شركة تتلاعب بالسوريين.. بونات بـ55 ألف ليرة تتيح لك الدخول في لعبة الأرباح الخيالية
دمشق – سينسيريا:
قال رسول اللـه صلى اللـه عليه وسلم: «الحلال بيّن، والحرام بيّن، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام».
تأسيساً على هذا الحديث الشريف أفتى أمين الفتوى في وزارة الأوقاف الدكتور علاء الزعتري، في وقت سابق بأن «التسويق الشبكي صوره وأشكاله، ومختلف تسمياته كافة، وبعيداً عن نوع السلعة، أو الخدمة التي يروج لها، يعد من الغرر والجهالة والتدليس المنهي عنها، ويقود في نهاية المطاف إلى الميسر (القمار)».
وجاء في نص الفتوى أيضاً: «توجه المسوق لمنتجات الشركة نحو الترويج الملح بإبراز قضية المكافأة المغرية، بحيث يحلم بالأرباح والأرقام، بصرف النظر عن السلعة أو الخدمة موضوع التسويق، وبذلك يكون الحافز على الشراء مادياً هو (المغنم) وفي ذلك شبهة القمار».
وجاء أيضاً: «لا يحقق التسويق الشبكي التنمية الاقتصادية من المنظور الإسلامي، بل يحقق بيئة استهلاكية، وبطالة مقنعة تستنزف نسبة عالية من الأموال والجهود والأفكار والأوقات، كان يمكن توجيهها إلى مشروعات استثمارية تشغل العاطلين من العمل».
إلا أن الآلاف من المواطنين وجدوا في مخالفة تلك النصوص ملاذاً من ظروف الحرب القاسية، فتأمين مستلزمات العيش الأساسية، بأقل جهد ممكن، كان هاجس الآلاف، فكانوا فريسة سهلة أمام شبكات التسويق الشبكي، أو الهرمي، والأشكال المشتقة منها، مع بعض الاختلاف، والتي تعتبر كلها أشكالاً لمخططات بونزي الاحتيالية، نسبة إلى الإيطالي كارلو بونزي الذي اشتهر بجمع الأموال في أميركا بداية القرن العشرين، وحديثاً اشتهر المصرفي الأميركي برنارد مادوف في عملة احتيال كبيرة في سوق المال الأميركية باستخدام مخططات الاحتيال الهرمي «بونزي».
وفي أسواقنا يتخفى أكثر من بونزي ومادوف، لاستغلال حاجة الناس لأي مصدر دخل، من أجل جني الثروات، مما يسمى التسويق الهرمي، الممنوع قانوناً في أكثر من دولة، علماً بإمكانية استخدام هذه الشركات من دول أجنبية لأهداف كالتجنيد، في مراحل متقدمة.
ولعل أشهر تلك الحالات، ما انتشر منذ سنوات باسم شركة «كيو نت»، التي نصبت على الآلاف من المواطنين من خلال التسويق الشبكي، ولا يزال ملف الشركة في القضاء يرفد بشكل متواصل بأعداد جديدة من الشكاوى التي تجاوزت المئة، دون حسم حتى الآن منذ أكثر من عام.
يجري في المنطقة الحرة بدمشق
لوحظ في الآونة الأخيرة دخول أعداد كبيرة من الزوار إلى إحدى الشركات الجديدة، وبشكل لافت للنظر، إذ تصل إلى المئات يومياً. وبمتابعة الأمر علمنا بوجود شركة حملت اسم المركز السوري للتجارة والتوزيع، بعدما كان اسمها «ثري نت» الذي يشير إلى علاقتها بالتسويق الشبكي.
تستخدم هذه أسلوب البيع المباشر، والتسويق متعدد المستويات، معتمدة على أسلوب التجنيد في إعداد شبكات لبيع منتجاتها، ومنتجات غيرها، مقابل عمولات هرمية للعملاء، الذين قارب عددهم عشرة آلاف عميل حتى تاريخه.
وهذا ما يشبه من حيث الشكل التسويق الهرمي أو الشبكي الممنوع في سورية، إلا أسلوب البيع المباشر يعتبر مثار جدل واسع في العالم، إذ يقف الكثير من خبراء التسويق في العالم ضد مفهوم البيع المباشر لكونه يعتمد التجنيد، ولكونه شكلاً من أشكال مخططات الاحتيال، على حين يروج له بعض المسوقين على أساس أنه أسلوب مختلف عن التسويق الهرمي والشبكي.
كما تعتمد الشركة على نظرية ماسلو للحاجات البشرية، من خلال تركيزها على موضوعات التنمية البشرية في إعداد العملاء خلال فترة تدريبهم للعمل في الشركة، وهذا ما يجعلها تلقى رواجاً لدى الناس.
وبلقاء عدد من عملاء الشركة، تبيّن أنه يشترط في الشخص المدعو إلى الشركة أن يدفع 55 ألف ليرة سورية ليخضع بعد ذلك إلى دورة تدريبية مدتها 4 أيام في مقر مركز التدريب التابع للشركة الواقع على أرض المنطقة الحرة.
ويحصل بعد ذلك على كوبون للشراء من بعض محال البيع، لتبدأ السلسلة من جديد بأن يقوم بدعوة أقرب شخصين إليه على أن يكونوا موضع ثقة ويحصل من جراء انتسابهم إلى المركز على مبلغ 2500 ل. س على كل شخص كعمولة، إضافة إلى حصوله على نسبة من كل شخص يقوم بالانتساب عن طريق هذين الشخصين اللذين قام بتنسيبهما.
وهكذا تسير الأمور، عبر توزيع العمولات بشكل شبه الهرمي، وعن أعمال لم يقم بها العميل مباشرة، وهنا نقطة الضعف في هذا النموذج التسويق المشتق من التسويق الهرمي الاحتيالي.
فمثلاً إذا قام العمل الأول بتجنيد عميل ثان، يأخذ عمولة 2500 ليرة، وعندما يقوم الثاني بتجنيد عميل ثالث، يستحق الثاني عمولة 2500 ليرة كما يستحق العميل الأول عمولة إضافية 2500 ليرة، وإذا استقدم العميل الثالث عميلاً رابعاً، تدفع الشركة عمولة للثالث 2500 ليرة، وللثاني وللأول 2500 ليرة لكل منهما، وهكذا حتى المستوى الثامن، حيث يتم إغلاق المسار الأول. في المقابل يعمل كل عميل على فتح أكثر من مسار له، وتستخدم مصطلحات كمدير لفريق العمل للعميل الأول، في كل مسار، الذي يروج له كي يصبح مدرباً للفريق كي يسوغ تقاضيه العمولات عن مبيعات ليس له فيها أي علاقة مباشرة.
ولدى محاولات محرري «الوطن» الدخول إلى مركز الشركة تمنع الموجودين من مشرفين وموظفين من إعطاء أي معلومات وافرة عن شروط الانتساب إلا بحضور الشخص الذي قام بدعوتنا، باستثناء إحدى الموظفات التي أعلمتنا عن اسم الشركة وأنها انتقلت مؤخراً إلى المنطقة الحرة من مقر آخر كان في إحدى مناطق دمشق.
آلية عمل الشركة وخطة العمولات
بعد أن علمت إدارة الشركة بمحاولات «الوطن» للتعرف على عمل الشركة، زارنا في مقر الصحيفة المدير العام للشركة أيمن هشام الدين، مصطحباً معه جميع الوثائق التي تثبت قانونية عمل الشركة، وأنها تختلف عن التسويق الهرمي والشبكي.
هشام الدين بيّن أن الشركة مسجلة في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، ومسجلة في السجل التجاري تحت الرقم 17157 بتاريخ 22/4/2014.
وغاية الشركة القيام الأعمال التجارية والصناعية كافة والدخول في المناقصات والمزايدات لدى القطاع العام والخاص والمشترك وتمثيل الشركات المحلية والعربية والوكالات وتجارة واستيراد وتصدير وتوزيع المواد المسموح بها قانوناً كافة وتجارة واستيراد وتصدير المواد الغذائية والمنزلية والإلكترونية وشراء وبيع الهواتف النقالة والفاكسات وجميع الأجهزة الإلكترونية المتعلقة بالاتصالات وإنشاء الأبراج الهوائية وتمديد الكابلات الخاصة وإنجاز وتحديث وتطوير كل مستلزمات الأعمال التي تخص مواضيع الاتصالات أشكالها كافة وتقديم الخدمات والوساطة التجارية بين الشركات والأشخاص سواء أكانوا طبيعيين أم اعتباريين (عدا الوساطة العقارية) والقيام بالمشروعات كافة والأعمال المتعلقة بالاتصالات وفق القوانين والأنظمة النافذة أصولاً وتقديم الخدمات المسموح بها قانوناً وتجارة واستيراد وتصدير وتوزيع الألبسة والأحذية بأنواعها ومسمياتها كافة ومواد العصرونية والمواد والأجهزة والتجهيزات الكهربائية ومستحضرات التجميل والإكسسوارات والبياضات والحرامات والشراشف والبيع بالجملة والمفرق لكل ما هو وارد في غاية الشركة عدا بناء المساكن وبيعها والاتجار بها مهما كان نوعها.
وأوضح هشام الدين أن الشركة تقوم ببيع منتجات سورية الصنع ضمن القطر وللمواطنين السوريين وبأسعار السوق، وتمنح أي شخص في حال اشترى من إحدى صالات الشركة أو الصالات المتعاقدة مع الشركة منتجات بقيمة 55000 ل.س وما فوق فرصة الانضمام إلى فريق العمل في التسويق لدى الشركة وفي حال عدم قبوله بالعمل بالتسويق يكون الشخص المشتري غير ملزم أو مجبر أو مكره على شيء، ولكن في حال قبوله العمل والتسويق كشريك وممثل مستقل عن الشركة والتسويق والترويج لمنتجات الشركة.
ويتم ذلك بعد خضوعه لدورة تدريبية مجانية لمدة أربعة أيام يكون فيها الشخص الراغب في العمل أساساً جاهزاً للتسويق والعمل وعند بدئه بالتسويق لأي زبون وبدأ من شخص أو زبون واحد يكون بإمكانه الحصول على أرباحه أصولاً ويحصل أي مسوق على أرباح إضافية حتى من الأشخاص الذين يسوقون للشركة معه ضمن فريقه بنسبة الأرباح نفسها لكلا الشخصين وينتقل من بعد فترة التسويق إلى التدريب وعرض آلية العمل للأشخاص الجدد الذين يريدون التسويق للشركة ومساعدتهم في هذا العمل وحصولهم على أرباحهم حتى يصنع فريق عمل تابعاً له يمكنه من خلال هذا الفريق المساعدة لكل شخص يعمل في فريقه والربح بالمثل معهم وتبقى نسبة الأرباح إلى ما شاء الله.
وحرصاً على شرعية عمل الشركة، كما بيّن هشام الدين، فقد حصل على فتوى شرعية تجيز عمل الشركة، من مدير أوقاف محافظة ريف دمشق خضر أحمد فائز شحرور، بعد أن عرض عمل الشركة تماماً كما ورد في الأسطر السابقة، فكان الجواب: «يطلب الأخ السائل مني الجواب الشرعي على فتواه، وبعد رجوعي للكتب الفقهية المعتمدة لم أجد مانعاً شرعياً من هذا البيع والتسويق بهذه الطريقة المذكورة، لأنه لا يدخل تحت بيع وشرط، فهم لا يشترطون التسويق إذا اشترى الزبون بهذه القيمة فقد يشتري ولا يسوق ولكن شراؤه بهذا المبلغ يؤهله لأن يصبح مسوقاً في هذه الشركة، وهذا لا مانع منه شرعاً والله أعلم».
الأرباح.. أكثر من لعبة
بعد حوار لأكثر من ساعتين مع مدير الشركة، حاول خلالها جاهداً إبراز قانونية عملهم، وأنهم ليسوا «نصابين»، وعملهم يختلف عن التسويق الشبكي والهرمي، لم نقتنع معه فيما عرضه، بشكل كامل، فأولاً مارست الشركة عملها في المنطقة الحرة من دون ترخيص نظامي، ما دفع بإدارة المناطق الحرة لإنذارهم بإخلاء مكاتبهم في اليوم نفسه الذي علمت فيه بوضع الشركة غير القانوني، بتواصل محرري الصحيفة مع مدير المناطق الحرة محمد كتكوت ومدير فرع دمشق وليد الخالدي، وكان ذلك يوم الأربعاء الماضي.
وفي معالجة سريعة للأمر قامت المناطق الحرة بإغلاق مكاتب الشركة يوم الخميس الماضي، على أن تعود بصورة نظامية، من خلال الترخيص لنشاطها كمستثمر في المناطق الحرة، لو كان نشاطها مسموحاً فيه. وذلك بحسب ما أفاد به مدير المناطق الحرة.
ثانياً لم تحصل الشركة على ترخيص يتيح لها ممارسة أعمال التسويق كنشاط أساسي للشركة، وللغير، وهنا رد مدير الشركة بعدم وجود نقابة للمسوقين في سورية.
ولدى حساب نسب العمولات التي زادت على 30 بالمئة من قيمة البضاعة المبيعة، وهذا رقم يزيد على أعلى هامش ربح حددته وزارة التموين والتجارة الداخلية للفعاليات التجارية، وسؤال مدير الشركة عن حقيقة الأمر، لم تكن إجاباته مقنعة، إذ أكد زيارة دوريات التموين وحماية المستهلك لصالاته دون أن تسجل أي مخالفاً سعر زائد. لكنه أكد في النهاية أن جميع العمولات يتم إضافتها إلى التكلفة عند تسعير البضاعة.
هذا الأمر أثار العديد من التساؤلات، عن جودة البضاعة المبيعة وأسعارها، ونسب الأرباح الحقيقية أعلى بكثير من 30 بالمئة، وهذا ما يعني وجود ملفين للحسابات في الشركة، واحد للتموين، وآخر للشركة.
وبما أن البيع المباشر يعتمد في حقيقته على البيع من المنتج إلى المستهلك مباشرة، فإن تكاليف شراء السلع من الشركة تكون قليلة، لذا يمكن بيعها بأسعار مضاعفة، وتبقى قريبة من أسعار السوق، إذ إن التلاعب بنسب الأرباح ظاهرة دارجة في أسواقنا منذ زمن طويل.
خبراء تسويق مخضرمون، بيّنوا أن أسلوب البيع المباشر في التسويق يعتمد على اختصار القنوات بين المنتج والمستهلك، وهذا أسلوب اعتمده بيل غيتس في التسويق، وهدفه تقليص النفقات والقنوات التي يتحرك فيها المنتج إلى المستهلك. أما اعتماد بعض الشركات على التجنيد في شكل شبكات، فهذا شكل من أشكال التسويق المصفوفي، ومنه الهرمي، ويلغي الغاية الرئيسية من البيع المباشر.
وعن قانونية عمل هذه الشركات، بيّن الخبراء أنه لا يمكن الحديث عن قانونيتها، لأن العقد شريعة المتعاقدين، مؤكدين أنه من حيث المبدأ لا يجوز تقاضي عمولات مساوية عن كامل الصفقات، لكل مسوق في مساره، فهذا ما يلغي غاية البيع المباشر، ويجعل من هذه الشركات تعتمد أسلوب التسويق الشبكي في الحقيقة.
وهذا ما يؤكده تسمية شركة المركز السوري للتجارة والتوزيع باسم «ثري نت» قبل تغييره، كي لا يثير الشبهات من كلمة «نت» التي تدل على الشبكة. علماً بأن مدير الشركة أكد أن الفكرة انطلقت أساساً من شركات التسويق الشبكي والهرمي الممنوعة، إذ تم اعتماد التسويق لبضاعة يحتاجه إليها المرء في يومياته، وإنهاء السلسلة عند المستوى الثامن، كي لا تنهار الشبكة.
شرعاً وقانوناً
وللتأكد شرعاً من الموضوع لشكوكنا بوجود نقص فيما عرض على مدير أوقاف ريف دمشق من الشركة، وخاصة موضوع العمولات، إذ لم يكن واضحاً، اتصلت «الوطن» هاتفياً بأمين الإفتاء في وزارة الأوقاف علاء الدين الزعتري، وطلبت فتوى في موضوع العمولات، فأفتى: «أن أتقاضى عمولة عن عمل لم أقم فيه مباشرةً هو غرر واضح»، إذ لا جهد مبذول من العميل الأول في استقدام العميل السابع مثلاً لعميل جديد، ليستحق عليه العمولة. «فتقاضي العمولة عن كامل الصفقات التي تحت كل عميل أمر فيه غرر واضح لكونه لا يبذل أي جهد فيها».
أما عن تعويضات إدارة الرفيق وإلقاء المحاضرات، من قبل العملاء، فيجب أن تكون مستحقة من إدارة الشركة، وليس على شكل عمولات من العملاء. مؤكداً أن «عملية تجنيد العملاء في شكل شبكات ومسارات إنما هو أحد أشكال التسويق الشبكي والموقف الشرعي منه واضح».
من جانبه أستاذ القانون بجامعة دمشق الدكتور محمد خير العكام بيّن أنه ما من نص قانوني واضح يمنع التسويق بطريقة البيع المباشر كما هو متبع في نوع كهذا من الشركات، مبيناً أن هذا العمل إنما يتماشى مع طبيعة الاقتصاد حالياً والقائمة على الاحتكار وليس المنافسة، رغم وجود قانون للمنافسة، إذ إن الهمّ الأساسي في هذا الاقتصاد هو الاستهلاك، وليس الإنتاج.
ونوه إلى أن التلاعب في مثل هذه الشركات إنما يكون في نسب الأرباح العالية، وفي المواصفات القياسية للسلع المباعة، وتصريف المخازين «فنسب الأرباح العالية هي من تمكن الشركة من دفع العمولات المتراكمة الكبيرة وبما قد يخالف قانون التجارة الداخلية وحماية المستهلك».
وطالب العكام مسؤولي الاقتصاد بدراسة هذه الشركة والتدقيق في نسب أرباحها الحقيقية، وتقييم وضعها، فيما إذا كان مفيد اقتصادياً أم لا. فتوجيه آلاف العاطلين عن العمل باتجاه الإنتاج أفضل من توجيههم إلى الاستهلاك.
المصدر: الوطن