التشاركية بين العام والخاص.. هل هي توجه للخصخصة ومن سيجني ثمارها..؟
خاص ـ سينسيريا:
ها هو الحديث عن التشاركية يعود مرة أخرى، فبعد الحديث عنه خلال السنوات الماضية وعدم تطبيق أي شيء منه والعدول عن الفكرة كونها لم تنفذ.
ها هي التصريحات الحكومية تتوالى يوما بعد يوم لتطرح فكرة التشاركية وأهميتها.. فمؤخرا لفت رئيس مجلس الوزراء وائل الحلقي، أن التشاركية لا تعني التخلي عن أصول القطاع العام أو خصصته، بل زيادة تلك الأصول ضارباً عدة أمثلة على ذلك، عبر شكل من أشكال العقود التي تحقق مصالح الدولة، لافتا إلى “أننا بحاجة ماسة إلى هذا القانون من أجل تحسين واردات الدولة لنتمكن من القيام بالمشاريع الخدمية المطلوبة”، وتساءل: “أين المشكلة في مشاركة القطاع الخاص إذا كان سيوفر موارد للموازنة وتعود أصول هذه المشاريع للدولة”.
أما وزير الصناعة كمال الدين طعمة فقد تحدث مؤخرا، أن التشاركية تشكّل أولوية في خطة الوزارة ضمن استراتيجية تعمل عليها للنهوض بالقطاع الصناعي وتطوير الصناعة الوطنية، مبيّناً أنه تمّ الاشتغال على التشاركية خلال الفترة الماضية على أكثر من صعيد، ولا يزال هناك العديد من الخطوات والإجراءات التي تستكمل لتفعيل الإطار التشاركي في القطاع الصناعي إيماناً بأهمية ودور التشاركية في دعم القطاع الصناعي، لافتاً إلى ما تحقّق في هذا المجال خلال الفترة الماضية في قطاعات الغزل والنسيج والإسمنت.
ويهدف مشروع قانون التشاركية بين القطاعين العام والخاص والذي وافقت عليه الحكومة موخراً إلى تمكين القطاع الخاص من المشاركة في واحد أو أكثر من الأعمال سواء كانت تصميماً أو إنشاء أو بناء أو تنفيذاً أو صيانة أو إعادة تأهيل أو تطوير أو إدارة تشغيل المرافق العامة أو البنى التحتية أو المشاريع العائدة ملكيتها للقطاع العام، وتشجيعه على الاستثمار في ذلك، مع ضمان أن تكون الخدمات المقدمة عن طريق هذه التشاركية قائمة على أسس اقتصادية سليمة وكفاءة عالية في الأداء، وأن تقدم بالأسلوب الأنسب وتحقق قيمة مضافة إلى الموارد المحلية.
وهنا لا بد من طرح عدة أسئلة: هل حقا هذه التشاركية التي تحدثت عنها الحكومة سابقا وحاليا ستحقق الهدف المنشود وتدعم الإنتاج الصناعي أو الزراعي أو ما شابه؟..ولماذا لجأت الحكومة إلى التشاركية..وهل هي خصخصة للقطاع العام؟.
التشاركية تمويه..!!
الأكاديمي والدكتور في جامعة دمشق كلية الاقتصاد غسان إبراهيم تحدث لـ “سينسيريا” بهذا الخصوص وقال أنه ليس هناك من الضرورة التاريخية أو المنطقية لهذه التشاركية، بمعنى أن المستفيد من هذه التشاركية هو القطاع الخاص حيث سيتم استنزاف موارد القطاع العام لتحقيق ما لا يستطيع تحقيقه القطاع الخاص بمفرده بسبب قوانين الحكومة أو بعض العوامل الأخرى، فمن خلال التشاركية مع القطاع العام يتم التمويه لتحقيق أهدافه الخاصة ويتم تحويل المال العام عبر التشاركية لصالح القطاع الخاص، أو أن القطاع الخاص لا يستطيع أن يحصل على المال العام إلا عبر هذه التشاركية.
ولفت إلى أن المسألة أبعد من ذلك فموضوع التشاركية أو التعاون أو العلاقات المتبادلة وهذه التسمية قطاع عام وقطاع خاص هي مسالة أيديولوجية بشكل عام، وهذه التسمية علميا غير صحيحة، مضيفا: “سأوضح هذه النقطة، نحن لسنا في بلدين مختلفين بل في بلد واحد ويضم فعاليات واختصاصيين وحدث خلال فترة زمنية طويلة الحديث عن قطاع عام وأخر خاص وكأنهما في بلدين مختلفين وكأنهما عدوين,, لماذا؟.. أرى أنه من الضروري أن نتجاوز هذه المفاهيم عبر الحديث عن فعاليات اقتصادية وأنشطة اقتصادية وعمليات اقتصادية وقدرات وطاقات ينظمها الدستور أو القانون، فالقطاع الخاص وطني والعام وطني والمشترك وطني، فليتم الحديث عن قطاع كفؤ ونقول أنه قطاع كفؤ فعال أو غير فعال، أما تسميته بقطاع عام أو خاص فهذه تسمية إيديولوجية”.
وقال: “أليس القطاع العام والخاص يملكه مواطن سوري وفعالية سورية”، لافتا إلى أن هذه التشاركية بين القطاع العام والخاص يجب أن تكون تحصيل حاصل دون التنويه عنها لا في القانون ولا في الاجتماعات أو القرارات، ولا في السياسة الاقتصادية.
وأكد أن رغم ما بذل من طاقة وجهد ومال على موضوع التشاركية فإن كل تلك الجهود لم تحقق الغاية الأساسية، ونحن نريد من كل هذه القطاعات أن تسهم في تحقيق تنمية اقتصادية اجتماعية.
ليست حجة للجؤ إلى التشاركية..!
وعن كون أن الشركات الخاسرة العامة في حال إحداث التشاركية مع الخاص قد تصبح غير خاسرة أو رابحة قال الأكاديمي غسان إبراهيم: “هي أكبر حجة لهذه الخطوة، ولكن لنسير مع هذه النقطة، ونتساءل لماذا الشركات الخاسرة في بلاد أوروبا أصبحت ناجحة دون اللجوء إلى التشاركية؟.. مثلا في ماليزيا: أصبحت الشركات ناجحة بامتياز بعد وضع قانون أساسي لكل شركة بعينها، حسب نشاطها، شركة خزامى الماليزية لإنتاج الزيوت من القطن كانت خاسرة وتم التفكير بتخصيصها ولكن الحكومة الماليزية عدلت عن ذلك ووضعت لها نظام داخلي وتحولت إلى أفضل شركة في ماليزيا وأصبحت ميزانيتها السنوية 20 مليار دولار، وكانت زيوتها غير قابلة للتصدير إلى أوروبا في حين أصبحت حاليا من أفضل الزيوت المصدرة إلى كل الأسواق الأوروبية، فهذه ليست حجة، فلنبحث عن أسباب الخسارة، وهذا ليس له علاقة إن كانت الشركة تنتمي للقطاع العام أو الخاص”.
التفكير بالسياسات الاقتصادية
ولفت إلى أن الملكية لها دور اجتماعي وهذه الملكية القانونية الورقية ليس لها جدوى، فأكبر الشركات في الغرب، الملكية فصلت عن الإدارة، فأنا مالك ولكني إداري غير ناجح، فليس لها قيمة، فالمهم أن تصبح الشركة رائدة في عملها وناجحة ومتوسعة بأسواقها.
ونوه إلى أهمية البحث عن شكل أخر، فالتشاركية لا تجيب عن عدم زيادة الإنتاجية أو الجودة أو رفع معدل نمو الاقتصادي أو تحسين فرص العمل، والبديل ليس بهذه السهولة، فلنفكر بالسياسات الاقتصادية والنهج الاقتصادي والهوية الاقتصادية فهناك قضايا أساسية يجب بحثها وحلها وبالتالي القضايا الأدنى والمشكلات الأخرى منها التشاركية من عدمها والخصخصة سيتم معالجتها دفعة واحدة وبكل سهولة، فالأمر متعلق بالسياسات الاقتصادية.
تختلف عن الشراكة
بالمقابل رأى الخبير الاقتصادي عابد فضلية بتحليله التشاركية بقوله لـ”سينسيريا”، أن فلسفة التشاركية تختلف عن الشراكة، فعندما يقال الشراكة لا يعني ذلك تطبيق التشاركية، فالشراكة تعني المشاركة في مشروعات برأسمال وجهود أما التشاركية فهي فلسفة وتوجه وهي موضوع قديم وطرح منذ أكثر من عشرة أعوام تحت مسمى التشاركية بين القطاعين العام والخاص وكان هناك مسودة قانون اختفت وأزيلت من التداول لتظهر منذ 3 سنوات مسودة جديدة عن التشاركية وهذه المسودة لم تتحول إلى قانون علما أن المسودة القديمة للقانون أفضل من المسودة الجديدة، فالقديمة أوسع وأشمل أما الجديدة “مغزولة” على قياس معين تقترب من المشاركة أكثر من التشاركية، أما القديمة فهي تحتوي على مد أكثر.
خلل في المشروع
ونوه إلى أن مشروع قانون التشاركية القديم والجديد يحوي خلل، حيث يعتبر مشروعات بي أو تي النمطية هي الطراز الأوحد والأفضل للمشاركة وتطبيق فلسفة التشاركية، وهذا الكلام غير صحيح فالـ “بي أو تي” كنظام عمل مشترك له العديد من الأنواع فهناك مثلا “بي أو أو” و”بي أو تي” وأنماط مختلفة، ولكن بكل الأحوال الخاص لا يقدم على المشاركة مع العام إلا بوجود أسس واضحة وعادلة بين الطرفين، ولكن حتى الآن لم نشهد أن هناك عقد “بي أو تي” إلا وكان هناك انتقادات له حتى أن المجال القانوني له ضيق، فآلية المراقبة والغموض وعدم العدالة لا تحقق تشاركية عادلة بين فريقين.
ونوه إلى أنه تحدث في محاضرة عن التشاركية قبل الأزمة السورية، مشيرا إلى أن التشاركية هي رؤية جديدة للتعامل مع الخاص كشريك في عملية التنمية وهو واجب على الحكومة أن تعتبره شريك ومن واجب القطاع الخاص أن يعتبر نفسه شريكا، فمنعكسات عملية النمو تنعكس على المجتمع السوري الذي هو شريك فيه بالنهاية.
ضرورة إصدار التعليمات التنفيذية
وأشار إلى أن أهمية إعادة النظر بالمسودة الأخيرة لقانون التشاركية بحيث تكون شاملة وواسعة وواضحة ويكون هناك تعليمات تنفيذية تكون مرفقة كمسودة في مسودة القانون لكي لا تأتي تعليمات تنفيذية لاحقا و”تقزم” من هذه القانون، ويبدو أن الجهات الحكومية لا تريد أن تلزم نفسها بإصدار التعليمات التنفيذية صادرة مع القانون لكي يكون هناك مرونة أو كيفية في وضع التعليمات التنفيذية، وكأن ذلك مقصود، فإذا لم يصك الأساس التشريعي للتشاركية والأساس الفني للتعامل بحيث يحقق توازن بين الطرفين من حيث الواجبات والحقوق فإن السير بعملية التشاركية لن تخلو من المطبات، والجميع يؤيد التشاركية ولو أنها نوع من الخصخصة وهي خصخصة ولكن لا مانع منها بشرط أن يكون هناك توازن بين الحقوق والواجبات بني الطرفين، وأن تكون واضحة في التشريع.
تجدر الإشارة إلى أن كلام أحد الوزراء -أثناء حديث غير رسمي- حول دور القطاع الخاص في عملية التنمية واتهامه بالطفيلية ومحاولته الكسب من المزايا والتسهيلات وخاصة تلك التي حصل عليها من الحكومة قبل سنوات الأزمة، يشخّص ماهية هذا القطاع إلى حدّ كبير، ليس هذا فحسب بل استطرد الوزير بقوله: إن بعض رجال الأعمال لم يسطُع نجمهم لولا الحكومة، فما أن اندلعت الأزمة حتى سارعوا إلى نقل أعمالهم إلى خارج البلاد..!