بعد إطلاقها.. القروض التشغيلية ستواجه خسائر متأثرة بتقلبات سعر الصرف..!!
سينسيريا ـ خاص:
هناك قاعدة اقتصادية مختصة بالقروض تقول “أنه طالما هناك عدم استقرار فإن سياسة الإقراض تعتبر مضرة سواء من ناحية المصرف أو من جانب المستثمرين الذين يودون الاقتراض”، ولكن هذه القاعدة لها استثناءات ضمن ظروف عدم الاستقرار في حال كان الهدف منها تنشيط أي عملية من شأنها دفع العجلة الاقتصادية للأمام..
ولنعد إلى ما أعلنته المصارف العامة عن طرحها للقروض التشغيلية ولنعرض شروطها وضماناتها بسرعة، فمثلا المصرف العقاري أعلن مؤخرا أنه سيبدأ بمنح القروض التشغيلية مع مطلع العام القادم.
أما المصرف الصناعي فقد اتخذ قراراً مبدئياً بعدم إطلاق القروض التشغيلية، وذلك بسبب ارتفاع قيمة الديون الممنوحة من المصرف وتوجيه جهوده في الفترة الحالية إلى جهة تحصيل مستحقاته.
وتفيد معلومات حول التعليمات التنفيذية فيما يخص سقف القرض في كل مصرف، بأن السقف الأولي المقرر للقرض من المصرف التجاري السوري هو مليون ليرة سورية، وللمصرف العقاري 3 ملايين ليرة سورية، ونصت مسودة التعليمات التنفيذية للمصرف الصناعي تحديد سقف القرض بـ10 ملايين ليرة سورية، أما مصرف التوفير فمن المرجح أن يكون سقف القروض محدداً بمليون ليرة سورية، ومصرف التسليف الشعبي بسقف مليون ليرة سورية.
أما المصرف الزراعي التعاوني كان المصرف الوحيد الذي أصدر منذ وقت سابق قراراً استأنف بموجبه تمويل إقراض الغايات الزراعية، بحيث أصبح استئناف التمويل عن طريقة إعادة حسم الإسناد وتجهيزها لدى مصرف سورية المركزي، باعتباره أحد أهم مصادر التمويل لدى المصرف الزراعي التعاوني.
قروض الاستثمار ذو فاعلية أكبر
ولكن هناك نقاط كثيرة أغفلت حول هذه القروض وخاصة في ظل تذبذب سعر صرف الليرة والخسائر التي قد تطال الطرفين.. تعليقا على ذلك بين الخبير المصرفي عماد هاشم طاهر في تصريحه لـ”سينسيريا”، أن القروض التشغيلية مخصصة لتمويل رأس المال العامل، ومن المعروف أن أي مشروع يستهلك معظم رأسماله عند التأسيس برأسمال الثابت “بناء ـ آلات ـ معدات ـ أثاث…” وبالتالي هذه القروض بهذا الشكل لا تهدف إلى زيادة رأسمال الثابت بالاقتصاد الوطني، مضيفا “لو كان هناك قروض تهدف إلى زيادة الاستثمارات بالاقتصاد الوطني ويكون دورها زيادة الإنتاجية وتشغيل اليد العاملة فهي تعتبر ذو فاعلية أكبر”.
ولفت إلى أن هذه القروض موجهة لتمويل رأسمال العامل أي مواد أولية ومواد مساعدة للإنتاج وبالتالي من هي هذه الجهات التي من الممكن الاستفادة من هذه القروض “القطاع الزراعي بشقية النباتي والحيواني يتأثر بالعوامل الجوية بالدرجة الأولى وبارتفاع تكاليف الإنتاج بالدرجة الثانية، جميع القطاعات الصناعية أو الحرفية يلاحظ أن تكاليف رأسمال العامل مرتفعة وخصوصا بعد الانخفاض بقيمة الليرة السورية مما أدى على ارتفاع تكاليف كافة المواد الأولية والمواد المساعدة للإنتاج.
وهنا نصل لنقطة، هل مبلغ مليون إلى ثلاثة ملايين ليرة تكفي لتمويل رأسمال العامل لأي منشأة؟..مثال: “تربية الدواجن: لدينا تكاليف ثمن فراخ الدواجن مع ثمن الأعلاف مع ثمن محروقات فمثل هذا المبلغ لا يكفي لتمويل تربية فوج واحد من أنواع الدواجن على اعتبار كان رأسمال الثابت كاملا وجاهزا للعمل”.
بعد أخذ بالاعتبار الملاحظة السابقة نصل لنقطة وهي إمكانية التسويق لمنتجات ممولة بموجب قروض عليها فائدة تصل إلى 13% مما يعني ارتفاع التكاليف مقارنة مع نفس منتجات غير ممولة بموجب قروض، يعني إمكانية المنافسة ضئيلة وبالتالي يشكل هذا الموضع تعثرا أوليا لصاحب المنشأة.
ماذا عن تقلبات سعر الصرف.؟
ونصل لموضوع مهم وهو سعر صرف الليرة السورية حيث إذا أخذنا بالاعتبار مدة إنجاز القرض تتراوح ما بين 45 يوما إلى 60 يوما ومع تقلبات سعر صرف الليرة نلاحظ ن بأن المقترض سوف يخسر مباشرة من مبلغ القرض نتيجة انخفاض سعر الصرف الذي يقابله ارتفاع أسعار المنتجات التي سوف يشتريها المقترض بموجب القرض المستمر وهنا ارتفاع تكلفة الإنتاج أيضا.
موضوع الضمانات يلاحظ أن المطلوب هو ضمان 200% من مبلغ القرض فمثلا قرض 3 ملايين ليرة يعني تقديم ضمانة بمبلغ 6 ملايين ومن المعروف الارتفاع الهائل بأسعار العقارات بالمناطق الآمنة وبالتالي من الذي يرهن عقار قيمته 50 مليون أو 10 ملايين لقاء قرض 3 ملايين ليرة؟؟.
قرار استئناف القروض التشغيلية يهدف إلى تحريك عجلة العملية الإنتاجية بالاقتصاد الوطني ويطلب المصرف الممول أن يكون المشروع قائم ويكون لديه دخل فعلي، ولكن يلاحظ خلال هذه الأزمة أن بعض المهن والورش بحاجة لدعم بسيط لإعادة ترميم بعض الأثاث أو البناء أو الآلات نتيجة ظروف الحرب وبالتالي مثل هذه القروض من الذي سوف يقدم لها الدعم من أجل إعادة الانطلاق إلى العمل.؟
واقترح الخبير المصرفي، أن يصدر قرار أكثر شمولية وعمومية لتحريك عجلة إنتاج الاقتصاد الوطني وأن يكون لدى المصارف بمساعدة هيئة تخطيط الدولة أو الوزارات المختصة قدرة على توجيه المقترض لبعض المناطق أو القطاعات التي تشكل قاطرة لدفع عجلة الاقتصاد الوطني بمعنى أن ندعم قطاعات يعمل من خلفها عدة قطاعات أو مهن أخرى مرتبطة بها أو تقديم قروض مدعومة حسب المناطق وكل ذلك يكون بناء على دراسات مستفيضة وليس بناء على قرار بأن نرغب بمنح قروض.
ما يتعلق بالضمانات يجب الأخذ بعين الاعتبار إمكانية استخدام الضمانة المقدمة لتمويل أكثر من قرض إذا كانت قيمتها تسمح بذلك ويتم ذلك بالتنسيق مع الجهات المختصة مثل مديرية المصالح العقارية، مثال: “3 قروض كل قرض بقيمة 3 ملايين يكون المجموع 9 ملايين وضمانة عقارية قيمتها 20 مليون ليرة فيجب أن تكون ضمانة للقروض الثلاثة وليس فقط لقرض واحد طبعا على اعتبار توافق الأطراف”.
ورأى الخبير أن أهم قضية بدراسة القرض هو سعر الصرف لما له من أثر كبير على المقرض والمقترض حيث أن فائدة 13% لا تعوض انخفاض قيمة المقترض الذي منحه المصرف، وكما ذكرنا سابقا يؤدي إلى ارتفاع تكلفة رأسمال العامل، وبالتالي لا بد من دراسة كل قرض بحيث يلبي حاجة المقترض ويعوض المصرف عن خسارته جراء انخفاض سعر الصرف.
الأزمة رفعت درجة المخاطر الائتمانية
مصدر مصرفي فضل عدم ذكر اسمه أوضح في تصريحه لـ”سينسيريا”، أنه يجب أن تكون للمصارف سياسة خاص للإقراض في ظل الأزمة بحيث توجه هذه القروض لقطاعات معينة ومضمونة من ناحية ضمان استرداد أموال المصرف، ومن ناحية عوائد هذه المشاريع، لافتا إلى أن من حق المصارف قي ظل الأزمات أن تطلب ضمانات أكثر وهذا أمر طبيعي في ظل الأزمة وهنا يجب أن تدقق المصارف بشكل جيد في طبيعة المشاريع التي ستمولها بالقروض وتتأكد من جدواها الاقتصادية.
ولفت المصدر إلى أن الأزمة الراهنة التي تمر على سورية رفعت درجة المخاطر المصرفية وخاصة مع قضية القروض المتعثرة التي تواجهها معظم المصارف العامة والخاصة حاليا، وكان أغلب هذه المخاطر ائتمانية بالإضافة إلى مخاطر تقلب أسعار الصرف والفائدة، عدا عن المخاطر التشغيلية، وذلك بدليل التراجع الكبير والذي وصل إلى حد التوقف عن منح الائتمان سواء من قبل المصارف العامة أو الخاصة سابقا، لأن الائتمان يتأثر بمعدل التضخم وفي حالات التضخم فإن المقرض يخسر والمقترض يربح ويضاف إلى ذلك مخاطر ارتفاع سعر الفائدة الذي يقابل بفائدة دائنة اقل وحسب أجال القروض قد يؤدي ذلك إلى تحقيق خسارة مؤكدة، لذلك تعمد المصارف إلى تقييد الائتمان في فترة الأزمات وهذا ينعكس بتراجع معدلات الاستثمار وتراجع النمو وزيادة البطالة وانخفاض الدخل والذي يترافق مع ارتفاع في سعر صرف العملة الأجنبية، مما يحفز من جديد ارتفاع الأسعار وتراجع الطلب الناجم عن تراجع الدخل وبالتالي تعميق الأزمة.
ويضاف إلى ذلك مخاطر سعر الصرف الأجنبي حيث يتقلب سعر الصرف بنسبة كبيرة وقد يلحق ذلك موجودات المصرف بخسائر مؤكدة، حسب حالة السوق ويضاف إلى كل ذلك ضعف كفاءة الإدارة المصرفية وضعف كفاءاتها في إدارة الأزمة.