عناصر رقابة الأسواق يتلقون «الرشوة» ولكنهم رفضوها هذه المرة..!!
سينسيريا ـ وسيم وليد إبراهيم:
حملات متتالية تقوم بها وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك على الأسواق لضبط الأسعار ومنعها من الارتفاع، فما من يوم إلا وتنشر الصحف المحلية أو المواقع الإعلامية خبرا عن عدد الضبوط التموينية التي تنظمها دوريات التموين في الأسواق خلال فترة قياسية، حيث نظمت مديريات التجارة الداخلية وحماية المستهلك في المحافظات 3061 ضبطاً تموينياً بحق عدد من أصحاب الفعاليات التجارية خلال الفترة مابين الأول من تشرين الماضي والواحد والثلاثون منه أي خلال شهر واحد فقط، ومؤخرا أكد معاون مدير التجارة الداخلية وحماية المستهلك بدمشق “محمود الخطيب وجود مخالفات في الأسواق وأن انتشار المحال بأعداد كبيرة منع دوريات الرقابة من السيطرة على الأسواق كاملة.
القانون 14 للعام 2015 “فوض عناصر حماية المستهلك بسحب العينات العشوائية من المنتج حين الشك بوجود مواد منتهية الصلاحية وحجز البضاعة وسحب الكميات ومصادرتها”.
تموين دمشق أوضح أنه منذ بداية العام وحتى 15 / 11 / 2015 تم ضبط حوالي 12 ألف عينة مخالفة في دمشق فقط تشمل المواد والسلع الغذائية بكل أنواعها وقد بلغ عدد الضبوط 4200 ضبط وإغلاق 265 محلاً مخالفاً بدمشق من جراء تحليل عينات أو حيازة مواد منتهية الصلاحية ويتم أخذ العينات مختومة بالشمع الأحمر وترسل إلى المخبر لإجراء التحاليل وفي حال كانت المادة مطابقة للمواصفات يتم حفظ الضبط وفي حال المخالفة تحال الضبوط إلى القضاء بعد اتخاذ الإجراءات التي تكون على قدر المخالفة, فإذا كانت المخالفة جسيمة وتستدعي إغلاق المحال من 3 أيام إلى الشهر يتم ذلك حسب نسبة المخالفة, إضافة إلى غيرها من العقوبات الرادعة وغرامة مالية من 100 ألف إلى 600 ألف ليرة وتصل في بعض الحالات إلى 1 مليون ليرة و1,5 مليون, إضافة إلى السجن ستة أشهر مع إغلاق المحال مؤكداً أن القضاء هو الذي يفصل في ذلك.
ماذا يعني ارتفاع عدد الضبوط التموينية في أسواقنا؟
ولكن ماذا يعني هذا الرقم وهل هذه الضبوط حقيقية أي أنها حقا مخالفات في الأسواق؟، الجواب عن الشق الأول من السؤال ألا وهو ماذا يعني ارتفاع عدد الضبوط التموينية المنظمة في أسواقنا خلال فترات قصيرة جدا؟ هو أن ذلك يعتبر مؤشرا على ارتفاع نسب الغش والتدليس والمخالفات في أسواقنا، وسؤالنا هنا: لماذا لم يتم ضبط هذه المخالفات لحين هذا الوقت؟.. وهل كانت وزارة التجارة الداخلية تعلم بهذه المخالفات ولم تقم بحملات لضبطها؟، إذا الرقم هو مؤشر أيضا على ترهل عملية الرقابة التموينية على أسواقنا، وليس مؤشر على صرامة الرقابة، بل إن انخفاض عدد الضبوط التموينية المنظمة في اسواقنا هو دليل على أن اسواقنا ملتزمة بضوابط قانون التموين، وإن كثرة الضبوط تعني العكس، وبالطبع لا يمكن الأخذ بهذه الفكرة بشكل مطلق فقد تكون قلة الضبوط ايضا ناتج عن عدم وجود رقابة على الأسواق وبالطبع لا يمكن التفريط بعملية الرقابة على الأسواق كونها أساسية فليس كل البائعين سواسية وليس معظمهم يحترمون القانون.
لا مفر من الضبط.. والحق على الصحافة
أما الشق الثاني من السؤال وهو: هل هذه الضبوط حقيقية أي أنها نظمت بحق مخالفات واقعية ومنطقية؟.. الجواب هنا لن يكون على لساننا بل وفقا للكثير من التجار والباعة، باتت عملية كتابة ضبط التموين أمرا اعتياديا لعناصر التموين لدى دخولهم عند البائع وخاصة بائع المفرق وليس الجملة، فمثلا ذكر أحد تجار الألبسة لـ”سينسيريا”، أن مجموعة من عناصر التموين قامت بحملة على سوق مساكن برزة في دمشق، ودخل عليه عناصر التموين، ووفقا (للعادة المتداولة بين البائعين وبعض عناصر التموين) كان البائع يخرج مبلغاً من المال لعناصر التموين ليس كرشوة أو فساد منه بل كون عنصر التموين قادر على مخالفة هذا البائع حتى لو لم يكن لديه مخالفة!!، أما كيف ذلك فسيأتي جوابه في الأسطر القادمة، وتكملة للقصة، أخرج البائع مبلغا من المال لعناصر التموين ورحب بهم إلا أن عناصر التموين هذه المرة لم يرضوا بالمبلغ وقالو: (لا نستطيع تقاضي أي مبلغ من المال هذه المرة)، وأضاف أحد عناصر التموين للبائع: أتينا لتنظيم ضبط بحقك، فقال البائع: أي ضبط هذا، قال اعطينا فواتير عن البضائع، قال البائع لا يوجد لدي فواتير في كل البضائع حيث أن بائع الجملة لا يعطي فواتير لبائع المفرق كون المصنع لا يعطي الفواتير لبائع الجملة، أي أنه لا يوجد تداول فواتير في كل أنواع البضائع، وبالطبع هذا معروف لدى الجميع وليس الأمر بجديد، فقال عنصر التموين للبائع: إذا أعطنا بطاقة البيان لعدد من البضائع، أو سنختصر عليك الطريق سنكتب في الضبط عدم إظهار فاتورة قال البائع: أنا أملك بعض الفواتير والأخرى لم استطع الحصول عليها ، قال عنصر التموين: لا بد من كتابة ضبط تمويني بحقك وبحق معظم محالات الألبسة، لذا (سنخدمك) ونكتب ضبط عدم الإعلان عن الأسعار كونه أرخص انواع الغرامات عليه، وبالطبع البائع لا حول له ولا قوة فلم يكن له إلا أن يرضخ لهذا الأمر وكتب الضبط بحقه رغم أن هذه العناصر يرتادون بين الحين والاخر عليه ليأخذوا (الإكرامية) منه ولكن وفق قول احد عناصر التموين للبائع: (لا تلومنا بل الحق على الصحافة في ذلك).
لهذه الأسباب مخالفة أي بائع مفرق
أما الجواب عن أن عنصر التموين قادر على أن يكتب مخالفة بحق أي بائع حتى ولو كان نظاميا، فإنه من المعلوم أن في أسواقنا المحلية لا يوجد تداول للفواتير في جميع مراحل العملية التجارية، أي بدءا من المستورد أو المصنع ووصولا إلى بائع المفرق، وبالطبع ليس الحق على بائع المفرق هنا في عدم تداول الفواتير بل يجب على عناصر التموين أن تلاحق المصنع أو المستورد وتطلب منه الفواتير وليس من بائع المفرق، اما في حال عدم مطابقة السلعة لبطاقة البيان، فهذا يتحمل وزرها أيضا بائع المفرق، و”هنا قمة الاستغراب”، هل بائع المفرق هو المصنع لهذه السلعة حتى يخالف؟.. ولماذا لا يخالف من قام بتصنيع هذه المادة أو السلعة أو من قام باستيرادها ويلاحق بائع المفرق الذي اشتراها وفق بطاقة بيان معروضة عليها، هل لدى بائع المفرق مخابر لتحليل مدى مطابقة هذه السلعة لبطاقة البيان وهل قادر على فحص جميع القطع التي اشتراها من بائع الجملة أو من المصنع او المستورد؟.. بالطبع لا، إلا أن عناصر التموين أول من تخالف بائع المفرق وكأنه هو من قام بتصنيع السلعة وهو من قام بالتلاعب بمواصفاتها وتترك المصنع والمستورد؟، فهل هذا منطقي؟..نرى أن ذلك غير منطقي أبدا، إذ يجب تركيز الرقابة التموينية على منابع السلع وليس على فروع استهلاك السلع، فعندما يتم ضبط المنبع فإنه بطبيعة الحال تضبط الفروع الآتية من المنبع كون المنبع هو المغذي لهذه الفروع، إلا أن ذلك لا يحدث في أسواقنا، فالمطالبة بالفواتير وأخذ ضبوط العينات لا تكون إلا من بائع المفرق وليس من المصنع أو المستورد، وهذا هو خلل الرقابة لدينا.
وبالطبع لا تغني الرقابة على منبع السلع والمواد من الرقابة على فروع الاستهلاك أي بائعي المفرق والجملة، حيث قد تكون هناك بعض السلع منتهية الصلاحية أو يوجد شطط في الأسعار يجب ضبطه لدى بائعي المفرق، ولكن تبقى هنا عملية الرقابة أسهل بكثير، حيث تنحصر في أنواع محددة جدا من المخالفات.
قانون التموين الجديد..!!
ما نود الإشارة إليه في ختام حديثنا أن من المهم جدا أن يتم تطبيق قانون التموين الجديد بشكل واقعي ومنطقي وأن يتم الأخذ بروحه وليس بنصه 100%، وأن يكون مراعيا لهذه المسألة حيث أن حجة بائع المفرق لدى رفع سعره هي أنه اشترى السلعة مرتفعة السعر من بائع الجملة وحجة بائع الجملة هي أنه اشترى السلعة مرتفعة أيضا من المصنع أو المستورد، كما يجب أن يكون القانون منطقيا ويحاكي واقع اسواقنا، فليس من المنطقي أن يطالب تاجر بفواتير وليس في أسواقنا تدوال للفواتير لمعظم السلع، وليس من من المنطقي أن يطالب بائع المفرق ويغرم ويخالف لعدم مطابقة بطاقة البيان للسلعة كونه ليس هو المصنع لها، وهو ليس على دراية تامة كيف صنعت هذه السلعة، ومن المهم جدا وقف عمليات الابتزاز التي يقوم بها بعض ضعاف النفوس من عناصر التموين لبائعي المفرق وأن يتم التركيز على بائعي الجملة والمصنعين والمستوردين، وأن يتم التركيز في الرقابة أيضا على حاجيات المواطن الأساسية مثل النقل والتلاعب بتعرفته والتي أنهكت دخل المواطن وبات حائرا كيف يصل إلى مكان عمله والتركيز أيضا على السلع الغذائية والأدوية التي أصبحت تجارة علنية وكأنها كأي سلعة أخرى ترتفع وتنخفض على وقع سعر الصرف، فهل ركزت رقابة التموين على هذه الأمور؟.