الغذائية والاستهلاكية والدوائية للمواطنين استيراداً للتعويض عن تضرر سلاسل الإنتاج وتعطل القدرات الإنتاجية، فمع عودة الإنتاج أصبح التحدي يرتبط بالتعافي واستمرارتيه وتوسعه.
وإذا كانت مقولة “السياسة هي فن ممكن” تصلح في السياسة على حد قول الجزائري، فشرح كيف ترتبط هذه المقولة بقضية الإصلاح الاقتصادي والنمو، حيث بدأ ذلك في فترة ظهرت فيها مؤشرات وملامح التعافي وخاصة في قطاع الصناعات النسيجية بصفتها الأكثر مرونة لإعادة التشغيل ولارتكازها على الورشات الصغيرة والمتوسطة (التي أصبحنا نشهدها في الأقبية، والحارات داخل المدن) – تبعتها الصناعات الغذائية الصغيرة وبعض الصناعات المكملة، وفي هذه الفترة تلقفت الحكومة هذه الإشارات فتبنت سياسة اقتصادية تقوم على تعزيز مقومات التعافي للصناعات الصغيرة والمتوسطة، كذلك تعزيز سبل استمرارية هذا التعافي.
وهنا وعلى حد قول وزير الاقتصاد برز تحولاً مهماً في السياسة الاقتصادية، تمثل بالانتقال من أولوية تأمين السلة الاستهلاكية (استيراداً) إلى أولوية تأمين السلة الإنتاجية (محلياً)، كما تبنت الحكومة تدريجياً الحماية التجارية لحماية صناعتها الناشئة (التي تتعافى) وتناولت عدداً من القطاعات الرئيسية في برامج التسهيلات والدعم، فاتخذت إجراءات عديدة أهمها: تسهيل دخول المواد الأولية ومستلزمات الإنتاج وتمويلها عبر مصرف سوريا المركزي خفضاً لتكاليف الإنتاج ودعماً للتصنيع المحلي، كما تم تعزيز الاستثمارات في المؤسسات العامة الارتكازية الصناعية والزراعية (المؤسسة العامة للدواجن) والإنشائية، فعودة القطاع العام الإنتاجي لم تكن عودة طارئة فرضتها الأزمة، وإنما خيار استراتيجي لدعم البنية الصناعية الارتكازية في سورية، فأعيد الاستثمار العام ترميماً وتوسعاً في الصناعات الهندسية كصناعة الكابلات والأبراج الكهربائية والصناعات الكيميائية وخاصة الأسمدة والصناعات الغذائية والنسيجية، بالإضافة إلى ذلك تم تعزيز دور مؤسسات التدخل الإيجابي لضبط الأسعار (أزمة السكر 170 ل.س وتم بيعه بـ 120، والآن 135 ل.س) في الأسواق وهذا تطلب استثمارات جديدة في القدرات التخزينية، خاصة من خلال تفعيل دور الشراء من المنتجين المحليين.
أما التحدي الأكبر للحكومة والأساسي بحسب الجزائري تمثل بالتحدي الطاقوي واستمرارية توفير الطاقة، لذلك فقد تبنت الحكومة خيارات استراتيجية حاسمة أهمها:
تصحيح أسعار المشتقات النفطية نحو البيع بالتكلفة لتحقيق القدرة الذاتية على استيرادها وبيعها وإعادة استيرادها. فسوريا تحولت من منتج للنفط إلى مستورد للنفط بفعل الأزمة والاستهداف الممنهج للبنية الطاقوية، وإعادة تدوير جزء من الوفر الناتج عن تصحيح الأسعار لصالح الجيش والقوات والمسلحة وتعزيز مقومات الأمن والأمان.
كما تبنت الحكومة خيار تعزيز قدرة الدولة ليس فقط على الاستمرار في دفع الرواتب والأجور وكثيرين من راهنوا على توقف الدولة عن دفع الرواتب – بل أقرت زيادة على شكل تعويض معاشي ارتبط بتعزيز الموارد والحاجة للدولة وتصحيح الخلل الحاصل بين الدخول والأسعار، كما أقرت الحكومة بنية جديدة لدعم الإنتاج والتصدير، وأصبح الإنتاج والتصدير الحامل الرئيسي للاقتصاد الوطني والمصدر الرئيسي للقطع الأجنبي. فأقرت الحكومة حزمة من البرامج الداعمة للإنتاج والتصدير وهي: إطلاق القروض الإنتاجية بعد إيقاف القروض عبر المصارف العامة مع بدء الأزمة، وتوجيهها لصالح المطارح الإنتاجية الزراعية والإنتاجية (كالبيوت البلاستيكية، المداجن، المباقر وتربية الأبقار، الأشجار المثمرة، بردات التخزين).
كما أقرت هيئة دعم الإنتاج والتصدير ورصد موارد ذاتية وموارد من الموازنة لدعم الإنتاج ذو الأولوية وتعزيز القدرة على التصدير بمنح دعم يتراوح بين 4 – 10 % يدفع على شكل فواتير طاقوية وضرائب وتأمينات اجتماعية، وتم تحديد الأولوية للإنتاج الزراعي والصناعات الزراعية، وإقرار هيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة مهمتها تحديد الأنشطة ذات الأولوية بالدعم وآلية الدعم الملائمة: تستهدف ترميم سلاسل الإنتاج في الصناعات البلاستيكية والغذائية وصناعة المفروشات، إلى أنه تم تناول الصناعات قطاعياً لتسهيل آليات العمل وإعادة هيكلة الإطار الإداري الناظم لها- الصناعات الدوائية مثالاً، فصاحب العام 2014 تحولاً في الاتجاه السلبي لمعدل نمو الناتج المحلي الإجمالي وانعطف إيجاباً وجاء بنمو وصل إلى 1% مقارنة مع العام 2013.
وأكد وزير الاقتصاد أنه في العام 2015 ومع تعزز مقومات التعافي الاقتصادي برزت تحديات إضافية تمثلت بإغلاق المعابر الحدودية أمام صادراتنا، فتضررت الصادرات وتضرر الإنتاج وتم التعبير عنه بتراجع كبير لأسعار بعض المحاصيل الزراعية مخلفة خسائر للمنتجين فكان حتمياً علينا التشدد في ترشيد الاستيراد وحماية الإنتاج المحلي والإسراع ببرامج المشاركة في تكلفة الشحن للمحاصيل الزراعية والصناعية الأكثر انكشافاً وعملنا على تطوير حلول للشحن البحري والجوي للوصول إلى الأسواق التصديرية لمنتجاتنا.
ويوضح الجزائري أنه وبالتوازي كان على الحكومة العمل الحثيث على فتح أسواق واعدة لمنتجاتنا لتكون الحامل الاقتصادي البديل فكان العنوان روسيا ودول الاتحاد الأوراسي – وهذا يتطلب عملاً دؤوباً فنياً وسياسياً؛ وتم الوصول إلى قناعة بأن التركيز يجب أن يقوم على العراق والجزائر وروسيا لتشكيل رافعة قوية ومستمرة لنمو إنتاجنا وصادراتنا.
وقال وزير الاقتصاد أن النقاش الطويل حول ترشيد الإنفاق لن يقودنا بعيداً ولا بد أن نكون حاسمين في تعزيز مقومات الاستمرارية الاقتصادية والتجارية لتحقيق النمو وتوسيع دائرة التنمية فهي الطريق الوحيد لدعم جيشنا وتعزيز موارده وتلبية متطلبات الجندي السوري وتحسين مستوى المعيشة لذوي الدخل المحدود.
وأكد الجزائري إن المعركة التي تخوضها سورية اليوم هي معركة الدفاع عن استقلالية قرارها السياسي وهي معركة لحماية استقلالية قرارها الاقتصادي وارتهانها للمؤسسات الدولية ولدينا القدرة للاعتماد على الذات وعلينا الاستفادة منها وتنميتها لنكون دائماً شريكاً اقتصادياً ندياً بين الاقتصاديات الصاعدة ومعها.
وفي الختام أكد وزير الاقتصاد إلى أن السيد الرئيس بشار الأسد كان أشار في كلمته أثناء لقائه مع الفعاليات الاقتصادية والنقابية بأن «النافذة مفتوحة للنمو الاقتصادي وتحسين المستوى المعيشي» وهي دعوة لنا جميعاً للتكامل في تحسين مواردنا الاقتصادية وتعزيزها للالتفاف حول جيشنا لنقول أينما وجدنا: أدركنا أننا هنا نعمل من أجل إخوتنا في الجيش والقوات المسلحة ومن أجل أهلهم وذويهم من أجل انتصار الوطن.