نبض السوق

ارتفاع الأسعار يعيد السيدات للإنتاج اليدوي.!

 

رغم غلاء منتجات “الصوف” إلا أن شغله يدوياً لا يزال أحد الخيارات المطروحة أمام السيدات الحلبيات، الراغبات في دخول ميدان العمل وتأسيس مشروع خاص بعيداً عن المطبخ وإعداد الأكلات الحلبية الشهية، أو حتى الاكتفاء بإعداد المنتجات المشغولة بالصوف ضمن المنزل، لذا كثرت في الآونة الأخيرة إقامة معارض حرفية تدعم مشاريع الاقتصاد المنزلي المعتمدة على أيدي السيدات الخبيرات وحرفهن المتقنة، وإن أثر ارتفاع المستلزمات الأولية على عملهن وتوسيع نطاقه.

سوق الصوف الواقع قرب ساحة الحطب، يعد مقصد السيدات اللواتي يمارسن مهنة الحياكة بقصد الهواية أو كسب العيش، ويضم قرابة 18 محلاً أعيد أربعة منها فقط إلى العمل بعد ترميم تجارها محالهم بأنفسهم من دون أي دعم، لكن السوق للأسف يشهد ركوداً واضحاً يبينه قلة حركة البيع والشراء والزبائن، فإذا قدمت أي سيدة للشراء فإنها ستصطدم بأسعار الصوف، فتكتفي بالسؤال وتمضي إلى حال سبيلها، مع أن هذا السوق كان يعج بالزبائن قبل الحرب لدرجة أن المرء قد لا يجد موطئ قدم للتحرك والتجول في أرجائه.

تأثير مضر

ارتفاع أسعار مستلزمات صناعة الألبسة من الكنزات والشالات وغيرها عبرت عنه السيدة الستينية حياة قالبلقجي فتقول: أعمل في حياكة الصوف منذ عقود في البيت كنوع من الهواية وكسب الرزق في الوقت ذاته، وأسعى دوماً إلى تحديث أشغالي اليدوية لكن غلاء مستلزمات الإنتاج أثر بشكل كبير على عملي، ما جعلني أكتفي بحياكة بعض الأشغال فقط وإن كان العمر له حقه أيضاً”.

٤ محلات من أصل ١٨ عادت للعمل

تتفق معه فاطمة مرعي، التي بدأت تشق طريقها في مجال الحرف اليدوية المعتمدة على الأقمشة والصوف، بتأكيدها أن ارتفاع أسعار المواد الأولية اللازمة للمشغولات الصوفية وأكسسواراتها كان له دور كبير في تراجع همتها في تأسيس مشروعها الخاص وخاصة أنها لاتستطيع إنتاج منتجات متنوعة تواكب الموضة بسبب عدم وجود خيوط متنوعة في الشكل والألوان، وإن وجدت فستكون أسعارها مرتفعة لا أقدر على تحمل تكلفتها، وهذا أمر سيرفع سعرها، بطريقة يجعلها حكراً على طبقات محددة فقط.

حركة ضعيفة

وفي جولة لاحد الصحف المحلية في سوق الصوف، ولاحظت بأم العين ضعف الحركة التجارية فيه، حيث يجلس أصحاب المحال الأربعة على كراسيهم يتفحصون المارة أو ينسقون بضاعتهم على الرفوف، مع أن إقامة بعض الأنشطة في ساحة الحطب مؤخراً حسّن الوضع قليلاً، لكن رغم هذا الواقع الصعب يبدي تجاره تفاؤلاً بالأيام القادمة، فعلى قولهم الأيام السوداء، التي فرضتها الحرب الكونية والحصار قد مرت، ولا بد من الصبر لتجاوز الظروف الاقتصادية الحالية، لكن هذا لا يغني من بعض الدعم لإنقاذ هذا السوق، وذلك عبر السماح باستيراد المواد الأولية لإعداد كبب الصوف بأشكال وألوان مختلفة، مع مد السوق بالكهرباء أسوة بغيره من الأسواق وخاصة أنه يقع في مركز المدينة.

خيوط مستوردة

ويتحدث عدنان خرسا صاحب أحد المحال الأربعة، وكان من أوائل الذين بادروا إلى ترميم محالهم وفتح أبوابها رغم قلة الحركة، عن أسباب غلاء الصوف وعدم وجود موديلات كالسابق على نحو يساعد السيدات المشتغلات بالصوف بحياكة منتجات تواكب الموضة والأذواق المختلفة، ليرد ذلك إلى عدم السماح باستيراد الخيوط اللازمة كالبوستلر والأكريلك والمفنن، بسبب ظروف الحرب والحصار، علماً أن استيرادها كان متاح قبل الحرب بسبب عدم وجود معامل تنتج هذه الخيوط في حلب وسورية عموماً، لكن اليوم وبسبب هذا الواقع أحدث معمل في منطقة يبرود لإنتاج هذه الخيوط، التي في حال استيرادها فإن الأسعار ستنخفض بنسبة كبيرة، فالمنافسة تؤدي إلى تحقيق التوازن وتمنع التحكم في التسعيرة.

معمل واحد للخيوط الصوفية وعدم السماح بالاستيراد لم يترك مجالاً للمنافسة السعرية

واصفاً الحركة في السوق بالضعيفة، حيث أثرت موجة الغلاء كثيراً على السوق وخاصة أن المواطنين همهم الأكل والشرب، وليس اللبس، الذي ارتفعت أسعاره كثيراً، فاليوم إذا فكرت سيدة بحياكة كنزة تحتاج إلى عدة “كبات” من الصوف بما يعادل 25 ألف ليرة، في حين كانت سابقاً لا تتجاوز 4 آلاف، معتبراً أن الحل لتحريك السوق يتمثل بفتح استيراد المواد الأولية اللازمة للصناعة، داعياً إلى ضرورة الصبر وتحمل هذه الأوضاع الصعبة والوقوف مع البلاد في أزمته، وخاصة أن هناك مخططاً وحرباً كونية، فمن صبر وتحمل ظروف الحرب القاسية بإمكانه تجاوز الحرب الاقتصادية، التي ستمر كغيرها.

تخفيض الأسعار ..!

في حين اعتبر صاحب محل آخر واسمه جان بول نجار، وهو مدرس سابق في جامعة حلب، أن حركة السوق المحدودة تعود لاعتبارات عديدة من أهمها ارتفاع تكلفة المواصلات، التي تجعل الناس تفكر بالشراء من مناطق قريبة من بيتها، لكن رغم ذلك لا تزال بعض السيدات تقصده كون شغل الصوف أرخص من أسعار الألبسة الجاهزة وأجمل أيضاً.

ولفت إلى أن معظم الأصواف المعروضة في محله هي خيوط وطنية وهي أرخص من الخيوط المستوردة، التي كانت سائدة قبل الحرب في ظل عدم وجود إنتاج محلي لكونها تصنع من وسخ البترول، لكن بعد تعذر الاستيراد تم فتح معمل في يبرود لتغطية النقص الحاصل، لكن حتماً مع فتح باب الاستيراد واتساع نطاق المنافسة سيؤدي ذلك إلى تخفيض الأسعار وإيجاد خيوط متنوعة في الأشكال والألوان تسهم في إعداد منتجات صوفية أكثر حرفية وإتقاناً.

مصلحة كمالية

ويروي التاجر إبراهيم اسطنبولي، الذي توارث هذه المهنة أبّاً عن جد، حيث يعملون في تجارة الأقشمة والصوف منذ أكثر من 50 عاماً، بكثير من الواقعية والوجع رغم أن الضحكة لا تفارق وجهه، حال سوق الأقمشة بين الماضي واليوم، فسابقاً كان السوق يعج بالزبائن بحيث يصعب التجول في أرجائه حتى إنه كان لايضع كراسي في محله كيلا تأخذ حيزاً يمكن أن يشغله الزبائن، لكن اليوم تغير الواقع،

حياكة كنزة يحتاج إلى عدة “كبات” من الصوف بما يعادل 25 ألف ليرة

حيث أسرح وأمرح في المحل من دون وجود أي زبائن، وإذا قصدت أي سيدة المحل فإنها تسأل عن الأسعار وتمضي بعد ذلك من دون شراء، مبيناً أن المحل أصبح لفتح الأحاديث وتفريغ الهموم وليس للتجارة والبيع، بسبب موجة الغلاء، التي طالت كل شيء، فهذه المهنة أصبحت كمالية وليست أساسية حتى لو كانت بعض السيدات تعتمد عليها كمصدر للعيش، وخاصة في ظل ارتفاع أسعار الأصواف وقلة الموديلات التي تساعدهن على إنتاج مشغولات متقنة، و هذا غير متوافر بسبب قلة الخيوط وأشكالها المختلفة لعدم إمكانية الاستيراد والاكتفاء بإنتاج معمل يبرود، فسابقاً كانت هناك مجلة توضح للزبائن الطلبات من الخيوط مع شكل المنتح النهائي.

ليس ميتاً ولكن …

وشدد على أن السوق ليس ميتاً لكنه يوشك على الموت في ظل القدرة الشرائية الضعيفة، مبيناً أنه فتح محله منذ أربع سنوات بعد ترميمه المحل، لكن شغل هذه السنوات لا يعادل شهراً خلال سنوات ما قبل الحرب، مطالباً بفتح باب استيراد الخيوط بغية دخول خيوط متنوعة الأشكال والموديلات، وتخفيض الأسعار، مع تقديم بعض العون لتجار هذا السوق عبر تأمين الكهرباء وتخفيف فواتير الضرائب من المالية والبلدية والتموين، فعلى الرغم من حال السوق الجامدة لكن الجهات المعنية بالجباية لا تراعي هذا الحال.

وأشار إلى بعض العراقيل أمام ترميم محاله الملاصقة لمحله الأساسي من بعض الجهات، مع أن الترميم سيكون على نفقته ولا يطالب بأي دعم مادي، وإنما السماح فقط بالموافقة للمباشرة بالترميم وإعادة التأهيل لتجهيزه ريثما تتحسن الأوضاع، فحتماً سيعود سوق الصوف إلى مكانته وتعود حلب إلى دورها الاقتصادي المهم.

المصدر:تشرين

اظهر المزيد