مصارف ومال

الليرة قوة صامدة ولكن: هل يلاحق المركزي سعر صرف السوداء فعلا..؟

سينسيريا ـ خاص:

لا شك أن الحرب الظالمة التي تتعرض لها سورية اتسمت بالشراسة وبأنها كانت حربا عسكرية وحربا اقتصادية استهدفت البنى الاقتصادية للمؤسسات العامة والخاصة بالإضافة إلى إضعاف الليرة، ولكن كل المحاولات التي استهدفت من النيل من الليرة السورية باءت بالفشل حيث أنها إلى هذه اللحظة تشكل قوة شرائية في حال مقارنة هذه القدرة الشرائية مع الفترة الزمنية للحرب فهو يعتبر صمود أسطوري لها، فلم يكل ولم يمل أعداء سورية من ضرب الليرة السورية سواء من خلال المضاربات في السوق السوداء أو من خلال المضاربة عليها في الخارج.

وبين الفترة والأخرى تقوم الحكومة ممثلة بالمصرف المركزي بعملية تدخل في سوق القطع الأجنبي وذلك كنوع من زيادة عرض القطع الأجنبي في السوق والمحافظة على استقرار سعر صرف الليرة أو خفضه قليلا..وإلى هذه اللحظة لا يزال المركزي يتبع نفس الطرق منذ بداية الأزمة السورية، وهناك من شكك بمصداقية شركات الصرافة في الدفاع عن الليرة السورية وفي عملية بيع القطع الأجنبي، وهناك من رأى أن الأسلوب الراهن في التدخل بسوق القطع الأجنبي من قبل المصرف المركزي باتت لا تشكل أثرا بالغا، وأنه يجب التوجه إلى أساليب أكثر تأثيرا.

هل المركزي يلاحق سعر السوق السوداء؟!!

وهنا نسأل كيف يمكن الحد من ارتفاع سعر صرف القطع الأجنبي مقابل الليرة السورية؟.

الخبير المصرفي عماد هاشم طاهر أوضح في تصريحه لـ”سينسيريا”، أن موضع سعر صرف الليرة ومشكلته أصبحت معروفة للقاصي والداني، وللأسف لغاية تاريخه مازالت الأدوات المتبعة من قبل المصرف المركزي نفسها والتي تتمثل بـ:

“كل مرة يشهد فيها السوق ارتفاعا لأسعار الصرف يظهر إعلان عن عقد مصرف سورية المركزي جلسة تدخل في سوق القطع ويعمم على شركات الصرافة حضور الاجتماع لشراء ما يحتاجونه لتلبية طلبات زبائن تلك الشركات”.

ولا يخفى على أحد الدور السلبي الذي قامت به تلك الشركات ببداية الأزمة والتي لعبت دورا كبيرا بالمضاربة في السوق السوداء، ولكن في الوقت الراهن ما الذي يحصل؟..يعلن البنك المركزي عن جلسة تدخل ويعلن أنه سمح بالبيع للمواطنين المبالغ التي يريدونها وبالسعر المعلن والذي يكون قريب من السعر الذي وصل إليه الدولار بالسوق السوداء وهذا يعني بأن البنك المركزي على سباق دائم مع السوق السوداء للحاق به..وفي سبيل التوضح ضرب الخبير المصرفي مثلا: “هل أعلن البنك المركزي مرة واحد عن البيع للمواطنين عن طريق شركات الصرافة بنفس الحدود التي تشتري به الشركات الصرافة الدولار من الموطنين؟..بمعنى أن المركزي يعلن البيع بسعر 384 ليرة لكل دولار بينما شركات الصرافة تشتري من الموطنين بسعر 348 ليرة حسب النشرات، فهل طرح المركزي البيع بسعر 345 أو 350 ليرة للدولار في الوقت الذي كان فيه سعر السوق السوداء بـ390 ليرة..الجواب هو لا، حيث كان سعر البيع تقريبا 383 ليرة أي بفارق 7 ليرات عن سعر السوق السوداء وبفارق حوالي 40 ليرة عن سعر الشراء من شركات الصرافة من المواطنين”.

ورأى طاهر أن هذه الأمر يخلق عند المواطنين شعور نفسي للضغط على سعر الدولار بالسوق السوداء وبالتالي زيادة الطلب وهذا يعني أن سياسة التدخل تؤدي إلى كبح جماح ارتفاع سع الصرف الجنوني لفترة أسبوعين أو شهر ومن ثم تعاود الكرة ويعاد ويستمر ارتفاع السعر.

ولفت إلى أنه في حال فرضنا أن عوامل الطلب المتزايد على الدولار من قبل الموطنين لحاجة الحفاظ على مدخراتهم أو للطب المتزايد نتيجة الهجرة فإنه لا يخفى على أحد الضغط الشديد والطلب المستمر من قبل المستوردين لتمويل مستورداتهم، فماذا فعل البنك المركزي حيال ذلك..”في كل جلسة تدخل يهدف منها لتمويل المستوردات.. ولكن لو تم تمويل هذه المستوردات بالشكل الكامل ومن دون تعقيدات إدارية وروتينية لما بقي هذا الطلب الشديد.. فمثلا الإجراءات المطلوبة من قبل المركزي لتمويل المستوردات في غاية التعقيد والتشديد مضافا لها أنه في حال مخالفة أي من نقاط أو إجراءات التمويل يتخذ المركزي فورا إجراءات شديدة وصارمة تجاه المستورد مما شكل لدى المستوردين خوفا شديدا من ظهور أسمائهم لدى المركزي خوفا من اتخاذ أية إجراءات بحقهم”.

مقترحات لمعالجة ارتفاع سعر صرف الدولار..

واقترح الخبير المصرفي جملة من المقترحات لتخفيف وعلاج من أثار ارتفاع أسعار صرف الدولار مقابل الليرة وهي:
1ـ لا بد من البحث عن الأسباب والتي تتمثل بزيادة الطب عن العرض بكل جلسة تدخل، فالبنك المركزي يهدف إلى زيادة العرض لمواجهة الطلب ولكن هذا لا يكفي فلا بد من البحث باتجاهات الطلب وبالمقابل زيادة العرض مقابل كل اتجاه وسد اتجاهات الطلب..بمعنى تلبية متطلبات المستوردين أهم من تلبية طلبات المواطنين يضاف لذلك متطلبات المستوردين مختلفة “مستوردين مواد أولية يختلفون عن المستوردين لمواد كمالية”.

وبالتالي يجب على المركزي البحث بالأسباب أكثر لتلبية طلبات المستوردين والمواطنين ولضمان عدم التصرف بالعملة الأجنبية دون أية جدوى اقتصادية.

2ـ تخفيف الإجراءات الروتينية والإدارية جراء عملية تمويل المستوردات وتشجيع وتحفيز المستوردين على تمويل مستورداتهم عن طريق شركات الصرافة أو البنوك.

3ـ من ملاحظة التجربة وعدم تحقيق الجدوى من إعادة التدخل في سوق القطع الأجنبي في كل مرة نشهد بها ارتفاعا بأسعار الصرف، فلا بد من إعطاء مساحات أوسع للمصارف العاملة للقيام بدور أكبر وتشجيعها على تمويل عملية الاستيراد أكثر من شركات الصرافة.

خبير: المركزي تدخل بشكل فاعل في سوق القطع

خبير اقتصادي فضل عدم ذكر اسمه أوضح في تصريحه لـ”سينسيريا”، أن هناك أسباب باتت معروفة لتراجع قيمة الليرة السورية مثل  تراجع الصادرات غير النفطية بسبب الأزمة حيث أدت الأزمة إلى تراجع الصادرات الزراعية والصادرات الصناعية وبنسبة كبيرة وتخلي أكبر الشركاء التجاريين لسورية عن الاستيراد من سورية كدول الاتحاد الأوروبي وبعض الدول العربية، وزيادة الاستيراد إلى حد كبير وانعدام الدخل المتحقق من السياحة، وهناك سبب أيضاً وهو طبيعي ويحدث في جميع الدول عندما يبدأ المواطن بفقدان الثقة وعدم الشعور بالأمن وكثرة الشائعات ومع تدخل بعض الأشخاص في السوق السوداء أدى ذلك إلى حدوث مضاربات ساهمت بفقد الليرة السورية لقيمتها.
مشيراً إلى أن المصرف المركزي قد تدخل وبشكل فاعل للمحافظة على سعر الصرف واستخدام الاحتياطي ولولا ذلك لكان سعر الصرف ارتفع كثيرا عما هو عليه اليوم، لذلك نجد أن المصرف المركزي يحاول كل فترة التدخل بطريقة معينة لمحاولة ضبط سعر الصرف.

أيضا من الأسباب وفقا للخبير الاقتصادي، نقص في موارد الدولار الناتج من التصدير بسبب توقف بعض الحقول النفطية عن الإنتاج إضافة إلى الانكماش الذي أصاب بعض القطاعات الاقتصادية وتوقف عدد كبير من المعامل في شمال سورية وانكماش عائدات السياحة وزيادة الطلب على الدولار نتيجة الظروف الراهنة حيث لجأت بعض العائلات إلى تسييل موجوداتها بهدف التحوط والسفر, كما زاد الطلب على القطْع لتمويل استيراد وتعويض المواد الغذائية التي انخفضت قيمتها بالسوق مثل “السكر والرز والزيت والسمن…إلخ”.

كما أن زيادة الطلب على الدولار أوجد طبقة من المستفيدين بعد أن قامت الحكومة بطرح إمكانية الحصول على الدولار وأصبح هنالك دور للحصول على القطع أمام شركات الصرافة فقام هؤلاء المستفيدون وبادروا للحصول الدولار فازداد الازدحام وهنا المحتاج والذي لا يريد الوقوف على الدور عليه أن يدفع زيادة للحصول على الدولار.

وأضاف الخبير: “طبعاً جميع هذه الأسباب توضح سبب زيادة الطلب على الدولار وارتفاع سعره ولكن وبكل وضوح لا يوجد سبب اقتصادي يمكن الركون إليه لسبب هذا الارتفاع المطرد بسعر صرف الدولار يعني جميع هذه العوامل تؤدي إلى ارتفاع سعر صرف الدولار بالسوق ولكن لا تؤدي إلى هذه الزيادة بين يوم إلا بعملية مضاربة”.

طرق الدفاع عن الليرة السورية

وبالنسبة لطرق الدفاع عن الليرة السورية، أوضح الخبير إنه من خلال عرض العوامل التي أدت إلى تدهور الليرة السورية والتي ذكرناها سابقاً نجد أن الدور الذي يمكن للدولة أن تؤثر به هو نقطتان: أولهما العمل وفوراً على إيجاد أسواق بديلة للصادرات السورية التي مازالت تعمل وأعتقد أن سوق دول روسيا الاتحادية قد تشكل بديلاً فاعلاً في هذا المجال وخاصة بالنسبة لصادرات سورية من الأنسجة الصوفية والألبسة والمواد الغذائية.

كما يمكن أن تؤثر الدولة بإعادة الثقة للمواطن السوري من خلال العمل على تخفيض أسعار المواد الغذائية حصراً وبالتالي يستطيع المواطن السوري شراء حاجياته الأساسية ويستعيد ثقته بالليرة السورية, أي لابد للحكومة من العمل على تخفيض معدلات التضخم التي وصلت إلى مرحلة مما نتج عنه ارتفاع كبير بالأسعار.

وأشار إلى إن أي أزمة مهما طالت في النهاية سوف تصل إلى مرحلة معينة وتنتهي، وإذا فقدنا في هذه المرحلة مصنعاً أو شجرة فيمكن تعويضها ولو في مراحل لاحقة ولكن إذا فقدت الليرة السورية قيمتها وثقة المواطن فيها فإن ذلك لا يمكن تعويضه مهما كانت حجم الأموال التي ستضخ لاحقاً.. لذلك أعتقد أن من واجب أي لجنة اقتصادية في هذه المرحلة الحفاظ على الليرة السورية بكافة الوسائل الممكنة وعدم اللجوء إلى أي طريقة تخفض من قيمتها ولنا في الدينار العراقي والليرة اللبنانية مثال واضح، فنجد في لبنان مثلاً سعر المواد يكتب بالدولار والليرة اللبنانية أي تحول الاقتصاد إلى الدولرة وهذا ما لا يحتاجه الاقتصاد السوري لا حالياً و لا مستقبلاً”.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى