عندما يصبح «الكاش» سيد المعاملات التجارية.. ما هي الآثار السلبية الاقتصادية المتوقعة على «البائع والمستهلك»..؟
سينسيريا ـ وسيم وليد إبراهيم:
في ظل تضخم الأسعار الذي فرض نفسه على الاقتصاد الوطني وازدياد وتيرته يوما بعد يوم نتيجة الأحداث المؤسفة التي تمر على الوطن بدأت الحلقات التجارية بدءا من المورد أو الذي يملك المواد الأولية إلى المصنع إلى تاجر الجملة أو المفرق تبحث عن الآمان والسلامة في تعاملاتها التجارية من بيع أو شراء، فأصبحت معظم المعاملات التجارية التي كانت تجرى سابقاً عن طريق عقود وسندات وأخذ ورد تحدث بشكل فوري ونقدا «كاش» وربما دون تأمين.
وبالطبع أثر ذلك على العجلة الاقتصادية التي أصبحت تدور ببطء شديد وزاد في بطئها ما فرض من عقوبات اقتصادية على الاقتصاد الوطني بالإضافة إلى تغلغل تجارة الأزمات من بعض ضعاف النفوس والذين أخذوا باستغلال صعوبة تامين بعض المواد الأساسية وأخذوا برفع أسعارها والأمثلة على ذلك كثيرة، وبالطبع فإن كل العوامل السابقة أدت إلى انخفاض القدرة الشرائية لدى معظم الموظفين وعدم ملائمة ارتفاع الأسعار مع راتبهم الشهري، ومن المعروف سابقاً أن معظم المواطنين كانوا يلجؤون في شراء حاجياتهم الضرورية التي تحتاج إلى مبالغ طائلة وكبيرة إلى الشراء بالتقسيط، بالطبع كان ذلك سابقاً أما حالياً فنتيجة الظروف الراهنة فإن هذا الأمر لم يعد يُعمل به لدى معظم الوكالات وتجار الجملة أو حتى المفرق، مما أثر على المواطنين وخاصة ذوي الدخل المحدود بالإضافة إلى أصحاب الوكالات والتجار أيضاً.
عدم تحفيز الطلب وتراكم المخزون السلعي
أحد الخبراء أوضح لـ”سينسريا” أن ظاهرة البيع بالتقسيط موجودة في كل أرجاء المعمورة وحتى الدول المتقدمة تعمل بها، لأنها حالة مهمة لتحريك اقتصاد أي بلد، وتعد حالة اقتصادية صحيحة جداً لأنها تسهم في تصريف البضائع المتكدسة في مخازن التجار فضلاً على أنها تساعد في استيراد أو إنتاج بضائع جديدة بأرباح مؤجلة.
ومن أهم الآثار المتمخضة عن إيقاف البيع بالتقسيط من جهة البائع والمنتج هو عدم تحفيز الطلب، إذ يعتبر هذا الأسلوب محفزا للطلب وخاصة في الفترات التي يزداد فيها الكساد، حيث يتمكن العديد من التجار والموزعين من زيادة وتنشيط مبيعاتهم والتغلب على مشكلة تراكم المخزون السلعي لأنهم يفضلون الربح على المدى البعيد على أن يخسروا تجارتهم بالكامل، كما تساهم بشكل كبير في زيادة فاتورة الواردات الإجمالية، حيث أن توسع البنوك في توفير القروض الاستهلاكية، وإتاحة تسهيلات التقسيط من الموردين والمنشآت تسبب في زيادة مقدرة المستهلكين على شراء منتجات معمرة مثل السيارات، مما يؤدي إلى ارتفاع طلب القطاع الخاص على استيراد المزيد من هذه المنتجات.
من جهة أخرى فإن إيقاف البيع بالتقسيط يؤدي إلى تناقص فرص الاستهلاك وتقليص مداه وأثره على الاقتصاد القومي، بحيث إن كل ما ينتج سوف يباع بمعدلات بطيئة، ويعمل هذا الأسلوب «البيع بالتقسيط» على إيجاد وسائل تنشيطية تمويلية لضخ وسائل دفع متنوعة تزيد من المعروض النقدي وتحقق الانتعاشة الدائمة والرواج المستمر وتغطية الآثار السلبية للدورة الاقتصادية، خاصة في أوقات الانكماش، والارتقاء بمستوى معيشة المواطن، ويحقق التوظيف الدائم لقوى الإنتاج بشرط أن تكون الأقساط مناسبة لدخل الفرد.
هيئة تحدد الأقساط الشهرية للفرد
وعلى حد قول الخبير، لا شك أن إيقاف البيع بالتقسيط سيكون ضحيته أصحاب الدخل المحدود، إذ يعد ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة من الأمور التي تثقل كاهل المواطن، إذ يقوم اغلبهم بدفع إيجار البيت فضلاً عن المصاريف الشهرية التي ليس لها أول ولا آخر، تكون عملية شراء الأجهزة المنزلية من كهربائيات وأثاث بالتقسيط أمراً قد يريح المواطن بغض النظر عن زيادة الأسعار التي يقوم بتحميلها التاجر على بضاعته والتي تدر عليه ربحاً وفيراً.
وفي ظل الظروف الاقتصادية الحالية يفرض التقسيط نفسه في بعض الأحيان، إلا أنه ليس حلاً جذرياً لجميع المشاكل المالية والمطالب الحياتية الملحة، لأن الإنسان متى ما اعتمد عليه فإنه لا يبقي له رصيداً ولا يوفر له حساباً، وإن بدا التقسيط في أول أمره الدواء السحري لما يستجد من حاجات قد لا تكون ضرورية أو يمكن تأجيلها حتى يتوفر المال الكافي.
لذلك لا بد من إنشاء هيئة مستقلة تكون لها فروع في مختلف المحافظات تقوم هذه الهيئة بتحديد نسبة معينة من دخل الفرد – كل فرد على حسب دخله- بحيث لا تتجاوز الأقساط التي سيدفعها الفرد هذه النسبة شهريا، وتصدر هذه الهيئة كمبيالة تكون لها أحكام تضمن حقوق التاجر وتنظم العملية بأكملها، وبذلك يتم التحكم في عمليات البيع والشراء بالتقسيط بشكل علمي وبضوابط يصعب التحايل عليها.
رأس المال مع مربح خير من أن يذهبا معا
أسامة يملك محلا تجاريا لبيع الأدوات المنزلية والكهربائية في ريف دمشق، يرى أن غياب التقسيط لا يعني تحسن مستوى المعيشة لدى المواطن واستغناءه عن التقسيط بل على العكس تماما، فلا يخفى على أحد أن معظم المحلات والوكالات التجارية التي تتبع نظام البيع بالتقسيط تقوم بإيقافه في نهاية كل عام من أجل إجراء عمليات الجرد والوقوف على الأرباح أو الخسائر، هذا سابقاً أما الآن فنجد معظم الوكالات والمحلات التجارية الكبرى أُجبرت على إيقاف نظام البيع بالتقسيط نتيجة الظروف الراهنة التي أثرت بشكل سلبي على الإنتاج وعلى التوريد وعلى التوزيع وعلى المبيعات أيضا، بالإضافة إلى تعطل الكثير من القوانين الخاصة بالتعاقد، فاليوم إذا أردنا أن نكتب سندات على شخص مقابل شرائه براد منزلي أو فرن آلي أو غيره من الأدوات المنزلية الضرورية فإن البائع لن يشعر بالطمأنينة لهذه السندات بالرغم من قانونيتها، وذلك لأن المواطن ربما لن يعود ثانية إلى البائع وبالتالي البائع خسر رأس المال والمربح أيضا، وبالطبع هذا الكلام ليس من فراغ بل حدث كثيرا، لذا معظم البائعين أوقفوا نظام البيع بالتقسيط واستبدلوه بالدفع المباشر ونقدا بالرغم من أن ذلك يؤثر على مبيعاتهم وربحهم ولكن أن تحافظ على رأس المال مع ربح قليل خير من أن يذهب الربح ورأس المال.
أما عن تأثير ذلك على المواطن قال أسامة: بالطبع المواطن تأثر كثيرا لأنه بحاجة إلى شراء معظم احتياجاته تقسيطا، فعلى الرغم من أنه كان يمحق بركة الراتب أو الدخل وربما يعرض المواطن للدين أو الغرامة أو السجن إلا أنه في نفس الوقت كان يساعد الأسرة على اقتناء ما كانوا يأملون اقتناءه، أما الآن فمعظم المواطنين لم يعد همهم أن يقتنوا الأجهزة الكهربائية إلا الضروري منها كالذي هو مشرف على الزواج أو إكساء منزل جديد أو غيره لأن المواطن أصبح يبحث عن لقمة عيشه في ظل ارتفاع الأسعار الذي تشهده الأسواق.
يذكر أن التجار اتجهوا إلى البيع بنظام التقسيط منذ فترة الانفتاح في السبعينات للاستفادة من الموجة الاستهلاكية التي نشأت جراء الانفتاح على الغرب وتوسع هذا النظام بشكل كبير في عقدي الثمانينات والتسعينات، فيما وجد هؤلاء التجار في السنوات الأخيرة في التقسيط فرصة هامة للتغلب على نقص المبيعات في السوق المحلي ومواجهة أزمة السيولة والركود بحيث لم يكن هناك سبيل أمام الناس لشراء احتياجاتهم ولا أمام التجار لتصريف إنتاجهم سوى البيع بالتقسيط.