حلم العيش بالفردوس الأوروبي يشد الشباب السوري ويوقعهم بفخ النصب والاحتيال
سينسيريا – وسيم وليد إبراهيم:
فوبيا الهجرة إلى البلاد الأوروبية أخذت بالانتشار بين السوريين كثيراً خلال العام الحالي رغم أن هذه الظاهرة ليست بجديدة بين السوريين الهاربين من الحرب الدائرة منذ أكثر من أربعة أعوام، باحثين عن أمل جديد في عيش رغيد مع كثرة الدعوات للهجرة إلى تلك البلاد من قبل أصدقائهم أو عبر ما ينشرونه من صور على صفحات التواصل الاجتماعي تظهر بأنهم “سعداء”.
ومع انتشار هذه الظاهرة، تعرض الكثير من المواطنين السوريين إلى حالات نصب قضت على “حصاد” عمرهم كله كما تعرض الكثير منهم للغرق، ولا ننسى حوادث الغرق التي سجلت خلال العام الماضي لمهاجرين عبر البحر المتوسط، كما أن هناك الكثير ممن هاجروا تفاجئوا بواقع مغاير للذي تم نشره على صفحات «فيسبوك» من صور خلابة ومغرية للمهاجرين السوريين إلى تلك البلاد على أنها الفردوس، ومنهم من بدأ يطالب بالعودة أيضاً، وكثيراً ما عاد مواطنون سوريون من تركيا إلى بلادهم هاربين من الغلاء في تلك البلاد، ومن سوء المعاملة وكذلك الأمر بالنسبة للبلاد الأوروبية، فمثلا في ألمانيا، فقد ذكرت وسائل إعلام ألمانية أن هناك العديد من حالات الاعتداء على السوريين بالضرب حدثت في عدد من ولايات ألمانيا حيث تم رصد 202 حادثة هجوم على مراكز إيواء لاجئين على مستوى الولايات الألمانية خلال النصف الأول من عام 2015.
لكل شيء سبب، بطبيعة الأحوال، وكان وراء ظاهرة الهجرة مجموعة من العوامل والأسباب التي دفعت الكثير من الشباب في سورية للهجرة خارج البلاد.
المجتمع والاقتصاد في خطر
المتتبع للواقع يجد أن الكثير من الشباب السوريين يريدون الهجرة إلى ألمانيا، ولا يخلو يوم إلا ونسمع أو نقرأ بأن هناك شباب يعزمون على الهجرة.
وتوجد ألمانيا على رأس قائمة الدول الأوروبية المستقبلة لللاجئين ولطالبي اللجوء، إذ استقبلت خلال العام الماضي نحو 202 ألف لاجئ، ربعهم تقريباً من السوريين، يليهم الأفغان ومواطنون من كوسوفو.
سامر مهندس وموظف في إحدى الشركات الخاصة، أوضح في حديثه لموقع “سينسيريا”، أنه عزم على الهجرة وترك وظيفته في القطاع الخاص، وذلك لأنه يبحث عن فرصة عمل أفضل في ألمانيا، مشيراً إلى أن اتفق مع مجموعة من الشباب مكونة من 20 شخصا أن يهاجروا معا إلى ألمانيا. وعن تكاليف الهجرة أوضح سامر أنها تبلغ نحو 3 آلاف دولار، وذلك كتكاليف للسفر وللمهرب الذي سيقوم بتهريبهم من تركيا إلى ألمانيا، عبر القوارب ومشيا على الأقدام، وأنه قام ببيع كل ما يملكه و”أغرق نفسه بالدين”، لكي يجمع هذا المبلغ، لافتا إلى أن أكثر ما يخشاه هو الغرق بقوارب “الموت” كما وصفها.
“الشيء اللافت هنا، أن مبلغ 3 آلاف دولار تساوي نحو مليون ليرة سورية، أي أن مجموعة من الشباب ستقوم بصرف 20 مليون ليرة وتحويلها إلى دولارات خلال فترة لا تتجاوز العشرة أيام وبالطبع عن طريق السوق السوداء، مما يؤكد أن الهجرة عدا عن كونها مؤشر خطير يهدد المجتمع السوري كونه يفرغ المجتمع من طاقة الشباب والذي يعول عليه بناء سورية بعد انتهاء الحرب، أيضا لها تأثير سلبي على الاقتصاد السوري لأنها تساهم في زيادة الطلب على القطع الأجنبي، مما يخفض من قيمة العملة المحلية”.
وعبر مازن وهو أحد أشخاص “الغروب” الذي عزم على السفر إلى ألمانيا، عن أسباب سفره، بأنه عاطل عن العمل منذ أكثر من عامين ونصف، وأنه لم يعد هناك “مجال للصبر أكثر”. مشيراً إلى أن ألمانيا ستوفر له فرصة عمل وراتب مميز وأنه “سيريح” رأسه من تبعات الحرب الدائرة في سورية.
وتتجلى معظم أسباب الهجرة للسوريين بالهروب من الحرب وتبعاتها والبحث عن واقع أفضل.
حتى أن إغراءات الهجرة إلى ألمانيا تعدت السوريين، حيث ذكرت صحف محلية أردنية بأن مواطنين أردنيين حاولوا الهجرة إلى ألمانيا على أنهم لاجئين سوريين عبر شبكات تهريب بشر دولية، أبطالها سماسرة أردنيون وعرب يعملون بأسماء مستعارة، تعمل على تهريب أصحاب الجنسية الأردنية عبر البحار والغابات الأوروبية.
عاد بائعاً للحطب
أيضا الهجرة لم تقتصر فقط للبلاد الأوروبية، فهناك من حاول الهجرة إلى البلاد العربية رغم الشروط الصعبة التي وضعتها للحد من استقبال اللاجئين السوريين، وتعرض الكثير من السوريين إلى النصب والاحتيال من قبل المهربين، حيث يروي عبد الهادي قصته وقصة أخيه ومجموعة ليست بقليلة حاولت الهجرة إلى الجزائر للعمل في شركة تنقيب للنفط والغاز.
عبد الهادي مواطن من ريف دمشق تحدث عن قصته التي عمرها نحو عام لموقع «سيتسيريا» قائلا:”عرض علي الهجرة إلى الجزائر للعمل في شركة تنقيب نفط هناك، وذلك عن طريق شخص ادعى أنه يؤمن فرص عمل جيدة في تلك الشركة، وذلك مقابل راتب شهري يصل إلى 600 يورو”، ولفت إلى أن الشخص الذي جمع أكثر من عشرين شخصا طلب منهم دفع مبلغ قدره 100 ألف ليرة سورية كدفعة أولية ، “كتكاليف للسفر”، وأضاف عبد الهادي: “فعلا دفعت ذلك المبلغ للشخص على أن أدفع بقية المبلغ بعد أن أحصل على الدعوة من الشركة الجزائرية والموافقة على السفر والذي سيقوم بتأمينها الشخص الذي يدعى أبا خالد، ووعدني الشخص الذي يقطن في ضاحية قدسيا بريف دمشق أن أحصل على الموافقة بعد شهر، وقال عبد الهادي: مر الشهر الأول ولم تأت الموافقة، ومر الثاني ولم تأت الموافقة، وكنت كما تكلمت مع الشخص الذي سيؤمن السفر قال لي:” إن كنت تشك بي تعال وخذ أموالك. لافتا إلى أنه لم يقم بأخذ أمواله كون العديد من الناس دفعوا وأرادوا السفر للعمل في الجزائر”.
وقال: بعد مضي شهرين اتصل بنا الشخص وأكد انه حصل على الموافقة وأن الشركة أرسلت بدعوات إلى السفارة الجزائرية في لبنان، وأرانا عبر “جواله” بأن الدعوات أتت وإن موعد السفر قد حان وعلينا أن نجهز كل أمتعتنا خلال مدة عشرة أيام. وفعلا بدأنا بذلك فقمت ببيع “بسطة الملابس” التي كنت اعمل عليها بمبلغ نصف مليون ليرة واشتريت ما احتاجه، وبعد مضي العشرة أيام بدأنا بالاتصال بالشخص الذي سيقوم بتأمين سفرنا، إلا أنه بدأ بالمراوغة وقال غدا وبعد غد، حتى اضطررت بالاتصال إلى السفارة الجزائرية في لبنان للتأكد إن كان هناك دعوة أتت باسمي وأسم أخي للعمل في شركة تنقيب النفط، إلا أن الواقع كان مغايرا حيث أكد موظف السفارة بأنه لا يوجد أي دعوات أتت بأسمائنا، وبعد أن ذهبنا إلى الشخص لاسترجاع أموالنا كان قد سافر وبجعبته أموالنا وأموال الكثير من الناس، وما كانت الموافقة التي أرانا إياها إلا تزويرا عبر برامج التصميم الفوتغرافي.
وأضاف عبد الهادي: “خسرت ما يقدر 100 ألف ليرة كاش، وخسرت “البسطة” التي كنت أعمل بها والتي بعتها بنصف ثمنها”، وخسرت عملي ورأسمالي، وبدأت من “تحت الصفر” ورجعت للعمل كبائع للحطب.
موقف حكومي صائب
يبقى القول بأنه على الحكومة أن تقوم بإجراءات من شأنها الحد من هذه الظاهرة الخطيرة، والوقوف على الأسباب الحقيقية لتوسعها، وذلك عن طريق تلبية متطلبات الشباب وتأمين فرص عمل مناسبة لهم، والعناية بحاجياتهم، والوقوف على همومهم، فليس من المعقول أن يتم ترك الشباب يهاجرون، فمن سيقوم ببناء وطننا سوريا؟ ومن سيعوض خسارة الوطن من هجرة الخبرات العلمية الشابة؟.القضية جداً خطيرة وتحتاج إلى موقف حكومي صائب.