مصارف ومال

رصيد المكوث يحاصر أحلام من جعل آفاق سوريا بلا حدود… فهل التضيق على ذوي الدخل المحدود أهم من تحصيل المليارات الضائعة؟!

سينسيريا- عبد اللطيف يونس
لم تستطع الحكومات المتعاقبة أن تخرج من أوهامها وتدرك ان أصحاب الدخل المحدود هم أحد عوامل قوة المصارف السورية والاقتصاد الوطني وليس عبئاً ثقيلاً، كما يحلو ذلك لمسؤولي مصرف سورية المركزي مرة بالقول أن قروض الدخل المحدود هي استهلاكية وغير تنموية ومرة أخرى بوضع رصيد المكوث وأن المصارف ليست للاقتراض فقط بل هي لايداع أيضاً.. وربما يتحفونا بالأيام القادمة بابتداع تسميات جديدة ..
أن نظرة بانورامية لواقع مصارفنا المحلية تظهر أن نشاطها منذ عقود هو الإيداع والإقراض وأرباح المصارف الرئيسية الحقيقية كانت من خلال قروض أصحاب الدخل المحدود وليس من القروض الكبيرة التي تنطوي تحت اسم انتاجية أو تنموية أو استثمارية ..المتعثرة المبنية على ضمانات وهمية بنسبة كبيرة منها حتى قبل الأزمة بعشر سنوات على الاقل وأن محدودية ربح المصارف بشكل أساسي هي الفارق بين الفوائد الدائنة والمدينة، أي أن المواطن يودع بسعر فائدة ليقوم المصرف فيما بعض بإقراض هذه المبالغ بفائدة أعلى وأن المصارف لم تستثمر بشكل مباشر من خلال المساهمة برأسمال أو أسهم في عقارات أو مصانع أو سواها إلا بمشاريع تعد على أصابع اليد الواحدة وقد أثبتت فشلها في هذا النوع من الاستثمارات.
قبل الأزمة في حالة الوفرة كان تركيز الحكومة على تمويل المشاريع التنموية والاستثمارية بينما كانت تنظر أن قروض الدخل المحدود بأنها استهلاكية وتزيد التضخم وصاحب هذه النظرية الدكتور أديب ميالة حاكم مصرف سورية السابق الذي تجاهل أن هذه القروض تستخدم بشكل مباشر في شراء متممات مشروعات تنموية صغيرة مثل ماكينات خياطة تربية أبقار تربية نحل وسواها وبشكل غير مباشر بالتنمية ودعم الإنتاج الوطني من خلال شراء منتجات الصناعة المحلية مفروشات أو براد أو غسالة أو أفران ..وأن تلك القروض تشكل جزءاً مهماً من أرباح المصارف.
وعندما بدأت الأزمة أطلق أصحاب الدخل المحدود حملة دعم الليرة وكانوا من أودع أموالهم بالمصارف بعد أن قام عدد كبير كبار رجال الأعمال بسحب أموالهم منها، كل هذا لم يشفع لأصحاب الدخل المحدود عند مصرف سورية المركزي حيث تم وقف الإقراض بمصرف التسليف الشعبي.
وبعد استلام الدكتور دريد درغام حاكم مصرف سورية المركزي اطلع علينا برصيد المكوث وهو أن يودع الموظف الراغب بالحصول على قرض مبلغ 25000 ليرة لمدة سنة ليحصل على قرض 500 ألف ليرة بحجج شتى لاتقنع طالب مدرسة وهو صاحب قرض العامر والعادل والسيارة المستعملة وهي قروض بأسماء براقة عندما كان مدير عام المصرف التجاري السوري لكنها بمحتوى سيء وما أكد فشلها لاحقا هو العدد الهزيل للمتقدمين للحصول عليها والمبالغ التي اقرضت بموجبها. ولكن الدكتور دريد ما قاله في معرض تسويقه برصيد المكوث هو أقرب ما يكون إلى نكتة سمجة أن من لايكفيه راتبه لا يحق له الاقتراض وهنا اسأل الدكتور درغام هل يكفيك راتبك وإذا كان ذلك ماهو راتبك وكيف يكفيك ؟! ولماذا لاتطبق بالمثل هذه القاعدة إذا كان الصناعي أو الحرفي أو صاحب المنشاة لا يكفيه ماله الخاص لاقامة وعمل وانتاج منشاته، فكيف سيتطيع تسديد القرض ؟! وحول مايقوله أنه توجد فقط بضعة مئات من المليارات المخصصة للإقراض فإن مجموع قروض الدخل المحدود في أحسن حالاتها لا تتجاوز 100 مليار ولا يمكن اعتبار أن كل أصحاب الدخل المحدود يأخذون قروضاً دفعة واحدة لأن مدة القرض هي 5 سنوات وبالتالي من حصل على قرض قبل انقضاء هذه المدة لن يستطيع أن يحصل على قرض، ومن يحرك عمل الورش والمهن هم المستهلكين من أصحاب الدخل المحدود من خلال منحهم القروض أما إذا أنتجت الورش والمنشآت ولم تجد زبائن ستقع في عجز وتغلق أبوابها ومن خلال التجارب السابقة والإحصائيات لتوظيفات المصارف فقد تبين أن الإقراض بهدف تمويل شراء المنتج هو الأفضل لضمان قيام المنشآت وتحريك عجلة الإنتاج فيها بدلاً من تمويل أحداث منشأة أو توسيعها لأن مخاطر الإقراض تكون مرتفعة وتعود من جديد الضمانات الوهمية وتقع المصارف بخسائر فوات ربح بمئات المليارات من الليرات، كما حصل سابقاً بالمصرف الصناعي والمصرف العقاري ..ولم تتمكن المصارف من استعادة هذه الأموال التي منحت منذ أكثر من عشر سنوات ..بينما حقق مصرف التوفير من قروض الدخل المحدود أو الشخصية أرباحا بعشرات المليارات منها وأن نسبة التعثر فيها محدودة في مقابل نسب تعثر كبيرة لأصحاب المشاريع كما أن قروض الدخل المحدود لاتتطلب سيولة كبيرة كما هو حال في القروض التنموية، رغم كل ذلك أنا من مؤيدي ضرورة تمويل المنشآت والورش وكذلك أصحاب الدخل المحدود انطلاقاً من انه لا يوجد عاقل يضع البيض بسلة واحدة وكذلك فأن فتح الماء دفعة واحدة لسقاية مزرعة على حساب ماء الشرب سيؤدي إلى افقار الطبقة الوسطى وكذلك على المنتج الحقيقي الذي ينتج دون أن يجد من يشتري إنتاجه وخسارة المصارف مبالغ تقدر بعشرات المليارات من الليرات تفويت أرباح تشغيلية .
أخيراً أن تحصيل القطع الأجنبي ممن أعطاه المصرف المركزي بقصد السفر أو العلاج أو الاستيراد دون أن يعيده وكذلك تحصيل عشرات المليارات من الليرات التي منحت بحجة إقامة أو توسيع منشآت منذ سنوات ومحاسبة المتورطين فيها أهم بكثير من التصييق على أصحاب الدخل المحدود بأبسط أحلامهم وهم من وصفهم حاكم مصرف سورية المركزي بأنهم جعلوا آفاق سورية بلا حدود.

اظهر المزيد