دراسات و ابحاث

احتياجات تنمية قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة

“الإطار المؤسساتي”

  • تمهيـــــــد

تأتي أهمية قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة من كونه يشكل نسبة هامة من قطاع الأعمال الخاص في سورية خاصةً في ظل الأزمة الحالية التي تمر بها سورية حيث ترتفع هذه النسبة لتتجاوز 95% من منشآت القطاع الخاص، وللتأثير الهام لهذا القطاع على متغيرات الاقتصاد الكلي كالاستهلاك والاستثمار والتشغيل والنمو الاقتصادي، فإن العمل على تنمية هذا القطاع وتطويره يشكل المطرح الأساسي للسياسات الاقتصادية التنموية لتمكين الاقتصاد والمجتمع من التكيف مع الأزمة وآثارها وإعادة الترميم بالإضافة إلى الاصلاحات الهيكلية لمنظومة الدعم، مما يساهم في تحقيق الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي وضمان استدامته وتحقيق النمو.

من هنا، احتل مشروع دعم قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة مكانة أساسية في تطوير السياسات الاقتصادية المقترحة، حيث ركز البيان الحكومي على تقديم الدعم للمشروعات الصغيرة والمتوسطة باعتبارها المحرك الأساسي للنشاط الاقتصادي والحرفي في المراحل الأولى من عملية التعافي المبكر.

ومن ثمّ، جاءت موافقة السيد رئيس مجلس الوزراء على توصية لجنة الخدمات والبنى التحتية، والمتضمنة توحيد الجهة الإشرافية لقطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة بوزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية.

  • تقييم احتياجات تنمية قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة

في إطار قيام وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية بدورها الجديد الإشرافي والتنسيقي على قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة، قامت الوزارة بتقييم الاحتياجات المؤسساتية لتنمية هذا القطاع (Needs Assessment: Institutional Framework) بهدف تحديد متطلبات النهوض بواقع المشروعات الصغيرة والمتوسطة وتوسيعها أفقياً (زيادة وحدات الإنتاج وانتشارها جغرافياً) وعمودياً (تعزيز الترابطات الأمامية والخلفية للمشروعات) وزيادة تنافسيتها ورفع مساهمتها في النمو الاقتصادي والتصدير والتشغيل.

وترى الوزارة أن دورها الجديد كجهة مشرفة على تنمية قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومنسقة لكافة الجهود المبذولة من قبل جميع الجهات ذات الصلة يتطلب تمكينها وفق المستويات المختلفة:

  • الإطار المؤسساتي
  • الإطار التشريعي والقانوني
  • الموارد البشرية
  • الرقم الإحصائي
  • احتياجات تنمية قطاع المشروعات على مستوى البناء المؤسساتي

ترتكز مقاربة وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية لتنمية قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة على عدم إضافة مستويات جديدة موازية للبنى المؤسساتية القائمة المعنية بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة أو المرتبطة بها. وهي تسعى إلى ضمان أن جميع الجهات العاملة على تنمية هذا القطاع تعمل ككل متكامل وفاعل بما يحقق تضافر الجهود وتعزيز التنسيق وتكامل الأدوار وعدم الازدواجية في العمل. وبذلك، فإن الوزارة تنطلق من المنظومة القائمة، فتعمل على تفعيل المكوّن المتعثر أو المتعطل منها، وتسعى في الوقت ذاته لتأسيس العناصر الغائبة وذلك بالتعاون والتنسيق الكامل مع الجهات المعنية، بحيث تكتمل العناصر المطلوبة تدريجياً لاستكمال تأسيس المنظومة المؤسساتية المتكاملة المطلوبة لتلبية احتياجات قطاع المشروعات المتوسطة والصغيرة وتأمين مستلزمات تطويره واستدامته بما يضمن الوصول إلى قطاع مشروعات ديناميكي وتنافسي خالق للقيمة ومولد لفرص العمل وقادر على توسيع نشاطه وقدرته على الوصول إلى الأسواق التصديرية بكفاءة عالية وتحقيق الترابطات اللازمة مع المشاريع الكبيرة في سلاسل القيمة، وبما يعزز مساهمته في التوسع في التشغيل والنمو.

ضمن هذا الإطار العام، تعمل الوزارة على استكمال بناء المنظومة المؤسساتية المطلوبة لتنمية قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة وفق التصور التالي:

  1. احداث هيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة لتحل محل الهيئة العامة للتشغيل وتنمية المشروعات

تنطلق الوزارة في مقاربتها لإعادة هيكلة الهيئة العامة للتشغيل وتنمية المشروعات من كون الهيئة هي الوريث لهيئة مكافحة البطالة والتي تم احداثها ضمن سياق تطوير مؤسسات تستهدف تحسين مستوى المعيشة وتخفيف الفقر، إلا أن الهيئة وبعد أن فقدت دورها التمويلي الذي ارتبط بهيئة مكافحة البطالة واقتصر دورها فعلياً على التشغيل والتدريب لدى الغير لم تعد قادرة على تلبية احتياجات المرحلة الحالية والتي تتطلب ضرورة وجود مؤسسة قادرة على التدخل السياساتي لتنمية قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة وترجمة هذا الدور إلى برامج تنفيذية محددة وقابلة للتطبيق، وتنسيق الجهود المبذولة من الجهات العامة والخاصة والأهلية ذات الصلة في المجالات المختلفة المتعلقة بتطوير التشريعات الناظمة لعمل هذا القطاع والسياسات الناظمة له والتمويل ودعم عملية الإنتاج بكافة مراحلها وتنمية قدرات الموارد البشرية ودعم التسويق في الأسواق المحلية والدولية وغيرها.

وهكذا، تبرز الحاجة ملحّة لاحداث بنية مؤسساتية جديدة تتولى كل مما يلي:

  1. وضع تعريف وطني للمشروع الصغير والمتوسط بالتعاون مع الجهات المعنية على أن يكون هذا التعريف عبر-قطاعي بحيث يراعي الفروقات بين القطاعات المختلفة، وبالتالي اعتماد المؤشرات المناسبة لوضع التعريف للمشروع من أجل كل قطاع. على سبيل المثال، يمكن استخدام مؤشر العمالة والمستوى التكنولوجي لوضع تعريف المشروع في أحد القطاعات الصناعية، بينما قد يكون من المناسب استخدام مؤشر رأس المال أو المبيعات في مشروع تجاري أو خدمي.
  2. وضع الضوابط اللازمة بالتنسيق الفعال مع الجهات ذات الصلة لتنظيم سوق التمويل وتوجيه التمويل والدعم قطاعياً وجغرافياً بما يلبي احتياجات تطوير المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
  3. تنسيق وتشبيك العلاقة بين المشروعات الصغيرة والمتوسطة المستهدفة ببرامج الدعم مع المؤسسات المالية العاملة في مجال التمويل ومؤسسة ضمان مخاطر القروض وهيئة دعم وتنمية الإنتاج المحلي والصادرات والمؤسسات العاملة في مجال التدريب وتنمية القدرات وأي من البنى المؤسساتية المعنية بأي من المجالات التي تهم قطاع المشروعات، مما سيساهم في دمج المشروعات في القطاع المنظم ويؤدي إلى المساهمة الجدية في النهوض بواقع قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة وتعزيز قدرته التنافسية وزيادة مساهمته في الاقتصاد الوطني.

من هنا، تجد الوزارة الحاجة ماسة لاحداث هيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة لتحل محل الهيئة العامة للتشغيل وتنمية المشروعات، لتقوم بأداء مهامها الجديدة المذكورة أعلاه.

  1. احداث هيئة دعم وتنمية الإنتاج المحلي والصادرات

ترى الوزارة ضرورة دعم المنتجات المحلية التصديرية ليس فقط في مرحلة التصدير وإنما في كافة مراحل الإنتاج وصولاً إلى التصدير بهدف رفع نسبة المكوّن المحلي وتعزيز القدرات التنافسية لهذه المنتجات في الأسواق الدولية. ولذلك قامت الوزارة بتطوير مشروع مرسوم احداث “هيئة دعم وتنمية الإنتاج المحلي والصادرات” لتحل محل هيئة تنمية وترويج الصادرات.

تركز الهيئة الجديدة على دعم وتطوير المنتَج المحلي في كافة مراحل الإنتاج الضرورية وذات القيمة المضافة وانتهاءً بمرحلة التصدير. ويُحدث فيها مديرية تسمى “مديرية صندوق دعم وتنمية الإنتاج المحلي والصادرات” وتحل محل صندوق تنمية الصادرات. يستخدم الصندوق الجديد موارده المالية في دعم الصادرات ودعم الإنتاج المحلي في كافة مراحله بالإضافة إلى دعم المستوردات بما يخدم تطوير الإنتاج المحلي وبما يتوافق مع سياسة التجارة الخارجية القائمة على حماية الإنتاج المحلي وتسهيل استيراد المواد الأولية ومستلزمات الإنتاج، مما يساهم في تخفيض تكاليف الإنتاج ويؤدي إلى رفع القدرات التنافسية للمنتَج المحلي وتوسع الإنتاج والتشغيل والتصدير.

تقوم الهيئة بوضع آلية الدعم المناسبة  التي تتمتع بالمرونة والديناميكية الكافية ليكون الدعم عبر-قطاعي أولاً ومتغير مع الزمن ثانياً، بما يلبي احتياجات تطوير كل قطاع إنتاجي على حدى. ففي حين تكتفي الهيئة في المرحلة الحالية مثلاً بدعم الصناعة الدوائية عبر تسهيل استيراد مستلزمات إنتاجها والتصدير، فإنها تركز على دعم الصناعات الغذائية والألبسة الجاهزة في كافة مراحل الإنتاج عبر المساهمة في تخفيض تكاليف الإنتاج. وتقوم الهيئة بمنح الدعم للقطاعات الإنتاجية المختلفة خاصةً تلك التي تشكل مدخلات للصناعات المستهدفة في برامج التطوير وبما يحقق التكامل بين دعم الإنتاج الزراعي والصناعي بشكل خاص، وذلك انطلاقاً من لائحة ضوابط تضعها لهذا الغرض استناداً إلى معايير مختلفة (على سبيل المثال: نسبة مستلزمات الإنتاج المحلية 60% من قيمة المنتَج النهائي- نسبة الصادرات 60% من قيمة الإنتاج- كلفة اليد العاملة 60% من التكلفة الإجمالية للإنتاج)، وهو ما يعكس التوجه الحكومي في تعزيز التعميق الصناعي وتعزيز التشغيل.

  1. احداث الهيئة الوطنية لتمويل المشروعات المتناهية الصغر (National Microfinance Establishment)

في إطار تعزيز التشاركية بين القطاع الحكومي والأهلي والخاص، وسعياً لتعزيز اللامركزية وتفعيل دور مكاتب التنمية المحلية في المحافظات في تنسيق عملية تمويل المشروعات المتناهية الصغر، تقوم الوزارة بالتعاون مع وزارة الإدارة المحلية والأمانة السورية للتنمية بتطوير مشروع مرسوم احداث الهيئة الوطنية لتمويل المشروعات المتناهية الصغر.

ترتبط الهيئة بوزارة الإدارة المحلية، وتهدف إلى تنظيم سوق التمويل المتناهي الصغر وضمان التنسيق وتكامل الأدوار بين جميع المؤسسات العاملة في مجال التمويل المتناهي الصغر وضبط عمليات التمويل وتوجيهها جغرافياً وقطاعياً بما يلبي احتياجات التنمية.

تعمل الهيئة بالتنسيق المستمر مع كل من وزارة الإدارة المحلية ووزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية وهيئة التخطيط والتعاون الدولي ومصرف سورية المركزي على تطوير ضوابط منح القروض للمشروعات المتناهية الصغر بما يلبي احتياجات التنمية ويحقق التوازنات المطلوبة على المستوى القطاعي والجغرافي والنوع الاجتماعي، وتلزم المؤسسات المنضمة إليها بالتقيد بهذه الضوابط.

تقوم الهيئة بمتابعة نشاط هذه المؤسسات ورصد أدائها، وتساهم في تمويل نشاطات هذه المؤسسات بنسب محددة تتعلق بمستوى أداء هذه المؤسسات وخطط عملها والتزامها بأولويات التنمية المحلية.

12

  1. احداث المؤسسات الائتمانية المكمّلة لضمان استدامة المشروعات

سعياً لتطوير قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة وتسهيل نفاذها إلى الخدمات المالية لضمان استدامتها، وتعزيزاً لدور القطاع التمويلي في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ترى الوزارة ضرورة احداث المؤسسات الائتمانية المكمّلة التالية:

  • ‌أ- احداث مؤسسة ضمان مخاطر القروض (Loan Guarantee Institution)

تقوم الوزارة بالتنسيق مع مصرف سورية المركزي بتطوير مشروع مرسوم تشريعي لاحداث مؤسسة لضمان مخاطر القروض الممنوحة من المؤسسات المالية للمشروعات الصغيرة والمتوسطة. وتأتي أهمية هذه الخطوة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة غير القادرة على الاستفادة من الخدمات المالية التي تقدمها المؤسسات المالية التقليدية بسبب الضمانات المالية الكبيرة التي تطلبها هذه المؤسسات، من كونها تسهّل نفاذ هذه المشروعات للتمويل اللازم لاستدامة نشاطها وتطويره.

والمؤسسة هي شركة مساهمة مغفلة تقوم بضمان القروض الممنوحة من قبل المؤسسات المالية العامة والخاصة العاملة في سورية (المساهمة أو غير المساهمة في المؤسسة) للمشروعات الصغيرة والمتوسطة وفق أسس اقتصادية، لتسهيل نفاذ هذه المشروعات إلى التمويل اللازم لاستمرارها، وذلك بهدف تنمية قطاع المشروعات وزيادة مساهمته في التشغيل والنمو الاقتصادي وبما يتكامل مع المنظومة المؤسساتية الناظمة لعمل وتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة.

تقوم المؤسسة بضمان مخاطر القروض الممنوحة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، بالإضافة إلى شراء القروض المنفذة وفق أسس اقتصادية.

  • ‌ب- احداث المؤسسة الوطنية للتصنيف الائتماني للمشروعات الصغيرة والمتوسطة

ترى الوزارة ضرورة احداث مؤسسة وطنية للتصنيف الائتماني وإن في مرحلة لاحقة بحيث يتم حالياً تعزيز القدرات المؤسساتية الحالية للمديرية المعنية لدى مصرف سورية المركزي لقياس درجة الملاءة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة وتقييمها وفق معايير وضوابط محددة تناسب الواقع المحلي، بحيث يتم تصنيف هذه المشروعات وفق تصنيفات ائتمانية قصيرة وطويلة الأجل وربط المزايا الممنوحة لهذه المشروعات بهذا التصنيف.

  1. احداث مديرية للمشروعات الصغيرة والمتوسطة في الجهات العامة ذات الصلة

هناك حاجة لاحداث مديرية للمشروعات الصغيرة والمتوسطة في كافة الجهات العامة المعنية بتنمية هذا القطاع (وزارات الزراعة والإصلاح الزراعي، والإدارة المحلية، والسياحة- المكتب المركزي للإحصاء- هيئة التخطيط والتعاون الدولي- مصرف سورية المركزي).

تقوم هيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة بالتنسيق مع المديريات المحدثة في الوزارات والجهات العامة للوصول إلى رؤية موحدة وفهم مشترك لدى الجهات المذكورة لاحتياجات قطاع المشروعات وآليات تطويره.

 

اظهر المزيد