عودة رأس المال الوطني استثمار ناجح أم إثبات ملكية ؟؟

سنسيريا – بارعة جمعة
وسط الأحداث المتعاقبة التي مرت على البلاد، ابتداءً بالحرب على سوريا، وانتهاءً بالعقوبات الاقتصادية عليها، التي أثقلت كاهل الحكومة والشعب، بدأت ملامح التعافي و الانفتاح تظهر شيئاً فشيئاً على أنشطة بعض الشركات الراغبة بالعودة والاستثمار مجدداً، لا سيما بعد تكيف عالم الأعمال مع قانون “قيصر” من خلال تأمين البدائل في مستلزمات الإنتاج والأسواق.
كما كان لخبر منح مديرية حماية الملكية التجارية والصناعية في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك قرابة (6787) طلب تسجيل محلي لحماية العلامات التجارية خلال نصف عام، والذي أكد الإقبال الكبير من الشركات على حجز اسم للاستثمار مستقبلاً، نوعاً من الأمل والتفاؤل بمستقبل الاقتصاد السوري.
وللوقوف على أهمية عودة الشركات للاستثمار المحلي، والتسهيلات المقدمة من قبل الجهات المعنية في التجارة الداخلية، وتحليل واقع الاقتصاد ومستقبله، التقينا العديد من المعنيين والخبراء الاقتصاديين.
تسهيلات وحمايات
لعودة هذه الشركات دلالة مهمة على الانتعاش الاقتصادي والانفتاح الكبير للعمل، هذا ماعبر عنه مدير حماية الملكية في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك “شفيق العزب” من خلال تأكيده بأن التاجر السوري أحق من غيره بالعودة والمشاركة بالبناء، وبأن التنوع الكبير في نشاط الشركات المسجلة شمل “مواد غذائية، تطوير عقاري، ومواد البناء” وكل مايخدم عملية إعادة الإعمار.
وأشار “العزب” الى أن التاجر السوري لم تعيقه الحرب، ولم يلجأ للانطواء على نفسه، بل استمر في العمل، واستطاع اثبات نفسه في الخارج، وبأن مصير رأس المال المغترب هو العودة للبلاد.
وعن الفائدة المرجوة من تسجيل العلامات التجارية أوضح “العزب” أن المنح هو حجز مكان للاستثمار مستقبلاً في البلاد، وبالتالي يتوجب على حماية الملكية أن تأخذ دورها في حماية حق التاجر من قرصنة علامته أو تقليدها، والرسوم العائدة من التسجيل ستسهم في زيادة ايرادات صندوق المديرية.
وأرجع “العزب” التحسن في أعداد المنح الى التسهيلات المقدمة في العمل، فبينما كانت تستغرق العلامة حوالي 6 أشهر للقبول أوالرفض، أصبحت اليوم ولأول مرة في تاريخ حماية الملكية تستغرق 48 ساعة، ومن ثم تستكمل الاجراءات الأخرى بالنشر، في حين بلغ عدد الشركات التي تم منحها شهادات تسجيل 13 ألف علامة، و6000 علامة تجديد ضمن العام الفائت.
تصحيح المسار
للمراسيم والتشريعات الصادرة مؤخراً دور كبير في تشجيع الشركات للعودة الى مسار العمل، كما كان للقانون رقم /36/ لعام 2021م، القاضي بمنح الشركات فرصة توفيق أوضاعها وفق أحكام المادة /224/، والقانون رقم /29/ لعام 2011م وتعديلاته، دور بدفع بعض الشركات للمساهمة بالعملية الاقتصادية، وتنظيم عملها بما يتناسب مع المرحلة الراهنة من وجهة نظر الدكتور والخبير الاقتصادي “زكوان قريط“، مؤكداً الى أن ذلك سيسهم بدفع عجلة الانتاج والاقتصاد قُدماً، لوضع هذه الشركات على السكة الصحيحة، في ظل القوانين الأخيرة الناظمة للعمل، وخاصة قانون الاستثمار الجديد.
كما تشكل هذه المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر “رافع اقتصادي” مهم، يحمل الاقتصاد ويدعمه من أجل النهوض به برأي “معتصم حيدر” دكتوراه في الاقتصاد، مما يؤثر ايجاباً على سعر الصرف، وزيادة دخول الأفراد، والقضاء على التضخم، فالنمو سينعكس بالفائدة على الجميع برأي “حيدر” على مبدأ “اذا جارك بخير، انت بخير”، مشيراً الى أن هذه الفائدة مرتبطة بالدور الحكومي، من خلال تقديم التسهيلات، وتأمين الخدمات للمنتجين للعمل، وتحقيق الربح، واصفاً هذه العملية بالروابط الأفقية والدائرية التي تنعكس على الاقتصاد ككل.
المناخ الاقتصادي
لا شك أن الانفتاح الاقتصادي القادم باتجاه سوريا هو السبب الكامن وراء هذا الاقبال، الا أنه من الضروري الانتباه الى أن هذا التحسن مرتبط بالورقة السياسية التي ستأخذ وقتها حكماً، هذا ما أكد عليه الخبير الاقتصادي “عامر شهدا” مبيناً أن إعطاء تراخيص دون معرفة حجم الاقتصاد، يؤدي الى مشاكل كبيرة أهمها “التهرب الضريبي“.
وبيَّن “شهدا” أن عملية منح التراخيص تحتاج سياسة نقدية مضبوطة، وتأمين بنى تحتية وتمويلات لتقوم الشركات بعملها، وكل ذلك مرتبط بالسياسات النقدية التوسعية. مشيراً الى أن الواقع الاقتصادي يفرض على هذه الشركات أن تكون “مساهمة“، من أجل امتصاص الكتلة النقدية الفائضة بالسوق، وتشكل بدورها أداة لمعالجة التضخم.
كما أوجب “شهدا” ضرورة وجود تناغم بين وزارة المالية، ووزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، وغرف التجارة لاستثمار هذه الشركات، بما يخدم الاقتصاد والسياسات المالية والنقدية.
اقتصاد تخيلي
لتعاظم وجود الشركات دون الإلتفات للوضع الاقتصادي وتحليله، ووضع خطة لمعالجته سيجلب الفوضى حتماً، من وجهة نظر “شهدا” وبالتالي كل نشاط ضمن هذا الاقتصاد يعتبر “وهمي“، يخدم أشخاص معينين، ولايخدم الاقتصاد الكلي.
وفي ختام حديثه أوضح “شهدا” أن تعدد الشركات في أي دولة يلزمه رقابة لأعمالها، تفادياً لدخولنا بمعادلة الاستيراد والتصدير الوهمي، لأنه بكلتا الحالتين يؤدي لخسارة كبيرة بالخزينة العامة، إضافة لمشاكل اجتماعية.
ووسط هذا الجدل الكبير، يقف المواطن السوري بانتظار الانفراجات الاقتصادية المرتقبة، ومدى انعكاساتها على واقعه اليومي، آملاً سد احتياجات السوق بالمنتج المحلي، الذي باتت كافة الأسواق تفتقده.