دراسات و تحقيقات

الوصفة جاهزة..الصين تدعم مشاريعها الصغيرة بـ12 خطوة.. والسيناريو لدينا لا يزال يراوح مكانه فلماذا لا نطبقها..؟

سينسيريا ـ وسيم وليد إبراهيم:  
قضية قديمة جديدة تثار مجددا من قبل وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية عن دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، حيث ذكر وزير الاقتصاد مؤخرا في تصريح له، أن مجلس الوزراء أقر مشروع نصوص تشريعية كانت اقترحتها الوزارة تلبي حاجة الاقتصاد الوطني وتؤسس لنقلة نوعية جديدة له وتعمل على تفعيل التشاركية بين الجهات العامة وقطاع الأعمال لضمان حسن التنفيذ وفعاليته لافتا إلى أن النصوص التشريعية المذكورة قامت بها الوزارة تطبيقاً للبرنامج الاقتصادي للحكومة وبما يقوم عليه من مقاربة تنموية لتطوير البنية الارتكازية للإنتاج الزراعي والصناعي والخدمي ودعم قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة ذات المكانة الأساسية في النمو الاقتصادي والتشغيل والتطوير.

وأشار الجزائري إلى أن من بين النصوص المقترحة إحداث هيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة والتي ستكون جزءا من منظومة عمل متكاملة تهدف إلى رسم واقتراح السياسات والبرامج اللازمة لتشجيع الأعمال وتطوير قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة والعمل على التنسيق والربط بين استراتيجيات وخطط التنمية الوطنية نظرا لأن هذا القطاع تتجاوز نسبته 95 بالمئة من منشآت القطاع الخاص ويلعب دورا مهما في التأثير على المتغيرات الاقتصادية بمجملها ليكون المحرك الأساسي للنشاط الاقتصادي والحرفي.

بالطبع هذه الكلمات التي ذكرها وزير الاقتصاد لم تكن بجديدة فهي معروفة لدى الصغير والكبير، ولا يخفى على أحد مدى أهمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، فجميع اقتصادات العالم تعتمد بشكل كبير على هذه المشاريع، ولكن لماذا الدعم في تلك الدول ينجح في حين أنه في سورية لا يزال قيد الأخذ والرد وطرح الأفكار، بمعنى أخر “يراوح مكانه”.

ومن الجدير ذكره أن مجلس النقد ألزم المصارف العامة بطرح قروض تشغيلية وصلت لسقف 3 ملايين ليرة، ولمدة عام وبضمانات عقارية، ولكن لم يبدي سواء ثلاث مصارف استعداده لهذه القروض التشغيلية التي ستواجه العديد من الصعوبات والمعوقات سنأتي على ذكرها في تحقيق أخر.

وهنا لا بد من طرح سؤال: كيف يتم دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة في الدول المتقدمة صناعيا، مثلا في الصين التي تعتبر من أقوى اقتصادات العالم، كيف يتم دعم المشاريع الصغيرة فيها؟، علنا نستفد من تجربتها ونطبق ما تقوم به في سورية أو على الأقل نأخذ ما يناسب اقتصادنا من هذه التجربة، وخاصة أن اقتصادنا يعتمد بشكل كبير على هذه المشاريع كون المشاريع العملاقة تعرضت للتخريب والسرقة والنهب، كما أن هذه المشاريع لها دور كبير جدا في امتصاص معدلات البطالة التي ترتفع يوما بعد يوم في مجتمعنا.

هكذا تدعم الصين

لمعرفة ذلك أجرت “سينسيريا” اتصالا بالصناعي والتاجر السوري في الصين فيصل العطري، الذي أوضح أن المشاريع المتوسطة والصغيرة تشكل رافعة اقتصادية هامة لكافة الاقتصادات في العالم، لما تتحلى به من مرونة فالمشاريع الكبرى تشبه “مسنا ضخما” يتطلب دورانه قوة كبيرة ولكن بالمقابل يصعب التحكم بحركته”، ولفت إلى أن ما يميز المشاريع المتوسطة والصغيرة المرونة الفائقة حيث تجعلها أكثر قدرة على التعامل مع التغيرات المفاجئة.

ونوه إلى أنه غالبا ما تقوم المشاريع الصغيرة والمتوسطة على الاستثمار بالفكرة أو بالكفاءات الفردية مما يجعلها سريعة النمو إذا وجدت مناخاً ورعاية كافيين.

ونوه العطري، إلى أن ابرز ما تواجهه المشاريع المتوسطة والصغيرة هو: 1- دراسة السوق. 2- تأمين التمويل. 3- إيجاد خطة العمل. 4- التسويق.

ولفت إلى أن الصين وفرت هذه الروافع جميعها من خلال  البنى التحتية، إذ وفرت لهم مناخ عمل مستقر وبنى تحتية ثابتة، كما سهلت استيراد المواد الأولية من معدات وأجهزة صناعية، كما وفرت لهم تيارا كهربائيا مستقرا ووفرت لهم قانون عمل عادل بحيث يمكن لصاحب العمل أن يضمن استمرار عماله بالعمل وحسن أداؤهم لأعمالهم وتضمن للعامل عدم أكل حقوقه وتعويضاته.

12 خطوة لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة

كما وفرت لهم: 1- مواقع البحث والإحصاء بحيث تقدم لهم دراسات كافية و مجانية لكل من يطلبها من الصينيين. 2- يمكن لأي مواطن صيني إيجاد ممول لمشروعه من خلال عرض فكرته الناجحة على البنوك المختصة. 3- تقوم الشركات المتخصصة بدراسة المشروع ورسم أفضل خطة بحيث تجنب صاحب المشروع من المطبات والمشاكل المحتملة. 4- قامت الحكومة الصنية بتأمين عشرات مواقع التسويق المحلية والعالمية وبمستويات محترفة ومكنت المشاريع الصغيرة والأشخاص “حتى من لا يملك أي ترخيص” من التسجيل المجاني بها. 5- وفرت دورات ومراجع لتقوية من يرغب باللغة الإنكليزية وقدمت دورات احترافية وبأسعار رمزية لتدريب الصينيين على أصول التعامل مع الغريب والتعامل مع الشركات. 6- فصلت بين هيئة مكافحة التهرب الضريبي وبين منافذ التجارة والتصدير والبنوك مما مكن ملايين الأشخاص من إنشاء شركات و ورشات صناعية بسيطة ضمن منازلهم ودون تراخيص وبرأسمال فردي. 7- تفوقت على كافة الدول من حيث إزالة أي عائق أمام عمليات التصدير مهما كانت بسيطة “عينات” أو ضخمة وشجعت شركات الشحن بكافة اختصاصاتها من التواجد في السوق الصينية. 8- شجعت شركات التفتيش العالمية والمخابر العالمية على التواجد في السوق الصيني بحيث يمكن لأي مستورد طلب التفتيش على بضائعه أو طلب التحاليل الكيميائية أو الوثائق الصحية من المخابر العالمية المتواجدة بالصين.

مستطردا والحديث للعطري:  “سورية تملك أفضل زيت في العالم ولكننا نعجز عن تصديره بسبب عدم توفر مخابر معتمدة لتقديم شهادات اللازمة لذا يتم تهريب الزيت وباقي المواد الغذائية لبلاد اخرى حيت تصدر بأضعاف قيمتها”.

9- لا تمارس الحكومة الصينية أي ضغط على أي مصنع آو شركة تجارية حتى مع معرفتها التامة انه يمارس عمله دون الالتزام بقانون الضرائب “علماً أن عقوبات قانون التهرب الضريبي صارمة للغاية”. 10- تتغاضى عن أي نقود تدخل للحساب الشخصي لأي مواطن صيني وتمكنه من قبضهم بالعملة المحلية أو الدولار وفي حال رغبته بصرفهم تتيح له صرفهم من البنك بقيمة أعلى من قيمتهم الحقيقية ، علماً أنها غالبا ما تكون واردات من أعمال تجارية لقاء تصدير بضائع. 11- تقدم للمصانع والشركات المسجلة ما يدعى بعائدات المرتجع الضريبي حيث تدعم تلك الصناعات بنسب تصل حتى 10%، فمثلا إذا قام مصنع بتصدير مادة مدعومة وقدم أوراق الشحن وإشعار وصول الحوالة تقوم الحكومة الصينية بتقديم 10% من قيمة الحوالة كحسم على ضرائبه. 12- يمكن لأي مواطن صيني استيراد مواد أولية لإجراء التجارب دون أي ضرائب.

ونوه إلى أنه يوجد حاليا في الصين مئات الآلاف من المصانع والورشات الغير مسجلة وملايين الشركات الغير مسجلة أو المسجلة كشركات وهمية يقوم كل هؤلاء بتامين عشرات الملايين من فرص العمل ورفد الاقتصاد الصيني بأموال لا حصر لها أزالت عن الحكومة عوائق ومشاكل ضخمة.

ولفت إلى أن أسعار الطاقة في العالم كله بما فيها الصين غالية، مشيرا إلى أن الصين لديها ميزة هامة جدا عن كل دول العالم، حيث استطاعوا جذب أهم الاستثمارات بحجة رخص الحياة واليد العاملة الرخيصة فقامت معظم شركات إنتاج المواد الولية بالتواجد بسوقهم مما وفر المواد الأولية بشكل كثيف.

وأشار إلى أنه لو قمنا بنقل مصنع من الصين لمصر مثلا “حيث اليد العاملة المصرية ارخص بكثير”  لفوجئنا أن المعمل سيخسر بسبب تكاليف استيراد المواد الأولية، فالصين جذبت استثمارات لصناعة المواد الأولية واستيرادها، وطرح في سبيل ذلك مثالا: “مساطر الليدات التي تراها غزات أسواقنا، إن أفضل نوعيات منها تحوي ليدات مستوردة، حيث قامت شركات إنتاج هذه الليدات بفتح وكالات تمثيلية لها وأمنت توفر هذه المواد بشكل دائم، لكن بالمحصلة لو أرادت صناعة نفس القطعة في كوريا لما أمكنك إنتاجها بنفس سعر الصين”.

وأشار إلى أنه لا ينقصنا في سورية سوا القوانين الناظمة، حيث تتوفر فيها اليد العاملة الرخيصة، لافتا أن الحكومة الصينية وفرت لشعبها لمن يرغب بالعمل فرصا رائعة مما جعل المواطن الصيني يركض لتامين معيشة لائقة.

الوصفة جاهزة..فهل يمكن تطبيقها؟

بعد عرض السابق، لا بد من التأكيد على أن الخطوات السابقة لا تعتبر خطوات تعجيزية للحكومة لدينا، حيث يمكن تطبيقها لدينا ووضع التشريع المناسب لها، بدلا من إنشاء الهيئات المستقلة والمؤسسات التي قد تؤدي إلى زيادة الإجراءات والبيروقراطية وروتين المعاملات التي من شأنها إعاقة العمل، كما لا بد من التأكيد على أن للمصارف الخاصة الدور الأكبر في تمويل المشاريع الصغيرة، لا أن يقتصر الدور فقط على المصارف العامة، ولا ننسى أيضا، أن أهم خطوة للمشاريع الصغيرة هي دراسة الجدوى، فمن سيقدم دراسة الجدوى للمقترض الذي يريد مبلغا من المال من المصارف؟..وكيف سيتم ذلك..نعتقد أن الوصفة جاهزة ولكن تحتاج إلى تحرك حكومي لتطبيقها.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى