دراسات و تحقيقات

ضعف الضمانات المصرفية جعلت المصارف “تندب” على أموالها المتعثرة.. فهل ستتعلم بعد هذه الصفعة؟

سينسيريا ـ وسيم وليد إبراهيم:  

قضية القروض المتعثرة التي لا تزال حاليا بين الأخذ والرد في الأروقة الحكومية لتحصيلها، حيث صدر العديد من القرارات التي سعت لتحصيلها سواء من حيث ما أعلنته المصارف العامة عن جدولة للقروض أو من خلال إحداث محكمة مصرفية في نهاية عام 2013 خاصة بالنظر بالدعاوى المتعلقة بتعثر الجهات الحاصلة على قروض بعدما كان ذلك من اختصاص المحكمة التجارية المدنية كما أنه تم إحداث منصب قاضي تحقيق مالي للنظر بالدعاوى المالية، وخلال العام الحالي أحدثت محاكم جنايات خاصة بالأمور المصرفية.

كما سعت إحدى المقترحات إلى التعاقد مع محامين لتحصيل القروض المتعثرة مقابل نسبة يحصلون عليها، واتجهت المصارف إلى بيع الضمانات ضمن مزادات، واقترح اتحاد المصدرين مؤخرا تشكيل لجنة حكماء للوقوف على أسباب التعثر والتمييز بين المتعثر المستمر في عمله والمتوقف عن العمل.

والشيء الغريب هنا أن معظم القروض المتعثرة تعود إلى ما قبل عام 2011 أي قبل بدء الأزمة في سورية، وهذا مؤشر على ضعف نظام الضمانات المصرفية في المصارف العاملة بسورية وفق ما أكده متابعين والذين اعتبروا أن الفساد في مسألة تقييم الضمانات أثناء منح القروض يعود إلى عدم وجود قواعد تقييم صحيحة، وخاصة إذا ما علمنا أن هناك نحو 650 شركة متعثرة و550 تاجرا غادروا البلاد بعد أن أخذوا قروضا بمليارات الليرات.

وكما ذكرنا أن المصارف العامة أعلنت عن جدولة القروض المتعثرة أكثر من مرة ولكن ما تم جدولته يعتبر قليلا مقارنة مع حجم التعثر، رغم إصدار قوانين ومراسيم تخص وتعفي من فوائد التأخير عن التسديد، مع الإشارة إلى أنه يوجد نحو 20 ألف متعثر في ثلاثة مصارف عامة وهي المصرف الصناعي والتجارة والعقاري، وخاصة إذا تم النظر إلى القروض المتعثرة بمنظور سعر الصرف، كما يبين أحد المسؤولين المصرفيين فإن المصرف يعتبر هو الخاسر الأكبر وفق هذا المنظور، وعدا عن ذلك فإن هناك شركات قامت بأخذ القروض وحولتها إلى دولار لكي تتاجر به.

ضعف نظام الضمانات المصرفية هو السبب

الباحث الاقتصادي الدكتور نضال طالب، لفت إلى أن ظروف الأزمة الراهنة التي تمر على سورية كرست قضية القروض المتعثرة وخاصة مع استغلال ضعاف النفوس لهذه الظروف وامتناعهم عن التسديد مشيرا إلى أنه كان من المفترض أن تقوم المصارف العامة بتشديد الرقابة والشروط أكثر على قضية منح القروض.

وأشار إلى أن القطاع المصرفي قبل الأزمة شهد حالات تهرب من تسديد القروض بسبب قضية الضمانات وعدم الاهتمام بما يضمن القرض بالشكل الكافي وقصور الدراسات اللازمة لمنح القروض بحيث لم يتم منح الوقت الكافي للدراسات المتعلقة بالقروض، فجاءت الأزمة وظهر التهرب من تسديد القروض والتزوير بوثائق الضمانات فكرست من هذه القضية.

وعن الحلول لفت الباحث الاقتصادي نضال طالب إلى ان الحلول في الوقت الراهن وفي ظل الظروف الحالية تعتبر ضيقة وصعبة ولكن يمكن إصدار قرارات بإعفاء المقترضين المتعثرين من غرامات التأخر في التسديد وإعادة جدولة القروض المتعثرة بشروط ميسرة أو إصدار قرارات بعدم محاسبة المقترضين المتعثرين الذين أخذوا القروض وغادروا البلاد في حال عادوا وقاموا بتسديد ما يترتب عليهم من التزامات مالية تجاه المصارف.

وأكد طالب أن السبب الرئيس للوصول إلى هذه المرحلة هو ضعف الأداء المصرفي قبل الأزمة وخاصة بما يتعلق بمنح القروض والضمانات المتعلقة بها سواء من حيث دراسة المقترض أو الضامن وقدرته المالية على التسديد.

ونوه إلى انه من الضروري عدم محاسبة كل المقترضين المتعثرين سواء، فالمقترض المتعثر الموجود داخل البلاد وهو قائم بعمله يختلف عن المقترض المتعثر الذي أخذ القرض وغادر البلاد، لذا من الضروري أن يتم تشكيل لجنة من أصحاب الشأن ودراسة كل حالة على حدا وبتجرد.

 إعادة الجدولة هو الحل الأمثل

الخبير الاقتصادي محمد عثمان كان له رأي أخر من حيث معاملة المقترضين المتعثرين، حيث أشار في تصريحه لـ”سينسريا” إلى أنه يجب أن تسير جدولة القروض المتعثرة على كافة المقترضين المتعثرين وبشكل سواء ولكن وفق فئات يتم وضعها ولك حسب حجم القرض وطبيعته، مشيرا إلى أن الحل الأمثل لقضية القروض المتعثرة هي إعادة جدولتها بشروط ميسرة منوها إلى أنه على الرغم من عدم إقبال البعض على الجدولة إلا أنه في نهاية المطاف ستأخذ المصارف حقها من المتعثرين وخاصة بعد استقرار الأوضاع في سورية.

ونوه إلى أن المحاكم المصرفية التي أحدثت لم تقدم الدور المرجو منها مشيرا إلى أن المصارف الخاصة لجأت إلى جدولة القروض المتعثرة ولكن وفق كل حالة على حدا، مؤكدا أن ظهور قضية القروض المتعثرة في سورية هو أمر طبيعي نتيجة الأزمة التي تمر حاليا وخاصة في ظل ما فرض من عقوبات اقتصادية جائرة على القطاع المصرفي في سورية، ولكن الحالة النادرة هي ما حدث في لبنان فعلى الرغم من الأحداث التي مرت سابقا على لبنان إلا أن المصارف لم تتوقف عن العمل وذلك كونها لم تتعرض لعقوبات اقتصادية كما حدث في سورية.

الزراعي: لا قروض متعثرة وسنعدل شروط الضمانات

مدير القروض في المصرف الزراعي التعاوني زيدان سعدات أوضح في تصريحه لـ”سينسيريا”، إلى أن المصرف لم يشهد حالات لقروض متعثرة ولكن كل الحالات التي شهدها هي تأخر في التسديد وشملت بالمراسيم والقوانين التي أصدرت مؤخرا، مشيرا إلى غياب تحصيل القروض المتعثرة في المناطق الساخنة بسبب توقف فروع المصرف مثل دير الزور والرقة، أما في المناطق الأمنة فأيضا هناك صعوبة في تحصيل القروض حيث أن 5% فقط من المقترضين ملتزمون بتسديد ما يترتب عليهم من تلقاء أنفسهم في حين أن النسبة البقية تحتاج إلى المطالبة الدائمة لكي يسددوا ما عليهم، وخاصة أن هناك بعض المقترضين يحصلون على القروض وينسون مواعيد الدفع.

وعن القروض الحالية التي يمنحها المصرف، قال سعدات أنها تشمل قروض الأسمدة والبذار من قمح وشعير بالإضافة إلى الشوندر السكري وخدمات الفروج، وبالنسبة للضمانات التي يطلبها المصرف من المقترض لكي يمنحه القرض، أوضح مدير القروض أنه بالنسبة للقروض القصيرة والتي يبلغ حجمها 2 مليون ليرة فتشمل ضمانة شخصية وكفلاء أثنين لديهم ملاءة مالية تغطي قيمة القرض ويتم التحقق منها، أما بالنسبة للقروض التي تزيد حجمها عن 2 مليون ليرة فإن الضمانة تشمل بيان قيد عقاري أو سند تمليك بحيث يتم التحقق منه أيضا عبر الكشف الحسي، مشيرا إلى أن المصرف الزراعي حاليا يقوم على تعديل الشروط والضمانات الخاصة بالقروض التي يمنحها.

ويطالب أصحاب القروض المتعثرة بأن يكون معيار التشدد بالملاحقة القانونية بين من هو داخل البلد ومن غادر وليس لاعتبارات التعثر من قبل الأزمة وبعدها لأن لكل مشروع خصوصيته واقتراح حلول متنوعة لهذه المشكلات وفق وضع كل مشروع وهذه الحلول مشابهة لحلول معتمدة في عدد من دول العالم.

وتجاوز حجم القروض المتعثرة في مصرف التسليف الشعبي 11 ألف قرض بقيمة مليار و600 مليون ليرة وتجاوزت قيمة دعاوى ملاحقة المقترضين في المصرف الصناعي 20.800 مليار ليرة وفي البنوك الأخرى أرقاما مشابهة بينما المبلغ الذي تم تحصيله فهو متواضع.

ويرى متابعون ضرورة معالجة هذه القروض بطريقة مدروسة تراعي ظروف كل منشآة وتركز على إعادة التشغيل بالدرجة الأولى بالنسبة للمنشآت المتضررة ومحاسبة كل من تورط بمنح قرض بكفالات ودراسة جدوى اقتصادية وهمية .

يشار إلى أن مصرف سورية المركزي كان قد عمم سابقا على وجوب ألا يتجاوز الموعد النهائي لاستكمال قيام المصرف “كل المصارف” بالإجراءات المطلوبة لملاحقة وتسوية الديون المتعثرة لديها نهاية عام 2016، مع عدم جواز تغيير هذا الموعد قبل حلول أجله.

بعد عرض السابق يجب التنويه على أنه من الضروري جدا ان تقوم المصارف العامة بتعديل نظام الضمانات لديها وخاصة مع بدء منح القروض التشغيلية بحيث لا تقع في نفس الفخ مرة أخرى وتتحول هذه القروض إلى متعثرة، وخاصة مع انتشار التزوير في الوثائق التي تتعلق بالملكية وما شابه، فإذا عرف السبب بطل العجب، لذا يجب معالجة سبب القروض المتعثرة وهي الضمانات المصرفية ودراستها بشكل دقيق.

اظهر المزيد