بين شح مازوت التدفئة وارتفاع أسعار المدافئ.. المواطن تائه في البحث عن الدفء وغض الطرف أصبح موضة..!!
سينسيريا ـ وسيم وليد إبراهيم:
هاهو الشتاء دخل في أشهره، وهاهي المدافئ لا تزال إلى الآن مركونة في المنازل لم يتم استخدامها أو حتى التفكير في ذلك من قبل المواطنين وخاصة ذوي الدخل المحدود، ففي حال كان المواطن قادرا على شراء مدفئة المازوت أو كانت موجودة لديه سابقا، فإن شراء مادة مازوت التدفئة أصبح صعبا للغاية وخاصة مع ارتفاع أسعارها.
فإلى الآن لا تزال عمليات التوزيع وخاصة في ريف دمشق تسير بوتيرة بطيئة جدا، حتى أن الوحدات الإدارية تقوم بتوزيع 40 لترا على الأسر وليس 200 لتر وبسعر 155 ليرة للتر الواحد، أي أنها تخالف جميع القرارات الناظمة لعمليات توزيع المازوت على الأسر سواء من حيث الكمية أو من حيث السعر النظامي للتر المازوت، وهذا ما أكده رئيس نقابة عمال النفط مؤخرا حيث وجه اتهاما لمديري النواحي والمخاتير ولجان الأحياء في مناطق من ريف دمشق بعدم تحقيق العدالة في توزيع مادة المازوت للمواطنين هناك، وامتد اتهام مرعي ليطال الأساليب التي يتم على أساسها توزيع المادة في الكثير من المناطق الريفية والتي لا تستند إلى أي خطة أو آلية واضحة، لافتا إلى أن المكلفين بتوزيع مادة المازوت يقومون بتأمينها لأقريائهم والمقربين منهم بالدرجة الأولى، في حين أن جزءا بسيطا من هؤلاء المواطنين والأسر يحصلون على حاجاتهم عبر تسجيل أسمائهم.
وهناك صعوبة تواجه من لديه القدرة على شراء مازوت التدفئة، ليس لعدم توفر المادة فقط بل أيضا نتيجة المحسوبية والواسطات والمعارف الشخصية التي تمارسها بعض الوحدات الإدارية على المواطنين، حيث نجد أن أقارب أعضاء المجالس المحلية حصلوا على مازوت التدفئة في حين أن الكثير من المواطنين الآخرين حتى المهجرين لم يحصلوا على لتر واحد على مدار عامين مضو.
امتناع الكثير من المواطنين عن تعبئة مازوت التدفئة لارتفاع سعرها..
الظاهرة التي بدأنا نسمع عنها خلال العام الماضي وهذا العام هي أن الكثير من المواطن، لم يعد لديهم القدرة على تعبئة مادة المازوت وخاصة بعد تضاعف سعر ليتر المازوت مقارنة مع نفس الفترة من العام الماضي حيث كان يباع بـ75 ليرة حيث أوضح فرع دمشق للمحروقات خلال الشهر الحالي، أن عدد المعتذرين عن استلام المادة بلغ 5737 مواطناً مكتتباً بعضهم يكون هاتفه خارج التغطية أو غير موجود في المنزل وآخرون لا يملكون ثمن المازوت.
وفي العام الماضي أوضحت إحصائيات فرع محروقات دمشق أن 15% من مجموع الطلبات المسجلة على المازوت لم يستلمها المواطنون لعدم قدرتهم على دفع ثمنها، أيضا وفي إحصائية لنقابة عمال النفط والثروة المعدنية بدمشق، خلال العام الماضي، أن عدد الطلبات المسجلة بمركز برزة بلغت 39 ألفاً، نُفّذ منها أكثر من 22 ألف طلب، وامتنع نحو 6 آلاف مواطن عن الاستلام، أما عدد الطلبات المسجلة في مركز غرب الميدان بلغت 10400 طلب نُفّذ منها ثمانية آلاف طلب وامتنع نحو ألف مواطن عن الاستلام.
إذا امتناع المواطنين عن التزود بمادة المازوت يعبر بكل تأكيد عن ضعف قدرتهم المادية وحالتهم الاقتصادية وخاصة بعد رفع أسعار المازوت، ونعتقد أن المازوت تعتبر مادة أساسية للتدفئة ولن يستغني عنها المواطن إلا في حال كانت قدرته المادية تحت الصفر، وهذا بالطبع ينذر بأن الأوضاع الاقتصادية لدى فئة عريضة من المواطنين باتت سيئة نتيجة ارتفاع الأسعار الكبير الذي عم جميع السلع والمواد والخدمات، ونعتقد أن المواطن لم يستغني عن المازوت فقط بل استغنى عن الكثير من السلع والمواد الأخرى واعتبرها غير ضرورية على الرغم من أنها ضرورية، وهذا الأمر يحتاج إلى تحرك حكومي لمعالجة ضعف القدرة الشرائية لدى المواطنين والتدخل لتلبية احتياجاتهم، ومكافحة التلاعب بالأسعار بالنسبة للمواد والسلع الأساسية، وتأمين مادة المازوت لغير القادرين على شرائها إما بالتقسيط المريح وفق ضمانات معينة أو عن طريق اقتطاع جزء من الراتب كل ثلاثة أشهر في حال كان موظفا في القطاع العام.
العودة إلى الحطب..
الكثير من المواطنين عادوا إلى الحطب رغم “الشحار” الذي طالهم خلال الشتاء الماضي، ورغم عدم فعاليته وانتشار الغش فيه أيضا والمتاجرة، فهم منذ أشهر الصيف لاحظنا أن الكثير من المواطنين بدؤوا بتخزين الحطب في منازلهم حذرا من شتاء قارص ولمعرفتهم المسبقة بأنه لن يكون لديهم القدرة على شراء المازوت، وبالطبع حتى الحطب لم يسلم من ارتفاع الأسعار حيث بلغ سعر الطن 30 ألف ليرة بعد أن كان بـ18 ألف ليرة خلال العام الماضي وبعد أن كان بـ 10 آلاف ليرة خلال 2013 في حين كان ب 7- 8 آلاف ليرة قبل ثلاثة أعوام، ورغم عدم جدواه إلا انه يبقى وفق نظر الكثير من المواطنين خير من الانتظار على طوابير التوزيع وانتظار أرقام التوزيع في الوحدات الإدارية التي توزع وفق مبدأ “أنا وأقاربي ومن بعدي الطوفان”.
كما لجأ الكثير من المواطنين إلى التدفئة على الكهرباء، حتى باتت ساعات التقنين تطول أكثر وأكثر وخاصة في المناطق الجبلية مثل ريف دمشق الشمالي عدا عن الأعطال المتكررة نتيجة الاستجرار غير المشروع للكهرباء، وضعف الكهرباء، حيث لا تصل إلى المنازل إلا باستطاعة 160 فولت في الكثير من الأحيان وهذا الضعف ناتج عن الاستجرار الكبير في الكهرباء.
المواطن حاليا ووفق ما لاحظناه وتابعناه فإنه توجه إلى الغاز رغم رفع سعر الأسطوانة بشكل كبير، حتى أنه قام بتحويل مدافئ المازوت لتعمل على الغاز “فالحاجة أم الاختراع”، كما كثر في الآونة الأخيرة شراء مدافئ الغاز التي تراوحت سعرها ما بين 25 ألف ليرة للمستعمل ووصلت إلى 55 ألف ليرة للجديد مع الإشارة إلى أن سعرها كان قبل الأزمة نحو 7 آلاف ليرة فقط.
ارتفاع غير مسبوق في أسعار كافة أنواع المدافئ..
المدافئ هي الأخرى لم ترحم المواطن، حيث قفزت أسعارها بشكل خيالي للتجاوز 100%، فبدأت أسعار مدفئة المازوت من 12500 ليرة ووصلت إلى 25 ألف ليرة وهي ذات ماركة معروفة، في حين أن أقل مدفئة تعمل على المازوت سعرها يبلغ 9 آلاف ليرة في حين كان سعرها الشتاء الماضي لا يتجاوز 4 آلاف ليرة، حتى (البواري) فقد شهدت ارتفاعا مخيفا في أسعارها حيث يبلغ سعر المتر الواحد 600 ليرة و(الكوع) ب 500 ليرة أيضا، أي أن المواطن ستكلفه مدفئة المازوت مع (البواري) الخاصة بها مالا يقل عن 15 ألف ليرة في حال كانت المدفئة رخيصة الثمن، وربما أكثر من 30 ألف ليرة في حال كانت المدفئة من طراز معروف في السوق المحلية.
مدافئ الكهرباء التي زاد الطلب عليها أيضا ارتفعت أسعارها هي أيضا، حيث تبدأ من 1500 ليرة وهي الأرخص في الأسواق، في حين أن المدافئ الأخرى والتي تحمل ماركة مسجلة فإن سعرها يتراوح 6 آلاف ليرة وهي ذات ثلاثة مشعات، في حين أن هناك مدافئ كهربائية يبلغ سعرها 7 آلاف ليرة وهي تحمل أربع مشعات ومدافئ كهربائية موفرة للطاقة يتراوح سعرها ما بين 5 إلى 8 آلاف ليرة، وذلك حسب حجمها وعدد المشعات التي تحتويها.
كما لجأ بعض المواطنين خلال هذا الشتاء والشتاء الماضي أيضا إلى ما يسمى ب(الحصر) الكهربائية، حيث يتراوح سعرها بين 2500 إلى 3500 ليرة ولكنها تعتبر خطيرة من حيث استخدامها كون الكثير من حالات الحريق سجلت خلال الشتاء الماضي نتيجة ماس كهربائي حصل بها، وهناك المدافئ المزودة بتقنية التوربين للهواء الساخن وذات الجودة العالية إلا أن الطلب عليها يعتبر قليلا جدا كونها مرتفعة الثمن، حيث يتراوح سعرها ما بين 13 آلف ليرة ويصل إلى حدود 16 ألف ليرة وذلك حسب الماركة ونوعيتها.
ووفقا للعديد من البائعين والمصنعين فإن ارتفاع أسعار المدافئ العاملة على المازوت والحطب والغاز والكهرباء، يعود لارتفاع تكاليف الإنتاج، حيث أشار أحد البائعين لـ”سينسيريا” أن تكلفة إنتاج المدفئة مرتفع جدا فمعظم المواد الداخلة بالتصنيع مستوردة ومرتبطة بسعر الدولار، إضافة لارتفاع أسعار الكهرباء والمازوت للمعامل والورش والأضرار التي لحقت بالعديد من الورش، والتي اضطر أصحابها لنقل منشآتهم لمناطق جديدة وتحملوا أعباء مادية كبيرة نتيجة لذلك، وبعضهم توقف نهائيا عن العمل، كما أن تكاليف النقل احتلت نسبة ليست بقليلة من التكاليف، حيث يتم النقل بعض أنواع المدافئ و”البواري” من العديد من المحافظات مثل محافظة حمص.
المواطن يبحث عن الدفء.. وأضرار بيئة وصحية ومادية
بعد عرض السابق نصل إلى سؤال يحتاج إلى إجابة: كيف لذوي الدخل المحدود أن يحصلوا على الدفء خلال الشتاء؟، فجميع وسائل التدفئة والوقود الخاص بها أصبحت مرتفعة السعر لدرجة غير معقولة، حتى الألبسة و”الحرامات والشراشف الشتوية” ارتفعت أسعارها، وكذلك السجاد، وهنا لابد من الإشارة إلى ظاهرة في غاية الخطورة لوحظت الشتاء الماضي وهو تحول المواطنين إلى التدفئة على الحطب ولجوء تجار الحطب إلى قطع الكثير من أشجار الغابات الحراجية، وبالطبع فإن ذلك له منعكسات خطيرة على البيئة، كما أن اللجوء إلى الكهرباء في التدفئة له منعكسات سلبية صحية ومادية.
وأوضحت دراسة سابقة قام بها المركز الوطني لبحوث الطاقة، أن استخدام المدافئ الكهربائية للتدفئة بدلاً عن مدافئ المازوت سيزيد من تكاليف توليد وتوزيع الكهرباء بالنسبة لخزينة الدولة إلى الضعف على أقل تقدير, وقد أشارت الدراسة إلى أن المدافئ الكهربائية ولاسيما التي تعمل بسلك معدني متوهج, وهي الأكثر شيوعاً واستخداماً نتيجة سعرها المنخفض بالمقارنة مع الأنواع الأخرى, لها أضرار على صحة الإنسان وجهازه التنفسي والقلبي والنفسي بسبب تأثيراتها المباشرة في فيزيائية الجو المحيط داخل الغرف والمنازل.