سلع أصبحت «محرمة» على موائد السوريين.. و90% من الدخل ينفق من أجل «السترة» فقط..!!
سينسيريا ـ وسيم وليد إبراهيم:
المستهلك السوري اليوم بات يضع أولوياته الاستهلاكية وفق دخله، فلم يعد يتبع نفس النمط الاستهلاكي الذي كان قبل الأزمة، فالترشيد و”التقشف” باتا عنوانين عريضين له، حيث أن التضخم الشهري والسنوي لشهر أيار لعام 2015 بلغ 430.2% مقارنة مع الفترة نفسها من عام 2010، وفقا لما ذكره المكتب المركزي للإحصاء مؤخرا، وبحسب متابعين وخبراء فإن الأسرة المتوسطة عدد الأفراد والدخل تحتاج إلى 140 ألف ليرة سورية شهرياً، وليس بمقدورها تأمين أكثر من خمسها في أفضل الأحوال.
وقامت الحكومة خلال العام المنصرم بإصدار العديد من القرارات رفعت من خلالها أسعار الخدمات التي تقدمها بالإضافة إلى المشتقات النفطية، مما زاد العبء الاقتصادي على معظم الأسر في ظل جمود الدخل وتقهقره أمام الأسعار التي ترتفع يوما بعد يوم، وخاصة مع تذبذب سعر صرف الليرة باعتباره مؤشرا للأسعار في أسواقنا.
90% من إنفاق ذوي الدخل المحدود تركز على السكن والغذاء
والمتتبع للأسواق حاليا، يجد أن الطلب على معظم السلع والمواد بات في حدوده الدنيا، فالترشيد لم يأتي من فراغ بل كان كرد فعل عن ضعف القدرة الشرائية لمعظم المستهلكين الذي باتوا يبحثون عن السلع الأقل سعرا والتي تلبي احتياجاتهم كما بدأ الكثير منهم في التحول إلى المواد الغذائية الأكثر إشباعا والأقل تكلفة، حيث أشار الخبير الاقتصادي الدكتور عابد فضلية في تصريحه لـ”سينسيريا”، إلى أن قائمة مشتريات المستهلك وأولوياته تغيرت بشكل جذري حيث أن المتضررين من الأزمة والعاطلين عن العمل والمهجرين اختلفت جميع أولوياتهم، ولم يعد في قائمة مشترياتهم أي شيء كمالي إلا ما ندر، مشيرا إلى أنه حتى بعض السلع العادية أصبحت من الكماليات”.
الباحث الاقتصادي الدكتور نضال طالب رأى أن انخفاض دخول معظم المواطنين أدى إلى إحداث تغييرات في طبقات المجتمع، حيث أصبح في سورية طبقة مرتفعة الدخل وأخرى هزيلة الدخل بشكل واضح وهذا أدى بطبيعة الحال إلى تغيير العادات الاستهلاكية لدى هذه الطبقات، مشيرا إلى أن محدودي الدخل قاموا بإعادة ترتيب أولوياتهم حيث نجد أن 90% من طلبهم انحصر في أمرين وهما السكن والغذاء، ولم يبقى هناك موارد أخرى تغطي الأمور الضرورية الأخرى لديهم”.
غير طبيعي
قائمة محظورات طويلة وضعها المستهلك ضمن برنامجه الشهري، فاللحوم على اختلاف ألوانها أصبحت بالغرامات، والفواكه أيضا ولحق بركب الحظر العديد من المعلبات الغذائية والمشروبات وحتى بعض الوجبات الشعبية، ولم تقتصر القائمة على المواد الغذائية بل طالت أيضا بعض أنواع المنظفات التي بلغت أسعارها العنان، والأدوات المنزلية والكهربائية، وهنا يؤكد طالب أن “الترشيد القسري أصبح عادة وأسلوبا لدى معظم المستهلكين، مؤكدا أن المستهلك في سورية سواء أكان غنيا أم فقير إلا وتغيرت عاداته الاستهلاكية حتى على الناحية النفسية، فالذي كان يخرج إلى المطاعم والمنتزهات والاستجمام، لم يعد يستطيع أو لا يريد أو غير ممكن أو غالي، فكل شيء تغير.. فإذا قلت لي بأن عائلة لم تغير من عاداتها عما كانت عليه قبل الأزمة فهذه عائلة غير طبيعية”.
في أسواقنا ظهر نوعين أو ثلاث من السلع المعروضة، رخيصة ومقبولة ومرتفعة السعر، وهذا ينطبق على بعض السلع وليس كلها، فهل حقا استطاعت أسواقنا مواكبة دخل وحاجة المستهلكين؟.. يجيب الدكتور طالب “أن أسواقنا إلى هذه اللحظة لم تتناغم مع حاجات وقدرة المستهلك الشرائية، مشيرا إلى أن دراسة الأسواق وسياستها وآلية عمليها هي مسؤولية الحكومة، فالتاجر يسعى لربحه والمستهلك يسعى لقضاء همه”، طالب أشار إلى أن مؤسسات التدخل الإيجابي الحكومية كان من الأولى لها أن تبدأ بتلبية ومواكبة حاجات المستهلكين من حيث توفير سلع رخيصة الثمن وتغيير طريقة عرضها، وبالتالي تنافس التجار ويضطرون لتقليد أسلوبها.
السوق بدأ يواكب حاجات المستهلك
بالمقابل يرى الباحث الاقتصادي الدكتور عابد فضلية أن السوق دائما يتجاوب ويدرس حاجات المستهلك وقدرته ويلحظ أحوال المستهلك، حيث نجد أن المستهلك حاليا يبحث عن الأرخص والدليل على أن السوق بدأ يتناعم ويواكب حاجات المستهلك هو ظهور سلع تناسب دخله فمثلا: “بات في أسواقنا عبوات تحوي منظفات غير جذابة من حيث الشكل ولكنها مقبولة من حيث السعر، وعدم الجاذبية في أشكال العبوات سواء لبعض أنواع المنظفات أو غيرها من المواد يعود لقلة مواد التعبئة والتغليف في السوق من جهة ولتوفير ولتقليل التكلفة في الإنتاج من جهة أخرى، لكي يستطيع البائع أن يبيع المستهلك ضعيف القدرة الشرائية كذلك انتشرت أسواق الدوغما، وكل هذه المظاهر دليل على تجاوب السوق مع القدرة الشرائية للمستهلك، ولا أقول مع ذوق المستهلك الذي يبحث عن التوفير”.
فضلية نوه إلى “وجود سلع غالية وفخمة ضمن أسواق سورية ولكنها تقلصت كون عدد المشترين والراغبين بها تقلص حتى من لم يتأثر دخله أثناء الأزمة وكان يملك دخل داري يتناسب مع أسعار السوق، تأثر إنفاقه وضبط شرائه على مبدأ خبي قرشك الأبيض ليومك الأسود، فمن لديهم ملاءة مالية حاليا بات بعضهم ملتزم أخلاقيا بأقربائهم وأصدقائهم الميسرين، مشيرا إلى أن استمرار الركود التضخمي الذي يعاني منه السوق السوري حاليا فإن الأسعار ستنخفض قسرا”.
وأكد فضلية على أنه لا داعي لتوجيه الصناعيين أو المستوردين والمنتجين لجعل سلعهم تواكب حاجات المستهلك فهم على دراية تامة بحاجات المستهلك وقدرته الشرائية لتصريف سلعهم بشكل أفضل.
أسواق جديدة
المستهلك حاليا بات يبحث عن البدائل الأكثر توفيرا، فلجأ الكثير منهم لشراء المساعدات الإنسانية التي توزع على المهجرين والمتضررين من الأزمة، فالكثير من الأسر حاليا، تشتري “طرد المعونات” بسعر يصل إلى 4 آلاف ليرة وهو يحوي الزيوت البيضاء والبرغل والأرز والعدس والحمص والمعلبات وغيرها من المواد الغذائية الأساسية ولكن بفارق يصل إلى الضعف وأكثر في حال اشترى المستهلك هذه السلع من السوق، وهذا ما أشار إليه طالب حيث قال: “أصبح هناك سوق للمساعدات الإنسانية والمعونات التي المخصصة للمتضررين من الأزمة في سورية وهي تباع ضمن أسواق معينة بأسعار مخفضة مقارنة مع السوق النظامي، مشيرا إلى أن ذلك جاء نتيجة عم مواكبة أسواقنا لحاجات المستهلكين من حيث دخلهم، حتى بات هناك سوق للمعونات وأخر للمستعمل.
فنسبة ضئيلة جدا من المستهلكين حاليا نجدهم من يتجه إلى سوق الجديد لشراء مستلزمات المنازل أو الأدوات الكهربائية”، فضلية أيضا أشار إلى أن مع حركة الهجرة التي شهدتها سورية مؤخرا نتيج عنها سوق للمستعمل بالنسبة للأدوات المنزلية والمفروشات وغيرها، وحاليا نجد الكثير من المواطنين يتجهون لسوق المستعمل لتلبية احتياجاتهم وخاصة المقبلين على الزواج كما نجد المهجرين بدأوا بالاستفادة من سوق المستعمل في تلبية حاجاتهم وهذا الأمر لم يكن موجودا قبل الأزمة السورية”.
كساد
الظروف الاقتصادية التي مرت على سورية، أدت لتكريس الظواهر السابقة، حيث أشار فضلية إلى أن “الطلب انخفض في أسواقنا بشكل أكبر من العرض لذا نجد أن هناك كساد في السلع لدى معظم البائعين”، في حين أشار طالب إلى “أن معظم الأسواق تأثرت نتيجة تغير أسلوب الاستهلاك عدا أسواق الغذاء والسكن، في حين نجد أن معظم أسواق الألبسة والكهربائيات تشكو من قلة الطلب”.
ولكن الشيء غير الطبيعي فيها هو الاستغلال الذي يحدث من قبل السماسرة والصيادين في المياه العكرة، الذي يستغلون حاجات المستهلكين والمضطرين ويقومون ببيع أو شراء احتياجاتهم بأبخس الأثمان، دون رقيب أو ضمير.