سوق العمل في زمن الحرب بطالة و«بطر».. عمال خسروا وظائفهم وينتظرون «فرجاً» وآخرين هجروا الفرص غير نادمين
سينسيريا ـ وسيم وليد إبراهيم:
بطالة وفرص عمل شاغرة.. تناقض واضح يعيشه سوق العمل في سورية حالياً، وهذا التناقض كان أحد مفرزات الأزمة والحرب الظالمة التي تمر على سورية، والمتتبع لواقع فرص العمل المعلن عنها فإن معظمها يتركز ضمن فئة معينة أغلبها موجهة للحاصلين على الشهادات أقلها المعاهد، حيث تركز الطلب بالنسبة للقطاع الخاص وفق رصد أجراه موقع «سينسيريا» على طلب موظفين للبنوك والمصارف، أيضا في سوق دمشق للأوراق المالية والعمل في المنظمات الدولية مثل الهلال والصليب الأحمر والأمم المتحدة، حتى الشركات الصناعية الخاصة طلبت موظفين ولكن حاصلين على شهادات معينة ووفق شروط خاصة.
مع وقف التنفيذ..
كذلك تركز الطلب من الجهات الخاصة المستقبلة للوظائف على قطاع البرمجيات والمشافي، ومعظم هذه الفرص تحتاج إلى شهادات جامعية على الأقل حتى أمين المستودع في شركة خاصة يحتاج إلى شهادة بكالوريس في الاقتصاد والتجارة، كما كان هناك بعض المبادرات لتوفير فرص عمل للشباب مثل مبادرة “خبرات سورية” والتي أعلنت عن توفير 999 فرصة عمل.
أما في القطاع العام فقد أعلنت بعض المؤسسات والجهات العامة عن فرص عمل مثل وزارة الثقافة التي أعلنت عن 397 فرصة عمل للفئتين الأولى والثانية والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية التي وجهتها لحملة الشهادات الإعدادية والثانوية والمعاهد أيضا وكان عددها نحو 238 فرصة عمل متنوعة.
أيضا كثيراً ما نقرأ عن توفير فرص عمل كبيرة من حيث العدد ولكنها كلها مع «وقف التنفيذ» أي الترخيص لمشاريع تجارية أو صناعية توفر 5 آلاف فرصة عمل، ولكن هذه المشاريع لم تبدأ على أرض الواقع، أي أنها فقط رخصت وهذا حال العديد من الأرقام التي يتم طرحها كحال هيئة الاستثمار السورية التي تقوم بتشميل مشاريع استثمارية توفر آلاف فرص العمل إلا أن هذه الفرص لم تتوفر على أرض الواقع وبقيت على الورق فقط، وينطبق ذلك على مشاريع وزارة الزراعة التي تعمل عليها حالياً حيث أعلنت عن طرح 500 مشروع متناهي الصغر في عدد من المحافظات لتحسين مستوى المعيشة للأسر الفقيرة، ولكن لا تزال تعمل عليها إلى الآن ولم تنتهي بعد.
أين ذهب العمال.. ؟
المتتبع للواقع يجد أن المدن الصناعية كان لها الحظ الأوفر في توفير فرص العمل، فقد أكد مدير المدن والمناطق الصناعية، في وزارة الإدارة المحلية أكرم الحسن، أن المدن الصناعية الأربع وفرت 78870 فرصة عمل، وذلك حتى نهاية حزيران الماضي، وبنفس الوقت فقد ذكر تقرير صادر عن وزارة الإدارة المحلية، بأن عدد العاملين المتضررين في مدن عدرا، والشيخ نجار، وحسياء، ودير الزور الصناعية، وصل إلى 114627 عاملاً، منهم 41167 عاملاً متوقفاً عن العمل، والرقم الأخير ليس بقليل بل يعبر عن عدد الأسر التي كانت تعتاش على هؤلاء العمال، أي أكثر من 41 ألف أسرة أصبحت دون معيل حالياً، هذا بالنسبة فقط للمدن الصناعية، فما هو الحال في المصانع والورش التي توقفت وتدمرت بفعل الإرهاب، وأين ذهب عمالها؟.
وفق أخر التقارير المحلية، فقد بلغت نسبة البطالة في سورية وفق هيئة شؤون الأسرة في سورية ما بين 60 و70%، في حين ذكر تقرير صادر عن الأمم المتحدة بأن نسبة الفقر في سورية أصبحت تشكل 80%، وأن 60% من رجال الأعمال السوريين غادروا البلاد، وقدّر تقرير شبه رسمي الحجم الإجمالي لهجرة السوريين خلال السنوات الأربع الأخيرة بما يراوح من 1 إلى 1.2 مليون مهاجر، مرجحاً ارتفاع معدل صافي الهجرة الاعتيادية (للدراسة أو للعمل أو لأسباب أخرى) إلى ما لا يقل بالمتوسط عن 15 بالألف، أي ما بين 250 إلى 300 ألف مهاجر سنوياً، وليصبح بذلك الحجم التراكمي لصافي الهجرة الكلي لمرحلة الأزمة وما قلبها بحدود 4.3 ملايين مهاجر، ومؤخرا كشف رئيس مكتب الإحصاء في السويداء، ناجي حديفة، أن عدد العاطلين عن العمل في المحافظة فقط، فاق الـ13 ألف، منهم 10 آلاف من الإناث.
نقص في الإنتاج وفائض في الإدارة
تقارير حكومية تؤكد أن معظم المصانع والمعامل العامة تعاني من نقص العمالة ومن العمالة المسنة أيضاً، عدا عن وجود عمال عاطلين عن العمل ولا يزالون يتقاضون رواتباً كون مصانعهم دمرت أو أنها تقع في مناطق ساخنة كما نجد في نفس الوقت فائضاً في العمالة في بعض الشركات العامة، ولكن وفق متابعين تركزت هذه العمالة في الشق الإداري وليس في الشق الإنتاجي، أي أنه يوجد نقص في اليد المنتجة، فنجد مثلا تقريراً صادرً عن المؤسسة العامة للصناعات النسيجية أوضحت فيه أن انقطاع الكهرباء وغياب بعض عمال الإنتاج (سبب توقفات بقيمة 4,428 مليارات ليرة)، كذلك الأمر لشركة الشرق للألبسة الداخلية التي أوضحت أنها تعاني جملةً من المشكلات والصعوبات لم تستطع التخلص منها في ظل الظروف الراهنة، في مقدمتها هروب أصحاب الكفاءة والخبرة لديها خلال سنوات الأزمة، ما أدى إلى نقص في اليد العاملة الماهرة وكذلك الحال بالنسبة لشركة الدبس ومدينة الشيخ نجار الصناعية والمؤسسة العامة للصناعات الكيمايئية أيضاً، وشركة الإنشاءات المعدنية، وبالطبع هذا الأمر أثر بشكل بالغ في مؤشرات الإنتاج المحلي، أي في الصناعة المحلية، واثر أيضاً على الأسعار التي أخذت بالارتفاع.
أما حالياً فمعظم اليد العاملة في القطاع الخاص تجد أجورها مرتفعة في حال مقارنة أجورها قبل عامين، وذلك لندرة اليد العاملة المنتجة الماهرة.
القطاع الخاص يحتاج إلى 10 أضعاف عماله في السابق
رئيس اتحاد حرفيي دمشق مروان دباس أوضح في تصريحه لـ«سينسيريا»، أن معظم الورش والمعامل الإنتاجية تحتاج إلى عمال، مؤكدا أن القطاع الخاص يحتاج حالياً إلى عمال بزيادة تقدر عشرة أضعاف عما كان بحاجته سابقاً، وذلك كون معظم العمال وخاصة المتعلمين والحاصلين على شهادات جامعية هاجروا لخارج سورية، ولفت إلى أن معظم الورش الحرفية تعاني من نقص كبير في عدد العمال، على الرغم من أن الأجور مغرية وتصل إلى نحو 3 آلاف ليرة يومياً، ولكن معظم الباحثين عن عمل اليوم يريدون التوظف والعمل الإداري فقط أي يبحثون عن عمل «أريح وأربح»، في حين لوحظ توجه فئة ليست بقليلة من العمال الذين خسروا وظائفهم في المعامل التي تعرضت للتدمير والتخريب إلى العمل الحر مثل فتح بسطات لبيع الخضار أو الأجهزة الكهربائية والتي انتشرت كثيراً في شوارع دمشق وريفها.
وأشار إلى أن الدباغات في دمشق متوقفة لأنه لا يوجد عمال فيها، مؤكدا أن هناك الكثير من المعامل تحتاج إلى عمال ولكنها لا تجد، كما أننا كحرفيين نريد أن نعمل ولكن الشباب لا يرغبون بتعلم الحرف، حتى أن عدد كبير من الحرفيين هاجر سورية وأصبح لديه ورش عمل كبيرة في الدول الأوروبية.
إلى الخدمات وإلى «البسطات»
في حين رأى الباحث الاقتصادي الدكتور نضال طالب في تعليق له على ملف البطالة وأوضاع العمالة خلال الزمة الراهنة، وقال لـ«سينسيريا»، أن الأزمة أفرزت توجها لفرص العمل التي تعتمد على تقديم الخدمات مثل النقل بعيداً عن القطاع الإنتاجي الذي يواجه نقصاً في اليد العاملة، مشيراً إلى أن معظم فرص العمل والعمالة تركزت في قطاع الخدمات ولو بمجالات ضيقة ونوعية، مؤكدا وجود بطالة ليست بقليلة في الكثير من القطاعات الإنتاجية في حين نجد أن هناك شواغر كثيرة ونوعية في أماكن عمل أخرى.
ونوه إلى أن الطبقة المنتجة الشابة هاجرت لخارج سورية فنجد نقصاً في الأطباء ونقصاً في أساتذة الجامعات، كما نجد نقصاً في العديد من المجالات والخبرات الإنتاجية التي تحتاجها المصانع والمعامل في سورية، معتبراً أن هذا النقص في اليد العاملة لن نشعر بنتائجه حالياً ولكن بعد عقد من الزمن ستظهر نتائجه السلبية.
وطرح طالب مثالا: توقف عمليات البناء والإنشاء والتعمير أدى إلى تعطل آلاف العمال عن العمل وكذلك توقف آلاف المعامل عن العملية الإنتاجية وتعرضها للتخريب أدى إلى تعطل عمالها عن العمل، والمتتبع للأمر يجد أن هؤلاء العمال لا يزالون إلى الآن عاطلين عن العمل، وبنفس الوقت أدى ذلك إلى توسع اقتصاد الظل مثل انتشار البسطات وذلك بسبب الحاجة، وأشار إلى أن معظم الطلب على العمل حالياً في سورية يتركز على الطبقة المتعلمة فيما لو كان هناك طلب على الوظائف.