دراسات و تحقيقات

أجرة الشقة الخالية وصلت إلى 70 ألف ليرة في الشهر.. سماسرة العقارات وتجارها «ذبحوا» المواطن..!!

سينسيريا ـ وسيم وليد إبراهيم:   

ظاهرة الاستغلال لحاجات الآخرين للأسف لم تخل من الواقع الحالي الذي نمر به، فكثيراً ما نسمع عن استغلال يمارس بحق العديد من المحتاجين في العديد من الجوانب المعيشية، بدءاً من لقمة العيش ووصولاً إلى المسكن.

ذئاب تنهش دون رحمة

الغريب في الأمر، أن سورية وعبر الأزمنة كانت الحضن الدافئ للعديد من الأشقاء العرب أثناء الحروب والأزمات التي مرت ببلادهم سواء في لبنان أو العراق أو فلسطين، ولم يكن من المواطن السوري إلا أن قام بفتح منزله دون أي مقابل لهؤلاء الأشقاء، ولكن وفي ظل الظروف الحالية، نرى العكس تماماً، فأبناء الجلدة الواحدة، يستغلون بعضهم البعض دون أي رحمة أو شفقة، فما الذي تغير؟ ولماذا هذا الاستغلال يحدث، وهل تغيرت أخلاقنا أم ماذا تغير؟.

الكثير من الشكاوى ترد يومياً عن الاستغلال الكبير الذي يتعرض له المواطنون من قبل مكاتب سماسرة العقارات ومن قبل أصحاب المنازل، فتارة يطالب أصحاب المساكن من المستأجر زيادة بالإيجار لحد غير معقول حتى باتت أسعار الإيجارات في الحارات النائية وعلى أطراف المدن تبلغ نحو 40 ألف ليرة شهريا!!.

وبعيداً عن الرحمة وبعيداً عن الأخلاق، نجد من يؤجر أسرة مهجرة هربت من الإرهاب ولا تملك قوت يومها، شقة “على الهيكل” ولا يتوفر فيها أدنى متطلبات ومستلزمات العيش اليومية سواءاً الماء أو الكهرباء أو حتى الأبواب والنوافذ، بأسعار تصل إلى 15 ألف ليرة شهرياً، أيضا من الشكاوى الكثيرة، أسرة لم تجد منزلاً في ظل الازدحام الكبير على طلب المساكن سواء في الأرياف أو المدن، ولكن أحد أصحاب المكاتب العقارية وجد لها مكاناً في “كراج” في إحدى المدن القريبة من دمشق وبإيجار شهري يصل إلى 18 ألف ليرة، ..نعم “كراج” فقط لا يحوي مطبخاً ولا يحوي مكاناً لقضاء الحاجة، ولا يحوي نوافذاً ولا أبواباً..كراج على أطراف إمدينة “جرمانا” بريف دمشق، ورغم أن هذه الأسرة المهجرة دفعت هذا المبلغ إلا أن صاحب “الكراج” طلب من الأسرة بعد انتهاء العقد زيادة في الإيجار، وإلا فإنه سيضطر إلى رمي حاجياتهم في الشارع، وبين الحين والأخر يأتي صاحب المكتب العقاري ليأخذ “كومسيونه” وإلا لن يستطيع أن يساعد الأسرة المهجرة في البقاء بهذا الكراج.

حتى بعض أصحاب المكاتب العقاربة باتوا يمارسون استغلالاً غير طبيعي، في ظل زيادة الطلب على الإيجارات وخاصة في المناطق الآمنة، سواء في الأرياف أو المدن، فإذا أردت الحصول على شقة فما عليك إلا أن تدفع “فنجان قهوة” لصاحب المكتب العقاري ليلبي لك حاجتك من المسكن، كذلك وعليه أن يأخذ نصيبه من العقد الموقع عدا عن الإكرامية كما يقول أحد المواطنين.

الأسر المهجرة التي هربت من الإرهاب المسلح، صدمت للأسف باستغلال يمارس من أصحاب الشقق والمنازل والمكاتب العقارية، إلا من رحم ربي، رفع في الأسعار وكأن هذه الأسرة غير سورية، وكأن هذا الذي يحدث في أسواق العقارات ضرب من الخيال ولكنه للأسف أصبح واقعاً مريراً تعاني منه آلاف الأسر.

أسرة مهجرة، الزوج مسرح من العمل بسبب إصابة عمل ولديه راتب يصل إلى 28 ألف ليرة شهرياً، تقول الزوجة: “نضع الراتب كله أجرة لمنزل، ولا أعلم من أين آتي بمصروف لأولادي الثلاث”، مضيفة : “هجرنا مرتين واستقرينا في جرمانا، ولكن أسعار الإيجار في تلك المنطقة كاوية، فاضطررنا إلى البحث عن منزل في الأرياف، فوجدنا ولكن بسعر يصل إلى 20 ألف ليرة شهرياً”.

نعم أسرة هجرت لا تملك سوا الثياب التي عليها، ويأتي صاحب العقار ويطلب أرقاماً مخيفة لكي يمنحهم “السترة” في شقة ربما لا تصلح للسكن أصلاً، كيف يحدث ذلك في مجتمعنا، وأين هي أخلاقنا وأين هي مسؤوليتنا تجاه بعضنا، وأين هي ضمائرنا، سورية تمر بحرب شرسة، وذئاب الأزمة ينتشرون لينهشون بلحم الفقراء والمهجرين، فأين نحن من أخلاق عرفنا بها منذ زمن ليس ببعيد؟.

يوسف: أجور الشقق غير المفروشة وصلت إلى 70 ألف ليرة شهرياً في دمشق

ولمعرفة حال سوق الإيجارات في سورية التقينا الباحث في الاقتصاد العقاري الدكتور عمار يوسف، الذي أوضح في تصريح خاص لموقع “سينسريا”، أن المسكن الواحد تحول من سكن لعائلة إلى مسكن لعدة عائلات واتفاق مجموعة من الأقارب على استثمار منزل واحد والإقامة فيه وتوزع أعباء الإيجار على الجميع، مضيفا إن نسبة هذه الحالة بلغت ما يقارب 25% من مجموع العقارات المؤجرة، مع ملاحظة أن هذا النوع من الإيجار قد يتطلب مبالغ كبيرة.

وأكد أن استئجار عائلة واحدة لمسكن واستغلال حاجتهم والسرعة في تأمينها من قبل مالك العقار، يدفعه لرفع السعر بما يقارب 5 أضعاف الإيجار الحقيقي، مشيراً إلى أن متوسط إيجار الشقة الخالية من الفرش في بعض مناطق دمشق بلغ سعرها 70 ألف في المزة ووسط البلد، وبلغ إيجار الشقة المفروشة 100 ألف ليرة في ذات المنطقة.

ولفت إلى أن إيجار الشقة الخالية من الفرش بلغ 35 ألف في قدسيا بريف دمشق و60 ألف للمفروشة في ذات المنطقة، واعتبر أن المشكلة الحقيقية تكمن في عدم قبول صاحب العقار لعقد إيجار يتجاوز 6 أشهر مع دفع بدل الإيجار مسبقاً وذلك لغاية استغلالية.

لا حماية من الاستغلال

وأشار إلى قيام صاحب العقار بعد نهاية مدة العقد، برفع ذلك الإيجار بنسبة لا تقل عن 30%، ما يضع المستأجر أمام احتمالات إما النزوح للشارع وإما القبول بهذه الزيادة، وإما التوجه لأحد مراكز الإيواء التي أحدثتها الحكومة في المناطق الآمنة، وهي ليست بالحجم الذي يمكنها من استيعاب العدد الكبير من المهجرين والذي يصل عددهم لـ3.5 ملايين، دون النظر لمن لجأ لخارج سورية، حيث بلغت نسبة مالكي العقارات الذين يقومون بذلك نحو 85% في ظل عدم إمكانية حماية المستأجرين من الاستغلال قانونيا.

ولفت إلى أنه لم يكن في سورية توسع كبير في مؤسسة الإيجار، حيث إن المواطن السوري يسعى لشراء مسكن له وهم النسبة الكبيرة أو يسعى لاستثمار عقار ونسبتهم أقل، مشيرا لقيام أغلبية أصحاب العقارات بشراء عقاراتهم لاستثمارها في عملية البيع والشراء وليس للتأجير، ولم يتجاوز نسبتهم 20 % من مالكي العقارات.

الإيجارات ارتفعت 5 أضعاف

وبين يوسف أن مؤسسة الإيجار ظهرت في المجتمع العقاري، نتيجة تبدل الأوضاع العقارية وتقسيم الخريطة العقارية إلى مناطق آمنة ومتوترة، وحالة النزوح الهائلة التي جرت من المناطق المتوترة للآمنة، ما أدى للطلب الهائل على العقارات في المناطق الآمنة لغاية الاستثمار بشكل مؤقت أو توقف عملية البيع والشراء، ما أدى لتغير النظرة للعقار وأصبح مالكو العقارات يقبلون بفكرة التأجير بسبب ارتفاع الإيجارات، ما حوّل الإيجار إلى استثمار مقبول للمالكين بنسبة بلغت 80% للاستثمار الإيجاري في العقارات.

وأشار إلى أن حركة النزوح كانت قليلة في بادئ الأمر، وسرعان ما تزايدت في ظل ازدياد العمليات الأمنية، بحيث وصل عدد السكان المهجرين في السنة الثانية من الأزمة لما يقارب 750 ألف نسمة في الريف المحيط بدمشق، توجه منهم ما يقارب 250 ألف إلى مركز المدينة، و500 ألف إلى الضواحي القريبة من مناطق السكن، وهناك من توجه لمراكز الإيواء ما شكل ضغطا كبيراً على تلك المناطق، وأدى لرفع أسعار إيجارات العقارات لما يعادل 4 أضعاف في 5 مناطق بدمشق كـ”المزة ووسط البلد وضاحية قدسيا وصحنايا وعدرا العمالية”.

وأكد أنه لا يمكن السيطرة على موضوع بدل الإيجار العقاري باعتباره يخضع لقانون العرض والطلب وأن العقد شريطة المتعاقدين، كما أن المالك للعقار من يحدده فقط.

ولفت إلى أن هناك جمود كبير في حركة البيع والشراء في السوق العقارية، في حين تشهد عمليات التأجير ارتفاعات شاهقة وكبيرة في الأسعار.

وعن تفصيل أسعار الإيجارات قال يوسف: حسب آخر الأرقام  فإن هناك ارتفاع في سعر المسكن المتوسط المساحة والمفروش غالباً في دمشق لأن غالبية المستأجرين مهجرون، خرجوا من منازلهم بدون أي مفروشات خاصة بهم وغالباً حتى بدون ملابسهم حتى وصل لأرقام خيالية ‭‬50000‭‬ في المناطق المتوسطة بقلب المدينة وحتى ‭‬30000‭‬ في مناطق السكن العشوائي ضمن مدينة دمشق، وفي الريف القريب كضاحية قدسيا وصل المسكن ذي المساحة التي لا تتجاوز ‭‬60‭‬ متراً مربعاً والخالي من المفروشات حتى سعر ‭‬20000‭‬ شهرياً مما يجعل كثير من المواطنين المهجرين عاجزين عن تأمين هذا المبلغ بشكل شهري في ظل توقف عامل الحركة الاقتصادية.

تعليق: لا بد من تدخل للحكومة لكسر الاحتكار والاستغلال

يبقى القول في النهاية، أن استغلال حاجات الآخرين والمضطرين لا يقل خطرا عن الذي يحمل السلاح في وجه أبناء بلده، وهنا لا بد من أن نذكر بعضنا البعض بأخلاق كنا نتمتع بها، و”بنخوة” أصبحنا نحتاج إليها حاليا، فهل فقدناها؟.. أيضا لا بد من كسر قاعدة ” العقد شريطة المتعاقدين” في قضية الآجارات، كون وطننا يمر بظروف استثنائية، فالذي يريد أن يؤجر يجب أن يخضع لشروط وتقييم من قبل خبراء عقاريين يقومون بتقييم الأجر الشهري للعقار، لا أن يترك وفق مزاجه، كما نأمل من الحكومة أن تقوم بإنشاء مشروع لذوي الدخل المحدود مخصص للإيجارات وبأسعار رمزية وذلك من خلال بناء شقق مسبقة الصنع سريعة الإنشاء وتأجيرها للمضطرين، وبذلك تكون قد تدخلت إيجابيا في السوق وكسرت من احتكار أصحاب العقارات.

اظهر المزيد