دراسات و تحقيقات

القروض التشغيلية خطوة إيجابية متأخرة.. ومنحها بفوائد مرتفعة سيؤثر على الأسعار..!!

سينسيريا ـ وسيم وليد إبراهيم:

توجيه للمصارف العامة بإطلاق القروض التشغيلية بشكل فوري..هذا التوجيه الذي أصدره مصرف سورية المركزي مؤخراً جاء بهدف دعم وتشجيع الصناعة الوطنية، وزيادة الإنتاج والتشغيل، مع الإشارة إلى أن التوجيه بإطلاق القروض التشغيلية ليس حديث العهد بل كان هناك توجيه سابق لإطلاق هذا النوع من القروض إلا أنها لم تفعل على أرض الواقع، وخاصة في نقص سيولة بعض البنوك العامة، حيث طالب المصرف المركزي المصارف العامة التي لم تعتمد التعليمات التنفيذية لمنح القروض التشغيلية حتى الآن اتخاذ الإجراءات اللازمة لإعداد واعتماد هذه التعليمات، وإطلاق المنتج والإعلان عنه بالسرعة القصوى، كما أتاح أمام المصارف التي تواجه مشكلات تعوق منحها لقروض بعد أن انتهت من إعداد التعليمات التنفيذية ولا تمتلك السيولة اللازمة بضرورة إبرام اتفاقيات أصولية لإدارة القروض مع المصارف التي تمتلك السيولة الكافية.

ولا ننسى بأن مجلس النقد والتسليف أصدر توجيها حمل رقم 1241 تاريخ 2/4/2015 سمح بموجبه للمصارف العامة استئناف منح القروض للقطاع الخاص والتعاوني والمشترك من مواردها الذاتية وذلك لغايات وضوابط محددة، على أن يتم منح القروض للقطاع الخاص والتعاوني والمشترك من الموارد الذاتية للمصارف لتمويل المشاريع في عدد من القطاعات الاقتصادية، على أن تقوم مجالس إدارات المصارف العامة وعلى مسؤوليتها بتحديد آليات وضوابط منح هذه القروض لجهة شروط وغايات المنح والضمانات المقبولة ونواح أخرى سواها، وفق المحدد بأنظمة عملها وبما يتوافق مع الضوابط المحددة بهذا القرار مع مراعاة جملة من الشروط الإضافية.

وهذا دليل على أن قضية القروض هي قضية مثارة ولكن غير مفعّلة على أرض الواقع. فأين يقبع الخلل في ذلك.. ولماذا الحكومة تعيد وتوجه بأهمية تفعيل هذه القروض بين الحين والأخر؟.

منح قروض بمعدلات فائدة مرتفعة سيؤثر على الأسعار

القروض التشغيلية خطوة صحيحة “متأخرة” ولكن كما يقول المثل: “أن تأتي متأخرا خير من أن لا تأتي أبداً”، وبنفس الوقت فإن هذه القروض وجهت بالدرجة الأولى للمنشآت القائمة وليست لتوليد منشآت جديدة، وهنا يرى الباحث الاقتصادي نضال طالب في تصريحه”لسينسيريا” بأن القروض التشغيلية التي وجه المصرف المركزي لإطلاقها يعتبر قرار قديم جديد حيث تم توجيه المصارف العامة بإطلاق هذه القروض سابقا، لافتا إلى أنه من الضروري جدا أن تكون القروض التشغيلية ميسرة لكي تستطيع أن تحقق جدواها.

ولفت الباحث الاقتصادي إلى أنه في حال التدقيق في التعليمات التنفيذية للقروض التشغيلية لدى معظم البنوك العامة نجد أن هناك اختلاف من حيث معدل الفائدة التي وضعتها على القروض مما سيؤدي إلى التوجه لمصرف معين على حساب مصرف أخر كون المقترض سيتوجه إلى معدلات الفائدة الأقل وليس الأغلى، مؤكدا على أن معدلات الفائدة التي وضعتها البنوك تعتبر مرتفعة.

وأشار إلى أنه من الأهمية بمكان أن تكون معدلات الفائدة للقروض التشغيلية منخفضة لان منح قروض بفوائد مرتفعة سيؤدي إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج على المنشأة وبالتالي ارتفاع أسعار السلع التي تنتجها في السوق لذا نؤكد على أهمية أن تكون الفوائد التي تضعها البنوك منخفضة ومناسبة، واستغرب طالب من توجه المصرف العقاري إلى منح قروض تشغيلية متسائلا: “هل قام المصرف العقاري بمهمته كمصرف عقاري يمول العمليات العقارية حتى ينتقل إلى مهام أخرى للتمويل؟”.

وعن الضمانات أوضح الباحث طالب إلى أنه من الهم أن تكون الضمانات ذو مصداقية حقيقية وموثوقة وبعيدة عن التزوير وخاصة بما يتعلق بوثائق الملكية والتي شهدت تزويرا خلال الأعوام الماضية.

وبالنسبة للجدوى الاقتصادية من طرح وإطلاق هذه القروض لفت طالب إلى أن هذا النوع من القروض مفيدة فهي موجهة لنشاطات اقتصادية معينة ولدعم رأس مال المشاريع القائمة وليست كالقروض الاستثمارية التي هدفها إقامة وزيادة عدد المنشآت على الأرض.

ونوه إلى أن هذا النوع من القروض سيكون له دور محدود بتعزيز الليرة السورية وسعر صرفها مقابل سلة العملات الأجنبية، كما سيكون لها دور غير مباشر في توفير فرص العمل لأن دورها هو تعزيز الإنتاج في منشآت قائمة وتأمين السوق ببعض متطلباته.

ورأى الباحث أنه من المهم أن يتم طرح قروض استهلاكية وعقارية وخاصة في ظل ارتفاع أسعار المواد وضعف القدرة الشرائية لدى معظم المستهلكين، وأن تكون هذه القروض بأقساط ميسرة وموجهة للموظفين ولمعظم ذوي الدخل المحدود وقد تخفف من حدة الفجوة بين الأجور والأسعار كما طالب بطرح قروض تجارية لتنشيط العرض والطلب في الأسواق وذلك عن طريق المصرف التجاري السوري.

خطوة متأخرة ولكنها جيدة وذات أبعاد اقتصادية واجتماعية

الخبير الاقتصادي الدكتور عابد فضلية لفت في تصريحه “لسينسيريا”، إلى أن إطلاق القروض تعتبر مسألة إيجابية في إطار تحريك العجلة الاقتصادية وتوسيع قطاعات الإنتاج وزيادة العرض في السوق من السلع الأساسية والضرورية، بالإضافة إلى السلع البديلة التي هي السلع المستوردة، وهذا أيضا يأتي في إطار دعم الليرة السورية وقيمتها، وأيضا خلق مزيد من فرص العمل الجديدة بما يؤدي إلى إتاحة دخول جديدة للعاملين الجدد أو العاطلين عن العمل، لذا فإن هذه الخطوة لها نواحي اقتصادية إنتاجية ونقدية واجتماعية، وهذه القروض تعتبر تشغيلية وليست قروض استثمارية التي يكون الهدف منها التوسع وهذا شيء صحيح في ظل الظروف الراهنة حيث نحتاج حاليا لتشغيل ما هو موجود أكثر من خلق شيء جديد فهي موجهة إلى مشاريع متعثرة وقائمة ومن شأن هذه القروض أن ترفع من سيولة هذه المنشآت المتعثرة، وبالتالي فإن الجدوى الاقتصادية من المشروع موجودة وهي على عكس المشاريع التي ستخلق جديدا والتي تحتاج إلى دراسة جدوى اقتصادية قبل إقراضها.

أما وضع سقوف معينة للقروض فهي رؤية صحيحة كنوع من المحددات لأنه من الضروري بأي قرار جديد أن يكون له ضوابط ومحددات، ووضع السقف هو نوع من أنواع المحددات والانضباط والالتزام، على اعتبار أن القروض التشغيلية مهمتها تشغيل عجلة الإنتاج وتستعاد من المنتج بسرعة، حيث يعتبر أمر ضروري وضع ضوابط للمصارف ووضع ضوابط لأصحاب المنشآت التشغيلية، فالمصارف لا تستطيع أن تعطيهم كل شيء بل هي تعطيهم جزء لدعم سيولتهم الموجودة.

الضمانات يجب أن تكون موثوقة وغير منفرة..

وأضاف فضلية: “الضمانات يجب أن تكون ممكنة للمنشآت الصغيرة ومتناهية الصغر، والمطلوب أن تكون موثوقة تضمن حق المصارف، بحيث يتم وضع ضمانات بحسب واقع المنشأة وحسب نوع النشاط والمقترض، وأن لا تكون واحدة على كل المقترضين، فقد لا تكون الضمانات العقارية هي الأسلم للمصارف بل يمكن أن تكون ودائع ادخارية أو ضمانات مصرفية وهناك أنواع كثيرة هي ممكنة للمقترض عدا العقارية، والمصارف هي خير من يعلم ما هي الضمانات التي يجب أن تطلبها لتضمن حقها بحيث لا تضيع أموالهاط.

واعتبر فضلية أن هذه الخطوة صحيحة ولكنها متأخرة وأن تأتي متأخرا خير من أن لا تأتي، مضيفا:” يجب التأكيد على أهمية وضع ضوابط لهذه القروض وليس معيقات أو منفرات بحيث تكون الضوابط واضحة ومرنة وتسهل الحصول على القرض ولكن بنفس الوقت تضمن بأن يحصل المصرف على أمواله وذلك للابتعاد عن الولوج في قضايا تعثر القروض التي نشهدها حاليا”.

تعليق: ماذا عن دور المصارف الخاصة؟

وهنا لا بد من التأكيد على أن أهمية أن يكون للمصارف الخاصة أيضا دور في طرح هذا النوع من القروض فدعم الإنتاج المحلي وتعزيز قدرة الليرة السورية ليست مسؤولية المصارف العامة وحدها بل هي أيضا دور كل الفعاليات الاقتصادية ومنها المصارف الخاصة، فوفق بعض المتابعين فإن المصارف الخاصة لم تقم بدور اقتصادي ملموس على أرض الواقع لدعم الاقتصاد الوطني رغم كل التسهيلات التي قدمت لها من قبل الحكومة بل هي تجني الأرباح فقط واهتمت “بجيبها” دون غيرها..فهل سيكون لها دور..متسائلا: لماذا لا تقوم الحكومة بإلزام المصارف الخاصة بطرح قروض تشغيلية أو استثمارية أو تجارية وحتى استهلاكية؟.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى